بقلم خليل اسماعيل رمّال
كم كان مشهداً مقزِّزاً للنفس ونحن نشاهد رئيس شبه حكومة غير تمام لشبه وطن لا يعرف أنْ يقرِّر شيئاً بنفسه من دون الخارج، وهو يودِّع ملك عائلته في مطار الرياض قبل مغادرته في رحلة سياحة وإستجمام إلى المغرب. ولحسن الحظ، حظي رأس حكومة بلد الخربة بدقائق معدودة ثمينة مع مليكه قبل توديعه كانت كافية لمعالجة الوضع اللبناني برمته. لكن بقي تفصيل صغير: ينتظر إنتخاب رئيس للجمهورية في وطن خيال الصحرا إجازة ملك العائلة السعودية.
تمَّام سلام بدا وكأنه من حواضر البيت السعودي يودع مليكه من ضمن الحاشية وكان منظره قد أعادنا بالذاكرة إلى مشهد مهين سابق لسلفه سعد الحريري الذي كان في عداد حاشية وفد رأسه مقرن بن عبد العزيز أيام كان مديراً للإستخبارات السعودية وهو يقوم بمهمة مصالحة في باكستان. لكن الحريري وسلام لا يشعران بالمذلَّة أو المذمَّة أمام ولي نعمتهم ولا تشعر كتلة «لبنان أولاً» بالإهانة إزاء «السلطان» الوهَّابي لأنَّ النظام السعودي، بعكس السوري أو الإيراني أو حتى أبناء المقاومة، هو لبناني مئة في المئة وربَّما تسري في عروقه دماءٌ فينيقيَّة أيضاً! كذلك فإنَّ الحريري لا يجد حرجاً من خدمة بلده الأول، أما سلام فهو وعائلته أباً عن جد كانوا جميعاً في خدمة السعودية يقتاتون على فتاتها!
تلك هي العقلية و«الشطارة» اللبنانية التي تتهكَّم على كل المخلوقات البشرية غير الفينيقيَّة ثم تقبل أن يتحكَّم فيها رعيان الطويسة! كلهم كانوا زمن الوجود السوري، الذي يسمَّونه اليوم وصاية، يخضعون لإرادة ورغبة ومشيئة دمشق من المرحوم رفيق الحريري إلى روبير غانم المتلوِّن وبطرس حرب وميشال سليمان وما يسمّى اليوم بالصقور من مروان حمادة وفتفت إلى الضاهر والمرعبي، والملقبون بالمشايخ. كلُّهم في الرياء.. جنبلاط. وهم مهما لمَّعوا صورهم وأظهروا عنترياتهم وبطولاتهم الهوائية الدونكيشوتية المزعومة ضد سوريا اليوم أو صوَّروا لنا أنهم كانوا مغلوبين على أمرهم فهذا جبنٌ موصوف وعذرٌ أقبح من ذنب ومن يستبدل «وصايةً» سورية بأخرى سعودية هو كمن يستجير من الرمضاء بالنار!
لقد كانت أمام مسؤولي الوطن العاق، ولا تزال، فرصة الكرامة والإباء بعد انتصار الدم على السيف وإخضاع أعتى قوة إرهابية تملك جيشاً لا يُقهر، من قبل مقاومة قلَّ مثيلها في التاريخ، بعد أنْ كان العدو يستبيح لبنان ساعة يشاء ويخطف ويقتل ويغزو ويدمِّر على مزاجه فأصبح حالياً يخطف خرافاً ورعياناً ثم يعيدهم «مثل التوتو» في اليوم التالي خوفاً وجبناً بسبب توازن الرعب الذي أقامته المقاومة التي نحتفل بذكرى تحريرها للأرض في هذه الأيام. لكن تمَّام سلام، وغيره من وحوش المال والمافيا والسياسة، إذا كان لا يشعر بالكرامة التي بثَّتْها ونشرتها المقاومة فإنَّ أصحاب وأبناء العنفوان والمقاومة يشرِّفون كل عروش وأموال الكون أجمع ولكن من لا يهوى تسلُّق الجبال يعش دوماً بين الحفر!
الموقف السعودي متردِّد ومذبذب ولا يكاد يصل إلى رأي. على الأقل في فترة الوجود السوري كانت هناك دولةً تعمل وكان سياسيو لبنان يتملَّقون ويمالئون السوريين لكي يستفيدوا من هذه المرحلة ولتحقيق مصالحهم.
وقد كانت مهزلة حقيقيَّة إنتظار سعد الطائر لكي يقرِّر إنتخاب العماد ميشال عون. هو مثل إنتظار تعلُّم صابر، حمار غوار، عزف البيانو. فليس أمر سعدو بيده بل بيد أسياده في العائلة المالكة. إذن الفراغ وقع بعد مسرحية جلسات الانتخاب والفراغ القوي أفضل من الرئيس الضعيف على شاكلة أبو بيضة القبان أو ما يُسمَّى رئيس من خارج لائحة المرشحين الأربعة مثل زيد أو جان عبيد أو دميانوس. لكن الزمن الذي كان العالم ينتخب فيه رئيس بعبدا ثم يُفرض على اللبنانيين قد انقلع إلى غير رجعة، لأنَّ العصر هو عصر المقاومة والذي يفرض المعادلة هو سواعد الوطنيين الشرفاء في البلد لا الربع الفاني الخالي ولا الغرب البالي!
سعد نفى أنْ تكون السعودية قد دخلت في أسماء المرشحين قبل ٢٥ أيار أو ما بعده طبعاً فنحن لا ننسى أنَّ السعودية على مسافةٍ واحدة من جميع اللبنانيين (الأصليين من فصيلة مجد لبنان أعطي لغيره)، لكن ماذا يقول طويل العمر عن قرار سعود الفيصل بعدم تأييده لوصول عون إلى الرئاسة؟
حقيقة أنَّ الفيصل لا يريد العماد رئيساً، يجب أنْ يصبح إنتخاب ميشال عون واجباً وطنياً ومن العار على «٨ آٓذار» أن تقبل بأحدٍ غيره.
ميشال عون أرعب الجميع، جعجع والسنيورة ووليد جنبلاط وميشال سليمان وحتى الراعي وبعض أقطاب «٨ آذار» أيضاً مما جعلهم يتطوَّعون عند أسيادهم لمنع وصوله إلى الرئاسة الأولى. ومن كثرة قلق وليد جنبلاط وهلوساته في الليل وهوسه في النهار أخطأ بإسم أبو خشب عندما كان يرحب به في حفل بريح مع ما تبقَّى من المسيحيين الذين هجَّرهم من الجبل الذي شهد مجازره فذكر ميشال عون بدل سليمان. والظاهر أنَّ إسم عون سبب الزهايمر لأمير الكويت عندما قدَّم ميشال سليمان والتوتر لدولاب اليانصيب البشري جنبلاط. هذا الخطأ جعل ميشال سليمان يبتسم لأوَّل مرَّة بعد أنْ كان في كل صوره يبدو مكتئباً ومتجهماً بشكل أكثر من صاحب إيليا أبو ماضي، ويا ليته لم يبتسم فتجهمه أفضل. ثم أي رئيس في العالم يتحدَّث عن البيضتين في هكذا حفل؟!
أما الراعي فأكثر من زيارته التطبيعية الى القدس المحتلَّة، إنصبَّ اهتمامه على منع شغور موقع الرئاسة الماروني واحتمال، يا للهول، أن يصبح السني رئيس الحكومة رئيساً بالوكالة إلى حين إنتخاب الأصيل مع أنَّ لا رئيس أصيلاً في شبه الوطن ما عدا العماد المقاوم إميل لحُّود.
الراعي محروق إلى درجة الوقوع في المحظور أي إقتراح التمديد لأبو بيضتي القبان سنة أو سنتين. والسؤال هنا ماذا يفيد الأمَّة المارونية إنتخاب رئيس للجمهورية أو إنتخاب ممثلي الطوائف في المواقع الاخرى؟ هل تحسَّنتْ حالة كل مواطن بتوزيع المناصب الحكومية حسب الطائفة؟!!
ثم على الراعي إذا كان مهتمَّاً فعلاً برعيته أنْ ينظر إلى انعكاس زيارته الخطيرة على الموارنة والمسيحيين بشكلٍ عام لا الفراغ الرئاسي وكيفية ملء هذا الفراغ باي شخصٍ كان!
ولا يجب الختام من دون الحديث عن جعجع الذي استغرب كيف يتحوَّل عون بعد ٩ سنوات «من الممارسات في خط مختلف تماماً إلى مرشح توافقي وإنَّ أحداً لم يبلغنا ان مذكرة التفاهم مع «حزب الله» قد الغيت!!»، ونحن بدورنا نسأل جعجع، هل أبلغ اللبنانيين قبل إعلان ترشحه العبثي إنه ليس سمير جعجع المتهم والمحكوم بأكثر من ٢١ جريمة موصوفة من بينها اغتيال رئيس وزراء لبنان الشهيد رشيد كرامي؟!
وهل ورقة التفاهم التي تدعو إلى الحدّ من تأثير المال السياسي الساعي إلى تعميم العصبيات المذهبية والطائفية، وهل اعتماد معايير العدالة والتكافؤ ووضع خطة أمنية متكاملة وتحديد واضح للصديق والعدو، وحماية لبنان وصون استقلاله وسيادته، وإنَّ حمل السلاح ليس هدفاً بذاته وإنما وسيلة شريفة مقدَّسة تمارسها أي جماعة تُحتل أرضها تماماً كما هي أساليب المقاومة السياسية وحماية لبنان من الاخطار الإسرائيلية من خلال مؤتمر وطني يؤدي إلى صياغة إستراتيجية دفاع يتوافق عليها اللبنانيون وينخرطون فيها عبر تحمل اعبائها التي تبنتها ورقة التفاهم، هي خطيئة يجب على الجنرال عون أنْ يتبرأ منها حتى يكون مرشَّحا توافقياً!!
أهلاً بالفراغ القوي الذي هو أفضل من الرئيس الضعيف!
Leave a Reply