ينتظر العالم بمن فيه العرب والمسلمون أن يسارع الرئيس الأميركي باراك أوباما في فترة ولايته الرئاسية الثانية التي فاز بها في انتخابات يوم الثلاثاء الماضي أن يطرح جدول أعمال إدارته على صعيد السياسة الخارجية، وقال الناطق باسم وزارة الخارجية الإيرانية رامين مهمانبرست إن الرأي العام الإسلامي وشعوب المنطقة ينتظر من الرئيس أوباما أن ينفذ وعوده التي قطعها إبان حملته الانتخابية بشأن تغيير سياسة بلاده الخارجية. وأضاف مهمانبرست «يمكن لواشنطن إذا ما أعادت النظر في سياساتها الشرق أوسطية وعدم التدخل في شؤون الدول الاخرى، أن تستعيد مكانتها الدولية إلى حد ما» ورأى أن رسالة الشعب الأميركي من خلال انتخاب الرئيس أوباما تتمثل في ابتعاد الولايات المتحدة عن سياساتها المتطرفة وتنفيذ الوعود التي قطعها أوباما خلال حملته الانتخابية.
وبالرغم أن أوباما ركز في حملته الانتخابية على قضايا السياسة المحلية وخاصة الاقتصاد وتوفير الوظائف والرعاية الصحية وإقرار الميزانية التي تلوح في الأفق أن أزمة بشأنها تنتظره مع الكونغرس. فإن فوزه يمنحه فرصة ثانية وأخيرة للحفاظ على النجاحات التي حققها خلال فترته الأولى وإنهاء ما لم يتمكن من إنهائه خلال الأربعة أعوام الماضية.
ويرى مسؤولون ومحللون أميركيون أن أوباما سيكون مضطراً إلى التحرك قبل حفل تنصيبه في العشرين من كانون الثاني (يناير) المقبل للتعامل مع الأزمات المتصاعدة في المنطقة حيث يواجه قضية مهمة خاصة بشأن تعامله مع تصاعد الأزمة السورية بما يرافقها من صراع مسلح يعمل على تدمير البلد منذ 20 شهرا يهدد بشكل متزايد بانتقاله إلى الدول المجاورة وشكل قطبا جاذبا من المقاتلين الإسلاميين المتطرفين وكميات أكبر من الأسلحة.
ويقول المسؤول السابق في إدارة الشرق الأوسط في الخارجية الأميركية هرون ديفيد ميلر والباحث في «مركز ويدرو ويلسون» إن «مشاكل السياسة الخارجية التي تواجه إدارة أوباما الثانية، هي مثيرة للإزعاج والإرباك بقدر أي مشاكل واجهتها أي إدارة أميركية في العصر الحديث».
وفيما يتعلق بالمواجهة مع إيران بشأن ملفها النووي، فإن مسؤولي وخبراء السياسة الخارجية الأميركيين يرجحون استمرار سياسة أوباما التي تركز على ضرورة نيل الفرصة الأخيرة لإجراء مفاوضات مباشرة مع إيران في إطار مجموعة خمسة زائد واحد أو ثنائية في الأشهر القليلة المقبلة من أجل اتفاق نووى يدرأ هجوماً عسكرياً على منشآت إيران النووية، وتجنب ربما حربا جديدة في المنطقة.
ويقول غاري سيك الخبير بالشؤون الايرانية والمسؤول السابق في مجلس الأمن القومي في عهد الرئيس السابق جيمي كارتر إن «أوباما مهد الساحة بعناية وهو يملك خيار محاولة التوصل الى اتفاق على نحو ما بشأن المسألة النووية وهذا يعني الكثير بالنسبة له».
كما يتعين على حكومة أوباما القادمة اجتياز مرحلة خفض عدد القوات المعقدة لوجستيا فى أفغانستان في عام 2014، لكن مسألة ما إذا كانت القوات الأفغانية ستكون مستعدة للاضطلاع بمسؤولية تأمين البلاد وشكل العلاقات الأميركية الأفغانية لا يزالان غير مؤكدين. بينما تتعامل مع توالي العواصف السياسية والمالية التي تجتاح أوروبا وأفريقيا وآسيا.
وفيما يتعلق بالعلاقة مع دول المنطقة التي شهدت تغييرات سياسية بعد حركات الاحتجاجات الشعبية التي شهدتها في العام الماضي يواجه أوباما كما تقول صحيفة «واشنطن بوست» «مشهدا يشي بعدم اليقين في الشرق الأوسط حيث تسعى الولايات المتحدة إلى الابتكار من جديد فى علاقاتها مع مصر وليبيا وحتى مع استمرار ثورات الربيع العربي».
وفي الوقت نفسه يواجه البيت الأبيض كوريا الشمالية المسلحة صاروخيا ونوويا، بالإضافة إلى الريبة المتزايدة من حكومات موسكو وبكين. ويرى محللو السياسة الخارجية الأميركية أن «أوباما سيواصل عمله المحوري في آسيا، والذي يسعى من خلاله الى إعادة توجيه السياسة الأميركية هناك للاستفادة من النمو المتوقع في دول مثل الصين والهند» وربما يدفع ذلك بأوباما إلى تقليل التركيز على قضية تسوية الصراع العربي-الإسرائيلي.
ويعزو معلقون هذا الرأي إلى التوتر الذي شاب العلاقات بين أوباما ورئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو وسياساته المتصلبة والمتطرفة وخاصة فيما يتعلق بالاستيطان. وكان نتينياهو قد أظهر بدون مواربة تأييده للمرشح الجمهوري ميت رومني، وفي الوقت نفسه لا يزال يبقي على علاقات قوية مع أعضاء الكونغرس، وتحديدا الجمهوريين، وأميركيين آخرين ذوي النفوذ، ولكن العلاقات المتوترة مع أوباما ربما تبرهن أكثر من أنها مجرد صداع سياسي مؤقت.
واشارت صحيفة «نيويورك تايمز» إلى أن زعماء ومحللين إسرائيليين يبدون مخاوف من أن نتنياهو عرقل قدرته في التأثير على واشنطن في القضايا السياسية الحيوية، وتحديدا التهديد النووي الإيراني.
وبشكل عملي، فإن إسرائيل قلقة من أن توافق أميركا على الدخول في محادثات مباشرة مع طهران، وأن تتساهل مع طلب السلطة الفلسطينية هذا الشهر برفع مكانتها بالأمم المتحدة.
ونقلت الصحيفة عن ميتشل باراك، منظم استطلاعات واستراتيجي، قوله «إن نتنياهو لعب على الحصان الخاسر» وأن أي شخص ينتخب رئيس الوزراء عليه أن يتعامل مع العلاقات الأميركية الإسرائيلية الحالية، وأن جميعنا يعلم أن نتنياهو ليس هو الرفيق الصحيح».
ويعتقد البعض أن أوباما سيعمل على معاقبة نتنياهو، ولكن العلاقات المعروفة بتوترها أصبحت أسوأ خلال الشهور الأخيرة ليس فقط بسبب مسألة ميت رومني ولكن أيضا بسبب موقف نتنياهو المتشدد حيال إيران.
غير أن الكاتب والمحلل السياسي الأميركي اأبرت هانت يرى أن هناك العديد من المؤشرات التي ترجح إستمرار أوباما في نفس منهجه حول ملف السياسة الخارجية الأميركية وأنه سيكون إستمرارا للسنوات الأربع الماضية، وذلك على الرغم من غياب بعض المسؤولين البارزين عن إدارته في المرحلة المقبلة مثل وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون التي أعلن أوباما مؤخرا أنه يفضل بقاءها في منصبها إذا ما أعيد انتخابه لكنه قال إنها قررت «رغم توسله»، ألا تبقى في هذا المنصب، وربما وزير الدفاع ليون بانيتا أيضا الذي بالرغم من ترجيح مراقبين بقاءه في منصبه فإن من بين المرشحين لخلافته هو نائبه الحالي آشتون كارتر كما أن وكيلة وزارة الدفاع السابقة للشؤون السياسية ميشيل فلورنوي من بين المرشحين للمنصب لتكون في هذه الحال أول امرأة تتولى هذا المنصب في تاريخ الولايات المتحدة. وأيضا هناك مرشح آخر هو ريتشارد دانزينغ وزير البحرية في عهد الرئيس السابق بيل كلينتون.
ومن المرشحين لخلافة كلينتون المندوب الأميركي الدائم لدى الأمم المتحدة سوزان رايس التي تعتبر من الدائرة اللصيقة بأوباما ولكنها في بعض قضايا السياسة الخارجية تعتبر أنها من صقور الإدارة، غير أن مراقبين يعتقدون أن موقفها وتصريحاتها الخاصة بحادثة الهجوم على القنصلية الأميركية في بنغازي بليبيا قد يعيق المصادقة عليها من قبل مجلس الشيوخ في حال ترشيحها للمنصب، وهو الأمر الذي قد يؤدي إلى إطالة بقاء كلينتون في منصبها حتى الانتهاء من ذيول قضية قنصلية بنغازي. كما أن من بين المرشحين للمنصب رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ جون يري الذي يعتبر من أبرز مستشاري أوباما في السياسة الخارجية وكان ضمن المجموعة التي أعدت إجابات الرئيس أوباما حول السياسة الخارجية في مناظراته الثلاث مع منافسه الجمهوري ميت رومني. ويرجح العديد من المراقبين ترشيح كيري خاصة وأن الديمقراطيين يمتلكون اغلبية مريحة الآن في مجلس الشيوخ.
Leave a Reply