واشنطن – أعلن الرئيس الأميركي باراك أوباما، الأربعاء الماضي في خطابه الأول عن «حال الإتحاد» منذ إعادة انتخابه رئيساً للبلاد في الخريف الماضي، الخطوط العريضة لولايته الثانية، صابّـاً جل اهتمامه على الشأن الداخلي الأميركي دون إغفال العديد من الملفات الدولية المعقدة ولاسيما في الشرق الأوسط مع تجاهل شبه مطلق للربيع العربي الذي احتل الحيز الأكبر من خطاب العام ٢٠١٢.
وفي خطابه الذي تشكل من حوالي سبعة آلاف كلمة واستمر على مدى ساعة، كانت رسالة أوباما الأقوى موجهة الى الكونغرس نفسه مؤكداً أن لديه تفويضاً لحكم البلاد، وسيأخذ زمام المبادرة إذا لم يتعاون المشرعون في إنجاز جدول أعماله الذي طبع بالتوجهات اليسارية الليبرالية.
أوباما خلال خطاب «حال لإتحاد» ويبدو خلفه باينر وبايدن مصفقين. (رويترز) |
دوليا، تعهد اوباما بمواصلة الضغط على النظام السوري ودعم المعارضة «التي تحترم حقوق السوريين»، والاستمرار بالدفاع عن حقوق الإنسان في دول منطقة الشرق الأوسط، لكنه لم يشر الى تنحي الرئيس بشار الأسد. وعلى الجانب الإيراني، وردت أربعون كلمة فقط خصصت للأزمة المستمرة مع طهران حيث حمل خطاب الرئيس إشارة عابرة تضمنت دعوة القادة الإيرانيين «إلى الإقرار بأن الوقت قد حان لحل دبلوماسي، وإن التحالف الدولي متحد في مطالبته لإيران بالوفاء بالتزاماتها، وإن واشنطن ستبذل كل ما هو ضروري لمنع طهران من حيازة سلاح نووي».
كما وعد أوباما بسحب 34 ألف جندي أميركي من أفغانستان خلال العام المقبل، مع تشديده على أن الولايات المتحدة ستساعد حلفاءها لمواجهة تهديد تنظيم «القاعدة». وقال أوباما «في الشرق الأوسط، سوف نقف الى جانب الذين يطالبون بالحقوق الدولية وسوف ندعم العمليات الانتقالية نحو الديمقراطية». وأضاف «سوف تكون العملية محفوفة بالمخاطر ولن نتمكن من الادعاء باننا نملي عملية التغيير في دول مثل مصر، ولكن بامكاننا وسوف نعمل على الحض على احترام الحقوق الأساسية لكل الشعوب». وبخصوص الحرب على الإرهاب اعتبر أوباما أن تنظيم «القاعدة» أصبح ضعيفاً، لكن فروعه المختلفة والمجموعات المرتبطة به ظهرت «من شبه الجزيرة العربية إلى أفريقيا». وشرح مجدداً عقيدته الخارجية، مؤكداً أنه في مواجهة هذه المجموعات المتشددة «لا نحتاج إلى إرسال عشرات الآلاف من أبنائنا وبناتنا إلى الخارج لاحتلال بلدان أخرى. بدلاً من ذلك، سنحتاج إلى مساعدة بلدان مثل اليمن وليبيا والصومال لتوفير أمنها الخاص، ومساعدة الحلفاء الذين ينقلون القتال إلى الإرهابيين، كما فعلنا في مالي». وتمسك أوباما باستراتيجية استهداف عناصر تنظيم «القاعدة» في الخارج من دون أن يسمّي الطائرات من دون طيار، لكنه لفت إلى أن إدارته «عملت بلا كلل للتوصل إلى إطار دائم قانوني وسياسي لتوجيه جهود مكافحة الإرهاب»، واعداً الكونغرس أن يكون أكثر شفافية في الأشهر المقبلة حول هذه المسألة.
وتابع قائلا «سوف نواصل ممارسة الضغط على النظام السوري الذي يغتال شعبه وسوف ندعم قادة المعارضة الذين يحترمون حقوق جميع السوريين». لكن أوباما المنتظر أن يتوجه الى إسرائيل والأردن والأراضي الفلسطينية في 20 و21 آذار (مارس) لم يقدم أي اقتراح ملموس، واكتفى بالقول «نحن بكل حزم مع إسرائيل في مطالبتها بأمنها وبسلام دائم.. هذه هي الرسائل التي سأوجهها الشهر المقبل عندما اتوجه إلى الشرق الاوسط».
كما توعد أوباما القيام بعمل حازم ضد التحريض الذي تقوم به كوريا الشمالية، وقال معلقا على تجربتها النووية الثالثة «إن عمليات تحريض كالتي رأيناها الثلاثاء (الماضي) لن تزيد إلا من عزلة كوريا الشمالية في الوقت الذي نقف فيه إلى جانب حلفائنا ونحن نعزز دفاعنا المضاد للصواريخ وسنحمل الأسرة الدولية على القيام بعمل حازم ردا على هذه التهديدات».
وأضاف «يجب أن يعلم نظام كوريا الشمالية انه فقط ومن خلال التزامه بواجباته الدولية سيكون في أمان وازدهار، وأميركا ستواصل العمل على منع نشر الأسلحة الأكثر خطورة في الكوكب».
وفي الشأن النووي أيضا، أعلن أوباما أنه يريد أن يبحث مع روسيا خفضا إضافيا للترسانة النووية بعد تبني معاهدة ستارت لنزع الأسلحة نهاية 2010، وقال «سوف نبدأ بمحادثات مع روسيا بحثا عن خفض اضافي لترسانتنا النووية». وهذه المعاهدة التي يسري مفعولها لعشر سنوات تنص على ان كلا من الدولتين يمكن ان تنشر 1550 راسا نوويا كحد أقصى، أي خفض ما نسبته 30 بالمئة مقارنة بالعام 2002.
وفي الشأن الداخلي دعا الرئيس الأميركي الكونغرس إلى تبني قانون شامل لإصلاح نظام الهجرة خلال الأشهر المقبلة. وقال في خطابه حول حالة الاتحاد «نعلم ما يجب القيام به.. فلنقم به الآن.. أرسلوا لي قانون إصلاح شاملاً للهجرة خلال الأشهر المقبلة وسوف أوقعه فوراً». وأضاف «أن الشرطة وعالم الأعمال والشركات.. كل العالم متفقون على ضرورة إقرار إصلاح»، وتابع قائلاً: «اقتصادنا يكون أقوى عندما نستغل طاقات المهاجرين الذين يطفحون بالأمل، وهذا الإصلاح يتطلب أمناً صلباً للحدود ولكن يجب أن يقدم طريقاً نحو المواطنة».
و تطرق أوباما إلى مسألة ضبط الأسلحة النارية في الولايات المتحدة، داعياً في مرافعة مؤثرة إلى إقرار تدابير للحد من الجرائم بواسطة الأسلحة النارية بعد المجزرة التي راح ضحيتها عشرون طفلاً في مدرسة ابتدائية في كونتيكت في كانون الأول (ديسمبر) الماضي. وقال «إن أردتم أن تصوتوا بلا، فهذا خياركم.. هذه المقترحات تستحق عملية تصويت»، مثيراً تصفيقاً حاداً من أعضاء الكونجرس الذين وقفوا في تكريم لضحايا هذه الجرائم.
وبعد تعداد إنجازات ولايته الأولى في تحسين «حال الاتحاد» من إنهاء حرب العراق إلى تجاوز الركود الاقتصادي، حذر أوباما الكونغرس من تأجيل تسوية الأزمة المالية، قائلاً «أعظم أمة على وجه الأرض لا يمكنها الاستمرار في القيام بأعمالها من خلال الانجراف من أزمة مصطنعة إلى أخرى». وأضاف «لا يمكننا فعل ذلك. دعونا نتفق هنا والآن على إبقاء حكومة الشعب مفتوحة وندفع فواتيرنا على الوقت». ولفت أوباما إلى أن «ما نحتاجه ليس حكومة أكبر، بل حكومة أكثر ذكاءً تضع الأولويات وتستثمر في نمو واسع النطاق».
وركز أوباما في خطابه على عبارة «الطبقة المتوسطة»، وعلى القضايا التي تهم الناخبين المستقلين من التعليم، والتغير المناخي، والطاقة البديلة، والحد من انتشار الأسلحة الفردية، وتعزيز حقوق المرأة، وإصلاح قانونَي الهجرة والضرائب. ولمح إلى انه سيستخدم ورقة القرارات التنفيذية في حال عدم تعاون الكونغرس في إقرار القوانين.
أوباما دعا أيضاً إلى ضخ أموال فيدرالية لإصلاح أكثر من 70,000 جسر في أنحاء الولايات المتحدة، وإلى رفع مستوى الحد الأدنى للأجور من 7,25 إلى تسعة دولارات في الساعة. وتجدر الإشارة إلى أن الكثير من الأهداف المعلنة في خطاب حال الاتحاد لا يتمكن الرئيس عادة من تحقيقها، لكنها تعتبر خريطة طريق للحكم.
المقطع الأكثر تأثيراً وفعالية، كان خلال الدقائق الأخيرة من الخطاب التي ركّز فيها على ضحايا العنف نتيجة انتشار الأسلحة الفردية، لا سيما الفتاة من شيكاغو هاديا بندلتون (15 عاماً) التي قتلت في حديقة عامة قرب منزل أوباما في شيكاغو. وقال الرئيس الأميركي، بعدما ردد أسماء الضحايا، «إنهم يستحقون تصويتاً» في محاولة لزيادة الضغط الشعبي على أعضاء الكونغرس، وربما لأن البيت الأبيض يدرك مسبقاً أن تحقيق كل مراده في هذه القضية يبقى أمراً صعب المنال، وبالتالي كان التشديد على مجرد إجراء التصويت من دون عرقلة الجمهوريين.
كما أعلن أوباما بأنه وقع على قرار تنفيذي، يحدد معايير مشتركة للشركات القائمة على تقديم خدمات البنية التحتية الأساسية، لحمايتها من القرصنة الإلكترونية. ويشمل القرار تحديد مساحة للتشارك بالمعلومات بين كل من القطاعين، العام والخاص، إذ يمكن للشركات الخاصة الأساسية، أن تطلع الحكومة عن أية تهديدات للقرصنة الإلكترونية، كما يمكن لدائرة الأمن القومي، أن تطلع هذه الشركات على معلومات سرية، متمثلة بوجود تهديدات بالقرصنة، أو بحالات مسجلة للقرصنة.
وأشار الرئيس في خطابه إلى أهمية اتخاذ هذه الخطوة، وقال: «لا يمكننا الانتظار للمستقبل، والتساؤل حول الأسباب التي منعتنا من اتخاذ أي خطوات لحماية أمننا واقتصادنا». وحاول أوباما إصدار هذا القرار العام الماضي، بعد أن تأخر مجلس الشيوخ من إصدار تشريع يتعلق بالقرصنة الإلكترونية، وصفه الحقوقيون بمحاولة للحد من حرية الإنترنت.
وفي سياق الردود على الخطاب، رفض رئيس مجلس النواب الأميركي جون باينر اقتراح أوباما لرفع الحد الأدنى للأجور في الوقت الذى لا تتوافر فيه الوظائف.
حيث قال الجمهوري باينر في مؤتمر صحفي «لا يمكنك تخمين ماذا سيحدث عندما تقوم برفع تكلفة العمالة» وأضاف أن ذلك سوف يؤدى إلى تقليل الطلب عليها، متسائلاً «لماذا نريد أن نزيد من صعوبة توظيف أصحاب الأعمال الصغيرة للمزيد من العمالة؟»
وكان أوباما قد تقدم خلال الخطاب باقتراح برفع الحد الأدنى للأجور على المستوى الفدرالي من 7.25 دولاراً في الساعة الواحدة إلى 9 دولارات وذلك بحلول عام 2015.
Leave a Reply