واشنطن - أكد الرئيس الأميركي باراك أوباما فـي خطابه الأخير عن «حال الاتحاد» أمام الكونغرس الثلاثاء الماضي، أن الولايات المتحدة لا تزال «الدولة الأقوى على سطح الأرض» داعياً مواطنيه الى نبذ العنصرية وعدم الاستسلام للخوف فـي مواجهة التقلبات الاقتصادية وتهديد تنظيم «داعش»، طالباً عدم المبالغة فـي تقييم خطره رغم الهجمات الإرهابية التي يشنها فـي مختلف أنحاء العالم وتصريحات سابقة لأوباما نفسه عن قوة التنظيم الذي يحتاج سنوات طويلة للقضاء عليه.
وحرص أوباما، فـي خطابه الاخير حول حالة الاتحاد من على منبر الكونغرس فـي واشنطن، على إظهار الاختلاف عن الجمهوريين الذي يأملون فـي الوصول الى البيت الابيض العام 2017، طالباً من الأميركيين مواكبة «التغييرات الإستثنائية» القائمة، متوجها ً إلى خصومه بتحذير من التصريحات المبالغ فـيها حول تنظيم «داعش»، والتي تشير الى أن العالم يخوض «الحرب العالمية الثالثة»، معتبراً أنهم بذلك «يقومون بما يريده» الإرهابيون، داعياً الكونغرس إلى الموافقة على تفويض باستخدام القوة العسكرية ضد «داعش».
وقد كرر الرئيس الرابع والأربعون للولايات المتحدة الخطاب الامبراطوري نفسه لأسلافه، حين استخدم عبارات من قبيل «الولايات المتحدة هي الأقوى»، و«الكل خلْفنا فـي الإنفاق العسكري»، و«لا أحد يجرؤ على مهاجمتنا»… و«الأمر يعود إلينا فـي وضع النظام العالمي الجديد»، غير أنه تفادى كلياً الحديث عن اسرائيل وفلسطين والسعودية. كما لوحظ ان خطاب اوباما لم يتطرّق الى الحرب فـي سوريا، أو الوضع داخل العراق، أو نزاعات ليبيا أو اليمن، ولم يتطرّق الى مستقبل افغانستان، ولم تكن هناك ولو اشارة عابرة الى النزاع الفلسطيني-الاسرائيلي.
رسائل داخلية
الخطاب كان جردة حساب لولايتين رئاسيتين، ركز فـيه أوباما بشكل خاص على الوضع الداخلي على حساب السياسات الخارجية، خلافاً لخطابات «حال الاتحاد» السابقة، لا بل إن الحديث عن الخارج أتى فـي سياق داخلي، بدا الهدف منه شد العصب الوطني للأميركيين، عبر تأكيد التفوّق العالمي، وتوظيف ذلك، وإن بطريقة غير مباشرة، لمصلحة الديمقراطيين، مع بدء العد التنازلي للسباق الرئاسي.
وبرغم تعهد أوباما للحاضرين بأن خطابه سيكون مختصراً إلا أنه استغرق 59 دقيقة وقسّم الى أربعة محاور أراد أوباما التركيز عليها، وهي توفـير الفرص الاقتصادية للمواطنين، واستخدام التقنيات الحديثة لمواجهة تحديات مثل التغيير البيئي، وصيانة أمن اميركا والاميركيين ولكن دون تحويل البلاد الى «شرطي» العالم، واخيرا اصلاح النظام السياسي الداخلي.
وقد خصص أوباما 20 دقيقة من خطابه للحديث عن الاقتصاد تحت عنواني «كيف نعطي كل شخص فـي هذا الاقتصاد الجديد فرصة وأماناً»، و«كيف يمكن أن نجعل التكنولوجيا تعمل لمصلحتنا لا ضدنا»، ومن ثم خصص 15 دقيقة للتطرق الى التحديات الأمنية تحت عنوان «كيف نجعل أميركا آمنة وتقود العالم، من دون أن تصبح شرطي العالم»، و15 دقيقة أخيرة للحديث عن التحديات العامة، تحت عنوان «كيف يمكن أن نجعل سياساتنا تعكس الأفضل لا الأسوأ فـينا».
نحن الأقوى دون منازع
وفـي ما يتعلق بالدور الأميركي فـي «قيادة العالم»، قال أوباما إن «الولايات المتحدة هي أقوى دولة على سطح الأرض، ولا يوجد ثان قريب منها».
وأضاف «نحن ننفق على جيشنا أكثر من الدول الثماني التي تعقبنا، وقواتنا أفضل قوات محاربة فـي تاريخ العالم. ولم تجرؤ دولة أخرى على مهاجمتنا مباشرة، أو مهاجمة حلفائنا، لأنها تدرك أن هذا مسار للدمار»، مشيراً الى أن «استطلاعات الرأي تظهر أن مكانتنا فـي العالم أقوى من أي وقت مضى، فالناس لا يتطلعون الى بكين أو موسكو لقيادتهم، بل يتطلعون الينا». وتابع «كشخص يبدأ يومه بإيجاز استخباراتي، أعرف أن هذه أوقات خطرة، ولكن ذلك لا يعود الى أن قوة أميركا تتضاءل أو لأن هناك جهة اخرى أكثر قوّة».
وأشار أوباما الى أن «الشرق الأوسط يشهد مرحلة تحوّلات، وهذا الامر سيمتد لأجيال، وستكون هناك نزاعات».
وفـي معرض حديثه عن المتغيرات الدولية، قال أوباما: «هناك انتقال اقتصادي كبير للصين. وبرغم الانكماش الاقتصادي، نجد أن روسيا تصب مواردها فـي أوكرانيا وسوريا»، لافتاً الى أن «النظام الدولي يحاول التماشي مع هذه الحقيقة الجديدة، ولكن الأمر يعود إلينا فـي صناعة هذا النظام، وللقيام بذلك جيداً، علينا أن نحدّد الأولويات».
وفـي هذا الإطار، قال أوباما إن «الأولوية الأولى تتمثل فـي حماية الشعب الأميركي وملاحقة الشبكات الإرهابية». وأشار الى ان تنظيمي «القاعدة» و«داعش» يشكلان «تهديداً مباشراً لشعبنا»، موضحاً أنه «فـي العالم اليوم، يمكن لحفنة من الإرهابيين، ممن لا يقدّرون الحياة البشرية، بما فـي ذلك حياتهم، أن يلحقوا أضراراً كبيرة. وهؤلاء يستخدمون الانترنت لتسميم عقول الأفراد داخل بلادنا، وهذا يقوّض حلفاءنا، وبالتالي فإنّ علينا أن تجتثّهم».
وبرغم ذلك، حذر أوباما من أن الحديث عن «حرب عالمية ثالثة يخدم دعاية» الإرهابيين، لافتاً الى أن «هؤلاء يشكلون خطراً كبيراً على المدنيين… ولكنهم لا يشكلون خطراً على وجودنا القومي».
وفـي رسائل واضحة الى معارضي «استراتيجيته» لمواجهة الإرهاب، قال أوباما «لا نريد أن نعزز مزاعمهم (الإرهابيين)، لكي نظهر أننا جدّيون فـي محاربتهم، ولا نريد أن نُبعد الحلفاء عنّا بالقول إنّ داعش يمثل واحدة من أكبر الديانات فـي العالم».
وأضاف «لأكثر من عام قادت أميركا تحالفاً من أكثر من 60 دولة لقطع التمويل عن «داعش»، وإحباط مخططاته، ووقف تدفق المقاتلين، والقضاء على ايديولوجيته الشريرة. وبفضل عشرة آلاف طلعة جوية، استهدفْنا معسكرات الإرهابيين، وقياداتهم، وعناصرهم، وهناك استعادة للأراضي تدريجياً فـي العراق وسوريا، وإذا كان الكونغرس جدّياً، فعليه أن يسمح باستخدام القوة العسكرية ضد داعش».
وتوجه أوباما الى المشرّعين قائلاً «صوّتوا على ذلك»، مشدداً فـي المقابل على أنه «يجب على الشعب الأميركي أن يعرف أنه بعمل تشريعي أو من دونه، فإن «داعش» تعلّم الدرس».
رد جمهوري
الجمهوريون لم ينتظروا طويلاً حتى بدأوا فـي الرد على خطاب «حال الاتحاد»، ومنهم من قال إن الرئيس ألقى خطاب «حالة الإنكار لا حالة اتحاد»، على حد تعبير السناتور تيد كروز، ومنهم من فسّر ما ورد على لسان أوباما باعتباره إقراراً بأن الولايات المتحدة «باتت أقل أمناً فـي عهده»، كما قال السناتور جيب بوش، ومنهم من اكتفى بالقول ببساطة انه كان «مملاً وبطيئاً ويدعو الى النوم»، كما كتب دونالد ترامب فـي تغريدة.
Leave a Reply