في الوقت الذي كانت الأنباء عن شلالات الدماء في ليبيا تطغى على كافة وسائل الإعلام العالمية، لم ينبس الرئيس باراك أوباما ببنت شفة واحتاج سبعة أيام من المجازر التي اقترفها الزعيم الليبي معمر القذافي ليخرج أوباما بموقف علني هزيل لم يجرؤ فيه على ذكر اسم القذافي.
واكتفى الرئيس الأميركي بوصف المعاناة وسفك الدماء التي تسببت بها السلطات الليبية لمواطنيها بأنها عمل مشين وخارج عن الأعراف الدولية، مؤكدا أنه يدرس عدة خيارات للتعامل مع الأزمة.
وقال في أول تصريح علني له حول ما يحدث في هذا البلد العربي إن ذلك يعد انتهاكا للأعراف الدولية، مضيفا أنه طلب من مستشاريه لشؤون الأمن القومي دراسة طيف واسع من الخيارات للتعامل مع الأزمة.
ودعا أوباما شعوب العالم ودوله إلى وقف العنف في ليبيا والتحدث بصوت واحد إلى حكومتها التي تواجه موجة احتجاجات واسعة على نظام العقيد معمر القذافي الذي مر عليه في السلطة أكثر من 41 عاما.
وقال الرئيس الأميركي إن فريق الأمن القومي يعمل على مدى الساعة في متابعة الوضع بليبيا، مؤكدا أن تنسيقا يجري مع حلفاء واشنطن بشأن خطواتها المقبلة تجاه الحكومة الليبية.
وأدلى أوباما بتصريحاته وإلى جانبه وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون التي قال إنه سيوفدها الأسبوع المقبل الى جنيف لإجراء مشاورات دولية حول سبل وقف العنف بليبيا.
ومضى إلى القول إن حماية الأميركيين في ليبيا تعد أولوية قصوى لبلاده.
يشار إلى أن صمت إدارة أوباما على الانتهاكات التي مارسها نظام القذافي في ليبيا قوبل بانتقادات داخل الولايات المتحدة، لكن مسؤولين أميركيين فسروا ذلك بأنه كان بغرض حماية الأميركيين الموجودين على الأراضي الليبية تمهيدا لإجلائهم.
وتطرق الرئيس الأميركي إلى موجة الثورات التي وقعت في غير بلد عربي، قائلا إن التغيير في الشرق الأوسط يتم بإرادة شعوبه وليس وفقا لمشيئة واشنطن.
تعرض لضغوط ليتدخل ضد ليبيا
وكانت الضغوط قد تنامت على البيت الابيض الاميركي للتدخل لمنع الحملة الدامية التي يشنها الزعيم الليبي معمر القذافي على المحتجين المطالبين بالديمقراطية بعد ان دعا عضو في الكونغرس مقرب من الرئيس باراك أوباما شركات النفط لوقف عملها في ليبيا.
وواجهت الولايات المتحدة طوال الأسبوع الماضي نداءات متصاعدة لفرض عقوبات ضد ليبيا بعد ان استخدم نظام القذافي الدبابات وطائرات الهليكوبتر والطائرات الحربية لشن هجمات جديدة على المتظاهرين المؤيدين للديمقراطية وأيضا اتخاذ اجراء مباشر ضد طرابلس مثل قصف المطارات الليبية او فرض حظر جوي على ليبيا وهي خطوات عسكرية يعتقد معظم المحللين انها غير مرجحة، كما أنها لن تلقى الترحيب في العالم العربي ولا في ليبيا.
واعترض بعض المنتقدين على صمت أوباما على العنف الذي أودى بحياة مئات الليبيين.
وقال البيت الابيض انه قدم التعازي لضحايا “العنف المروع” وحث الحكومة الليبية على احترام حقوق مواطنيها. وأضاف ان واشنطن تريد العمل مع المجتمع الدولي للتحدث بصوت واحد بشأن ليبيا.
ودعا مسؤولون اميركيون الى انهاء العنف واستبعدوا فيما يبدو اي تحرك أميركي من جانب واحد.
جون كيري
ودعا السناتور جون كيري رئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ ادارة اوباما الى بحث اعادة فرض عقوبات صارمة ضد طرابلس وقال ان شركات النفط يجب ان توقف عملياتها في ليبيا على الفور.
وقال كيري في بيان مشيرا الى ان القادة الليبيين الذين شاركوا في الحملة الصارمة يمكن ان يواجهوا اتهامات بارتكاب جرائم حرب “لسنا بدون خيارات وخاصة بالاشتراك مع المجتمع الدولي الاشمل”. وأضاف “زعماء العالم يجب ان يحذروا معا العقيد القذافي من ان أفعاله الجبانة سيكون لها عواقب”.
وقال كيري الذي لديه سلطة التدقيق في السياسة الخارجية الاميركية ان استخدام حكومة القذافي “للقوة المميتة ضد شعبها يجب ان يعني نهاية النظام نفسه”.
عقوبات بوش
وأعلن البيت الابيض انه يدرس اقتراح كيري باعادة فرض العقوبات التي رفعها الرئيس الاميركي السابق جورج دبليو بوش لكنه الان يركز على انهاء عمليات سفك الدماء. ورفع بوش نطاقا عريضا من العقوبات الاقتصادية ضد ليبيا بعد قرارها في عام 2003 بالتخلي عن برامج الاسلحة النووية وتحرك الى تسوية المطالبات الناجمة عن تفجير طائرة الركاب الاميركية التابعة لشركة بان امريكان فوق لوكربي باسكتلندا في عام 1988.
وقالت اليانا روس ليتينين رئيسة لجنة العلاقات الخارجية في مجلس النواب الأميركي ونظيرة كيري ان الولايات المتحدة ودول أخرى يجب ان “تفرض عقوبات اقتصادية بما في ذلك تجميد أرصدة النظام وفرض حظر على السفر”. وحث كيري مجلس الامن التابع للامم المتحدة على التنديد بالعنف واستكشاف العقوبات المؤقتة.
وقال كيري ان الموقف في ليبيا يوفر للجامعة العربية والاتحاد الافريقي فرصة لخلق سابقة في ردها على الازمة.
وقال “هذه خطوات ملموسة يجب ان تتخذ الان وفي الايام القادمة اظهار ان العالم سيرد باجراءات وليس بكلمات فقط عندما يستخدم نظام العنف المستهجن ضد شعبه”.
ولم يشر أوباما الى الاحداث في ليبيا حين القى كلمة في “جامعة كليفلاند ستايت” في أوهايو على خلاف المستشارة الالمانية انجيلا ميركل التي قالت انها ستؤيد فرض عقوبات على طرابلس اذا لم يوقف القذافي أعمال العنف.
وتجاهد ادارة أوباما للتعامل مع موجة من الاحتجاجات الشعبية في الشرق الاوسط وشمال أفريقيا التي أسقطت حتى الان رئيسي تونس ومصر. وتواجه واشنطن في كل دولة من الدول التي شملتها الاحتجاجات تحديات خاصة بعد ان شهدت سياساتها في الشرق الاوسط تنهار في أسابيع.
وتحدث أوباما عن اعمال العنف ضد المحتجين في تونس ومصر والبحرين وقال بعض المحللين ان سكوته على ليبيا متعمد.
وقال دانيل سيروير من كلية الدراسات الدولية المتقدمة في جامعة “جون هوبكينز” “الدخول في مباراة سباب مع القذافي ليس عملا ذكيا على الاطلاق. هذا الرجل (القذافي) يستمتع بتسليط الاضواء عليه فتجاهله قد يكون له فائدة”.
وأدانت هيلاري كلينتون وزيرة الخارجية الاميركية في السابق العنف ودعت “الحكومة” الليبية الى احترام حقوق شعبها.
لكن منتقدين قالوا ان ادارة اوباما يجب ان تؤيد المتظاهرين وان تتخذ خطوات لاحباط التعتيم الليبي على الاتصالات الذي يعزل المحتجين عن العالم الخارجي.
وتواجه الولايات المتحدة ضغوطا لتبني موقف أكثر قوة لدعم المحتجين الذين يسعون للاطاحة بالزعيم الليبي معمر القذافي الذي يقول شهود انه استخدم طائرات ودبابات ومرتزقة لاخماد المظاهرات.
وتشير تقديرات الحكومة الاميركية الى أن عدة الاف من الاميركيين يقيمون في ليبيا. ومعظمهم يحملون جنسية مزدوجة بينما يحمل نحو 600 شخص جوازات سفر أميركية فقط.
وكان من المقرر ان تغادر السفينة طرابلس بعد الظهر بالتوقيت المحلي لكن مسؤولي وزارة الخارجية لم يردوا على مكالمات ورسائل بالبريد الالكتروني بشأن ان كانت قد غادرت بالفعل.
وقال ديفيد ماك وهو سفير أميركي سابق لدى الامارات العربية المتحدة أمضى ثلاث سنوات كدبلوماسي في ليبيا ان الولايات المتحدة ستتخذ موقفا علنيا أكثر صرامة نحو القذافي بمجرد ان يخرج رعاياها بعيدا عن الخطر.
وقال ماك لـ”رويترز” “كان من الضروري بدون شك ضمان سلامة الاميركيين قبل اتخاذ موقف تصدر بموجبه تصريحات بالغة القوة أتوقع ان نسمعها في الايام القادمة”. وقال ماك ان الولايات المتحدة ربما تؤيد في نهاية المطاف فرض عقوبات على ليبيا وان كان قال انها ستفعل ذلك على الارجح بالتنسيق مع الدول الاخرى بعدما وجدت ان عقوباتها المنفردة في الثمانينات فشلت في تغيير السلوك الليبي.
Leave a Reply