قبل أيام معدودة من موعد الانتخابات النصفية تشير استطلاعات الرأي والتحليلات الى أن الجمهوريين يتجهون الى تحقيق نصر ماحق في انتخابات الكونغرس الأميركي يعطيهم الأغلبية في مجلس النواب وربما مجلس الشيوخ، ما دفع الرئيس باراك أوباما للتشمير عن ساعديه والانطلاق في رحلة مكوكية عبر الولايات “الحساسة” لحشد دعم الشباب والأميركيين من أصل إفريقي لمواجهة الجمهوريين في الانتخابات النصفية حتى يتمكن على الأقل من إنقاذ أغلبيته في مجلس الشيوخ مع التسليم بسقوط النواب.
ويواجه أوباما بعد عامين عدة أزمات في بلاده تؤثر سلباً في شعبية الديمقراطيين، وعلى رأسها نسبة البطالة المرتفعة والعجز المالي. ففي مثل هذا الوقت قبل عامين حضر نحو 100 الف شخص للاستماع الى باراك اوباما وهو يلقي كلمة في مدينة سانت لويس في ولاية ميسوري التي كانت محطة على الطريق الى البيت الأبيض، وكان ذلك أكبر حشد في حملته الانتخابية، أما اليوم فيعاني رئيس “الأمل والتغيير” من انحدار في شعبيته ويسعى الى ان يستفيد في الأيام القليلة المتبقية قبل الانتخابات، مما تبقى منها لشحذ همم مؤيديه.
وسيحتاج اوباما الى تعبئة كل قدراته على الاقناع لوقف قطار الجمهوريين المنطلق بقوة مع تيار “حفلة الشاي”. وهذا ما يراهن عليه اوباما خلال جولاته في طول الولايات المتحدة وعرضها دعما لمرشحي حزبه.
جرب اوباما قدراته على قلب اتجاه الاستطلاعات يوم الأحد الماضي في ولاية اوهايو حيث نسبة البطالة 10 بالمئة ومرشح الجمهوريين يتقدم بخطى حثيثة للفوز بمنصب حاكم الولاية ومقعد في مجلس الشيوخ. وقالت المرشحة لنائب الحاكم ماري تايلور ان اوباما يعلم انه في مأزق كبير. ويمكن اقتفاء المحاولات التي يبذلها الديمقراطيون للدفاع عن مواقعهم في الدورة الانتخابية النصفية بمتابعة اوباما في جولاته التي شملت خلال ايلول (سبتمبر) الماضي وحده 11 ولاية انتزعها الديمقراطيون من الجمهوريين في عام 2008.
في ولاية اوهايو حيث اصطحب اوباما السيدة الاولى ميشيل لأول مرة في حملة انتخابية منذ عام 2008 احتشد نحو 35 الف شخص غالبيتهم من الشباب للاستماع الى كلمة اوباما في جامعة “أوهايو ستايت” في كولومبوس مناشدا الناخبين أن يُفهموا الحزب الجمهوري بأنهم لا يريدون العودة الى سياساته السابقة. واعلن اوباما “نريد ان نمضي قدما لا ان نعود القهقرى”.
ولكن التحدي الذي يواجه اوباما وحزبه هذا العام هو اقناع انصار الحزب الديمقراطي بالتوجه الى صناديق الاقتراع في 2 تشرين الثاني (نوفمبر) خاصة بعد خيبتهم من وعود التغيير التي أطلقتها حملته عام ٢٠٠٨.
ومن أكبر التحديات التي تواجه اوباما لتحسين حظوظ الديمقراطيين في الانتخابات النصفية، ان يكسب من جديد ملايين الشباب من الاميركيين الافارقة وذوي الاصول اللاتينية الذين صوتوا لأول مرة في حياتهم قبل عامين محققين له الفوز في ولايات صعبة مثل نورث كارولاينا وفرجينيا. وسيكون كسب الشباب مجددا مهمة صعبة هذه المرة حيث ان مشاركة الشباب والأقليات كانت تاريخيا أقل في الانتخابات النصفية التي تجذب البعيدين عن الأجواء السياسية.
كما أن أزمة أوباما مع الاقتصاد لا يحسده عليها أحد فهي تتخطى صعوبة ما واجهه رونالد ريغان في عام 1982 واسوأ بكثير مما واجه كلينتون في عام 1994 أو بوش في عام 2006. إذ لم يدخل أي منهم البيت الأبيض في مواجهة اسوأ ركود منذ الكساد العظيم.
والنقمة الشعبية الحالية على اوباما وفريقه الاقتصادي بمحورها تقوم على سياسات تضخيم حجم الدولة وما يرافقه ذلك من مصاريف فدرالية تثقل كاهل دافعي الضرائب. فمع توليها الحكم ضخت إدارة أوباما 814 مليار دولار في الاقتصاد مسيطرة بذلك على أسهم كبرى المؤسسات الصناعية والمالية الأميركية الأمر المنافي للرأسمالية، كما أن التغييرات الجذرية في نظام الرعاية الصحية التي تجعل للدولة دوراً أساسياً في ١٥ بالمئة من الاقتصاد الأميركي (المجال الصحي) حركت هواجس الشارع الأميركي من السياسات الاقتصادية الاشتراكية التي يطبقها أوباما وإدارته التي وفرضت قواعد وضوابط جديدة على “وول ستريت” وشركات الائتمان معطية صلاحيات أوسع لمجلس الاحتياطي الفدرالي.
ورغم سعي اوباما وطاقمه الاقتصادي لاقناع الناخب الاميركي بأن هذه الانجازات حالت دون وقوع الاقتصاد الاميركي في ازمة ركود أخرى، إلا أن استطلاعات الرأي تؤكد عدم رضا الأغلبية العظمى من الأميركيين عن سياسته الاقتصادية، ولكن الديمقراطيين يسلمون بالقول “من الصعب كسب رصيد عن شيء لم يحدث”، في اشارة الى عدم حدوث ركود آخر. وقد سجلت شعبية اوباما هبوطا حادا واعرب 44 بالمئة فقط عن تأييدهم لسياساته في استطلاع الشهر الماضي اجرته صحيفة “يو أس أي توداي” مع معهد “غالوب”. وبذلك يكون اوباما فقد 20 بالمئة من شعبيته منذ انتخابه قبل عامين.
كما أفاد استطلاع للرأي أجرته محطة “سي بي أس” ومجموعة “نولدج نتوورك” نشرت نتائجه الثلاثاء الماضي ان 67 بالمئة من الناخبين الذين صوتوا لاوباما في الانتخابات الرئاسية فقط ينوون التصويت مجددا للديموقراطيين، فيما يؤكد 8 بالمئة انهم سيعطون اصواتهم للحزب الجمهوري هذه السنة و21 ما زالوا مترددين.
في المقابل افاد الاستطلاع ان شعبية الرئيس نفسه داخل الحزب الديمقراطي ما زالت قوية جدا (82 بالمئة)، حتى وان كان هذا الرقم لن يساعد حكما مرشحي الحزب الديموقراطي في الانتخابات القادمة. وبالنسبة الى الناخبين الوسطيين او المستقلين فان شعبية اوباما تبعثرت: 42 بالمئة فقط من المستقلين الذين صوتوا لاوباما في 2008 سيصوتون مجددا مع الحزب الديموقراطي هذه السنة. لكن 12 بالمئة من المستطلعة اراؤهم يقولون انهم سيصوتون للمرشحين الجمهوريين و38 بالمئة ما زالوا مترددين، ما يعتبر خبرا جيدا بالنسبة الى الديموقراطيين وهذا ما سيعمل أوباما عليه في جولته المكوكية.
والسؤال الذي يواجه اوباما الآن هو ما إذا كان يستطيع خلال الاسبوعين المقبلين ان يعبئ مهاراته الخطابية وقدراته على جمع التبرعات لزيادة فرص المرشحين الديمقراطيين في مواجهة المد الجمهوري الصاعد.
Leave a Reply