لعل من المناسب جداً أن تؤخذ العبر، والمقارنات في القيم الرفيعة وتجلياتها في التطبيق بين إنسان يحمل قيماً تصلح الدنيا من أجل الحياة الأبدية، وهذا الإنسان مأمورومكلف بتطبيقها والعمل بها في هذه الحياة، وهو تكليف محاسب عليه من خالق تلك القيم، ﴾وقل لعبادي يقولوا التي هي احسن ان الشيطان ينزغ بينهم ان الشيطان كان للانسان عدوا مبينا﴿ الاسراء آية: ٥٣.
وبين إنسان شرّع لنفسه قانوناً على مقاسه ليحمي تلك القيم للحفاظ على مكاسب قصيرة الأجل ولتوضيح الفكرة، أن القيم والمبادىء والإخلاق التي جبل الإنسان عليها، ونزلت على الإنسان من السماء في الكتب والشرائع السماوية وطبقها الإنبياء والرسل، لم تستثن أحداً من البشر كلاً بحسب قربه والتزامه بتلك القيم والمثل التي تميّز الإنسان الصالح من الفاسد أو المجتمع الصالح من الفاسد، ولكن ما يحزّ في النفس، ويقرح القلب، ويعيد التفكير، في مصداقية التأثير لتلك القيم على من حباهم الله برحمته وبعث فيهم رسولاً منهم ﴾هو الذي بعث في الاميين رسولا منهم يتلو عليهم اياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وان كانوا من قبل لفي ضلال مبين﴿ الجمعة آية: ٢.
زيادة على التزكية والعلم والحكمة الشمول بالرحمة ونشرها لكل العالم، ﴾وما : ارسلناك الا رحمه للعالمين﴿ الانبياء آية: ١٠٧، فوق كل هذا كانت هذه الأمة خير أمة أخرجت للناس، ﴾كنتم خير امه اخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله ولو امن اهل الكتاب لكان خيرا لهم منهم المؤمنون واكثرهم الفاسقون﴿ ال عمران آية: ١١٠
فهل هذا الفعل في الزمن الماضي استمر للحاضر، أم أن الأمة هي أسوأ أمة تأمر بالمنكر وتنهى عن المعرف، وأي منكر أسوء من المنكرات التي تقع على ألإنسان في البلاد الإسلامية، تبدأ بانتهاك حقوقه الإساسية ، فلا حرمة لدمه وماله وعرضه وتنتهي بأستعباده ومساواته بالبهائم في الرعاية.
اثارت تعليقات الرئيس الاميركي باراك اوباما ضجة واسعة في الشارع الاميركي عندما قال بأن مهاراته في رياضة البولينغ اشبه بمهارات لاعبي اولمبياد ذوي الاحتياجات الخاصة حيث جاءت هذه التعليقات قبل اسبوعين فقط من التاريخ المفترض لإطلاق حملة اليوم العالمي لنشر التوعية ضد استعمال كلمة معوق، وكانت منظمة غير الربحية المسؤولة عن تنظيم ألعاب الإولمبياد للمعوقين منذ حوالي ٤٠ عاما قد أعلنت عن إطلاقها حملة توعية في أذار (مارس) الماضي لإعلانه يوما عالميا للتوقف عن استخدام كملة معوق، وسارع الرئيس الأميركي الذي أدرك خطأه قبل ظهور المقابلة على الهواء بالإتصال مع رئيس لجنة “الأولمبياد الخاص” للإعتذار عن التعليق الذي بدر منه قبل ظهوره على التلفاز، وأشارت بعض التقارير إلى أن أوباما فد دعا اللجنة واللاعبين للقدوم إلى ولاية بنسلفانيا الأميركية لتدريبه على الرياضة التي يمارسونها وقال، رئيس اللجنة إن أوباما أعرب عن بالغ أسفه عن ما بدر منه، وأكد التزامه بتقدير اللاعبين للمساهمة في جعل هذه البلاد أكثر تقبلا وتعاونا معهم وتأتي هذه الحملة في خطوة لحض الناس على عدم استخدام الكلمات المسيئة ضد الاشخاص ذوي الإحتياجات الخاصة حيث عينت المنظمة يوما للإمتناع عن استخدام هذه الكلمات، ومن المتوقع ان تشارك أكثر من ٣٠٠ مدرسة في فعاليات اليوم العالمي لنشر التوعية التي تدعو الى وقف استخدام بعض الكلمات التي قد تسبب الاسى والحزن لأهالي وأصدقاء الاشخاص المعوقين، وتستهدف الحملة الأشخاص ما بين ٣٠ و١٨ سنة والذين اعتادوا أن يستخدموا كلمات مسيئة ضد مجموعات في الولايات المتحدة مثل الأسيويين.
الحكمة ضالة المؤمن
عن النبي (ص) أنه قال: الحكمة “ضالة المؤمن فحيث وجدها فهو أحق بها” وفي نهج البلاغة أن أمير المؤمنين علي إبن أبي طالب (ع) قال: “خذ – الحكمة أنى كانت فهي الحكمة تكون في صدر المنافق فتلجلج في صدره حتى تخرج فتسكن إلى صواحبها في صدر المؤمن”، وقال أيضًا: الحكمة “ضالة المؤمن فخذ الحكمة ولو من أهل النفاق”، ليس تمجيداً ولا تلميعاً لحاكم أميركا فهو ليس في حاجة لإطرائنا، ولكن من باب إلإنصاف وعدم بخس الحق وقد قال: سبحانه وتعالى ﴾ولا تبخسوا الناس اشياءهم ولا تعثوا في الارض مفسدين﴿ الشعراء آية: ١٨٣.
البخس في لسان العرب هو النقص بالتعييب والتزهيد، أو المخادعة عن القيمة أو الاحتيال في التزيد في الكيل أو النقصان منه.
ربما هذا النوع من الإعتذار له تفسيرات كثيرة، لكن لا يوجد مبرر على الإطلاق أن يسارع الرجل الأول في السلطة الأميركية شخصياً ليقدم هذا الإعتذار على هذا الخطأ البسيط خوفاً من أن يلاحقه القانون، بينما ألاخطاء الفادحة التي يرتكبها بعض الحكام لا تخفى على أحد ولم نسمع في يوم من الأيام أن حاكماً لدولة عربية أو وزيراً خرج لوسائل الإعلام وقال أعتذر لشعبي أو لفئة من الناس مع أن الجرائم والأخطاء التي ترتكب بحق تلك الشعوب لا تقارن بخطأ أوباما. يقول أحد الكتاب وهو الدكتور علي محمد فخرو “تزدحم رفوف مكتبات العالم الآن بعشرات المؤلفات عن أحوال العرب والمسلمين وليس من الضروري ذكر أسماء الكتب ومؤلفيها ولا أسماء البلدان وشخصياتها، فالظاهرة واحدة أبرزها التّرف والبذخ الشخصي في بناء القصور بملايين الدولارات، الصفقات الوهمية من خزينة الدولة وأخذ الرشوات لترسية المناقصات في الصفقات الكبرى، الدخل الشهري لا يخضع للرقابة أو المحاسبة، أما التجاوزات لحقوق الانسان في قيمه وكرامته الشخصية والدينية أو المذهبية فحدث ولا حرج، أعتقد جازماً أنه لا مثيل لقاموسنا في الألفاظ البذيئة والشتائم والتنابز والسخرية ليس على ذوي الإحتياجات الخاصة المحرومين من ابسط حقوقهم فحسب، بل السخرية على من سنّ طريقاً يريد به وجه الله فإنه خارج عن الدين، وربما يقام عليه حد الحرابة للإفساد في الأرض ، فالحرب قائمة إن لم تكن على الإرض فهي في القلوب تشتعل، وأصبح عنوان كل طريق مسبّة وعاراً على من ينتمي اليه، والمعضلة أن تلك الطرق وما تبقى من المذاهب لا يمكن إلغائها، فمنذ نشوئها في القرن الثاني الهجري، تاريخ نشوء المذاهب الإسلامية، حيث بلغ عددها ١٣٨ مذهباً ومدرسة فقهية منها ٥٠ مذهباً ثم استقرت على مذاهب”. كتاب أسد حيدر.
المذاهب الأربعة المعروفة والمذهب الجعفري والزيدي والأباضي والظاهري والصوفي والإسماعيلي، ولكن مع الأسف حالة التنافر والتباغض والتنابز لا تزال موجودة في هذا الوقت، ولم يتم الإعتراف ببعضهم إلا في السنة قبل الماضية في مؤتمر مكة الإستثنائي، والحال أن الجميع مخاطبون بالتنبيه والتحذير من الله في قوله تعالى ﴾يا ايها الذين امنوا لا يسخر قوم من قوم عسى ان يكونوا خيرا منهم ولا نساء من نساء عسى ان يكن خيرا منهن ولا تلمزوا انفسكم ولا تنابزوا بالالقاب بئس الاسم الفسوق بعد الايمان ومن لم يتب فاولئك هم الظالمون﴿ الحجرات آية: ١١.
متى يصبح القانون نافذاً على الحاكم والمسؤول فـي أوطاننا!
لا يلوح في الإفق ما يبشّر بيوم نسمع فيه أن مسؤولاً في دولة عربية يقدم اعتذاراً لشعبه أو لأمته على خطأ ارتكبه أو فضيحة نسبت إليه، إنما الإعتذار دائماً وأبداً على المواطن، لأن كل المواطنين خطائون وخير الخطائين الذي يوقعون تعهداً بعدم الحديث عن الحاكم والسلطة، والقوانين التي ظهرت هي لحماية الحاكم والغلط عليه مثل قانون العيب في مصر الذي نص على ان حماية القيم الاساسية للمجتمع واجب كل مواطن، وأول قاعدة هي التطاول على رئيس الجمهورية، أما في خليجنا العزيز فكاد رئيس تحرير صحيفة “الشعب” الأسبوعية حامد تركي بويابس أن يدفع الثمن غالياً لولا عناية الله بعد أن أحيل إلى النيابة العامة بتهمة سب الذات الأميرية، وكذلك رئيس تحرير صحيفة “الرأي العام” اليومية جاسم بودي إلى النيابة العامة للتحقيق معه في القضية نفسها، أما فضيحة العصر فهي وفاة أكبر معتقل مغربي عمره ٩٥ عاماً أثناء سجنه بتهمة “سب الملك”، وذكرت وسائل إعلام مغربية في شباط ٢٠٠٨، ان أحمد ناصر، وهو رجل مقعد يتنقل على كرسي متحرك، توفي في سجن مدينة سطات جنوب العاصمة الرباط؛ حيث ألقي به خلف القضبان في الآونة الأخيرة، لإدانته بتهمة المس “بالمقدّسات”، فأين أوباما من هذه القوانين بعد أن نشرت صحيفة نيويوركية واسعة الانتشار رسماً كاريكاتوريا لشرطيان يطلقان النار على قرد باعتباره أوباما، لكن الرجل لم يتفوه بكلمة وأنما الناس طالبوا الجريدة بالاعتذار وقد حصل.
Leave a Reply