واشنطن – أصدر الرئيس الأميركي باراك أوباما الأربعاء الماضي 23 قراراً رئاسياً للحد من ظاهرة انتشار الأسلحة الفردية في الولايات المتحدة، فاتحاً الباب على مصراعيه في حربه على «وباء العنف المسلح» وسط مخاوف من تجدد المعركة الإيديولوجية بين المحافظين والليبراليين حول التعديل الثاني من الدستور الأميركي.
ووقع أوباما من داخل مبنى مكتب ايزنهاور التنفيذي المجاور للبيت الأبيض، القرارات التي كان من ضمنها تعزيز أنظمة «فحص الخلفية» الأمنية للمتقدمين لرخص حمل السلاح وتبادل المعلومات بين الهيئات الفدرالية حول من يسعى للحصول على سلاح، وقراراً آخر يوسع من الحظر القائم على الأسلحة الحربية لمعالجة تفشي جرائم القتل في المجتمع الأميركي بعد 33 يوماً من جريمة مدرسة «ساندي هوك» في ولاية كونتيكت.
وقد اعتمد أوباما في قراراته توصيات لجنة نائب الرئيس جو بايدن واعداً بأنه «يعتزم خلال الأيام المقبلة أن يستخدم كل ثقل منصبه لجعلها حقيقة واقعة». ودعا الرئيس الأميركي الكونغرس إلى إقرار قانون «فحص خلفية شامل لأي شخص يحاول شراء سلاح ناري»، مشيراً إلى أن 40 بالمئة من عمليات شراء الأسلحة تحصل من دون هذا التدقيق، وبالتالي تزيد احتمالات وقوع الأسلحة في أيدي المجرمين أو من لا يسمح له القانون أو صحته العقلية باقتناء سلاح. كما دعا الكونغرس إلى تشريعات تحدّ من تجارة الأسلحة والى استعادة الحظر على الأسلحة العسكرية الذي أقر في العام 1994 وألغي في العام 2004.
البيت الأبيض أنهى أيضاً تجميداً فدرالياً على الأبحاث المتعلقة بالعنف، وسيطلب من الكونغرس مبلغ 10 ملايين دولار ضمن ميزانية العام 2014 لإجراء أبحاث حول العلاقة بين العنف والأفلام السينمائية والتلفزيون وأفلام الفيديو، كما سيسعى إلى توظيف ألف عنصر لحماية المدارس، وسيقترح مبلغ 4 مليارات دولار لمساعدة المجتمعات المحلية على نشر 15 ألف شرطي في شوارع الولايات المتحدة، رغم العجز الفدرالي.
أوباما اعتبر أن هذه الإجراءات «بأهميتها فإنها ليست بأية حال بديلاً عن عمل الكونغرس»، مضيفاً «لإحداث تغيير حقيقي ودائم، على الكونغرس أيضاً أن يتحرك قريباً. وأنا أدعو إلى إقرار بعض المقترحات المحددة على الفور».
وقد استوجبت خطوة أوباما ردود فعل من التيارات المحافظة إضافة الى مخاوف حقوقيين من المساس بالدستور الأميركي الذي يكفل للأميركيين الحق بحمل السلاح. ويذكر أن التعديل الثاني من الدستور الأميركي الذي تم التصديق عليه في كانون الأول العام 1791 إلى جانب تسعة تعديلات صنعت وثيقة الحقوق الشهيرة التي تعتبر عماد الحريات الأميركية. ويقول نص التعديل «ميليشيا منظمة تنظيماً جيداً هي ضرورية لأمن دولة حرة، حق الشعب في الحفاظ على الأسلحة وحملها يجب ألا يُنتهك».
وجاء هذا التعديل وسط مخاوف المشرعين مما أسموه قمع السلطة الفدرلية لحقوق وحريات الولايات والسكان. وبعدها قضت المحكمة العليا الأميركية أن هذا التعديل الثاني يحمي حق الفرد في امتلاك وحمل الأسلحة النارية، وصادقت المحكمة العليا على هذا الشرح عامي 2008 و2010. ورأى المستوطنون الأميركيون البيض الأوائل حق حمل السلاح كأداة لتمكينهم ضد أي نظام مسلح وبهدف المشاركة في حفظ القانون وردع حكومة مستبدّة وصدّ غزو وقمع أي تمرد من الأفارقة الأميركيين، وكحق طبيعي في الدفاع عن النفس.
ويعتبر خصم أوباما الأول في معركته على الأسلحة، لوبي السلاح الذي تتقدمه «الجمعية الوطنية للأسلحة النارية» (أن أر أي) التي تؤدي دور مجموعة الضغط الرئيسية في هذا المجال. وفور قرارات أوباما بثت الجمعية إعلاناً دعائياً وصفت فيه أوباما بأنه «نخبوي منافق» وسأل الشريط الناس: «هل أولاد الرئيس أهم من أولادكم»، في تلميح إلى أن الأطفال الأميركيين يحتاجون إلى «أمن مسلّح» في المدارس لحماية الأطفال كما لدى أولاد أوباما حماية من عناصر «الخدمة السرية».
وقد أثارت مجزرة نيوتاون التيار المناوئ لحمل السلاح، حيث وقع حاكم ولاية نيويورك أندرو كومو الثلاثاء الماضي واحداً من أشد القوانين للسيطرة على السلاح في الولايات المتحدة, والأول الذي يسن منذ حادث إطلاق النار العشوائي الذي وقع بالمدرسة الابتدائية. وكانت الهيئة التشريعية لنيويورك بقيادة الديمقراطيين قد أقرت المشروع بعد ظهر الثلاثاء الماضي. ولكن تشريعات مماثلة لا تزال عصية على التحقق في الولايات التي يسيطر عليها الجمهوريون. ويوسع القانون الجديد في نيويورك الحظر بالولاية على الأسلحة الهجومية، ويضع قيودا على قدرة الذخيرة ويتضمن إجراءات جديدة للإبقاء على الأسلحة بعيداً عن أيدي الأشخاص المصابين بأمراض عقلية.
وكان مركز «بيو» للأبحاث نشر استطلاعا للرأي يوم الاثنين الماضي أظهرت نتائجه أن 55 بالمئة من الأميركيين يؤيدون حظر الأسلحة الهجومية، وأن 54 بالمئة يؤيدون حظرا على خزائن السلاح عالية القدرة، بينما أيد 58 بالمئة تشديد الفحص لخلفيات مشتري الأسلحة.
وفي سياق آخر، وعلى مستوى الكونغرس الأميركي يعرض العديد من مشاريع القوانين التي تحد من انتشار السلاح بين الأميركيين، لكن رئيس لوبي السلاح «أن أر أي»، ديفيد كين، قال الأحد الماضي إن قانون حظر الأسلحة الهجومية لن يعتمد في الكونغرس لأنه لن يحصل على ما يكفي من الأصوات.
وقال رئيس «الجمعية الوطنية للأسلحة النارية» «أظن انهم (إدارة أوباما) لن يتمكنوا من تمرير هذا القانون في الكونغرس الحالي».
وقبل توقيعه للقرارات الرئاسية إثر مفاوضات جو بايدن مع جمعيات الصيادين والرماية وضحايا الاسلحة النارية، وممثلين عن «أن أر أي»، رأى أوباما أنه «من المنطقي» منع الاسلحة الهجومية.
وقال أوباما خلال مؤتمر صحافي عقد قبل أقل من أسبوع على حفل أداء اليمين لولايته الثانية «عرضت علي لائحة مقترحات منطقية يمكن تطبيقها للتحقق من عدم تكرار اعمال العنف التي شهدناها في نيوتاون». وأضاف «سأركز على ما هو متماسك وما يمكن تطبيقه» وتابع «هل سيتبنى الكونغرس كل هذه المقترحات؟ لا اعلم (…) لكن ان كان هناك شيء نقوم به لانقاذ ولو طفل واحد من مأساة مثل تلك التي وقعت في نيوتاون علينا القيام بذلك».
وكان أوباما كلف نائبه بدراسة قانون حول الأسلحة النارية في الولايات المتحدة غداة مأساة نيوتاون. وقال اوباما في حينها انه «أسوأ يوم في ولايته الرئاسية». وكانت هذه المجزرة اعادت الى الواجهة النقاش حول الأسلحة النارية بعد سلسلة من حوادث اطلاق النار في الاشهر السابقة منها الحادث في كولورادو الذي اودى بحياة 12 شخصا في صالة سينما خلال العرض الاول لفيلم «باتمان» في تموز (يوليو) الماضي.
Leave a Reply