طغى التدهور السريع في شعبية الرئيس أوباما وانعكاساته في صناديق الاقترع في الانتخابات النصفية على الساحة السياسية الاميركية في العام 2010. ولعل أبرز ما جاء في خضم المعارضة الجارفة لعهد أوباما وسياساته ازدياد نفود حركة “حفلة الشاي” التي اصبحت عنصراً محركا في لعبة السياسة الأميركية الداخلية.
ورغم تدهور شعبية أوباما في العام ٢٠١٠ وخسارته الأغلبية في مجلس النواب وتقلص الأغلبية الديمقراطية في مجلس الشيوخ فالحصيلة التشريعية للرئيس الأميركي، الذي وصل إلى الحكم على أساس شعارات التغيير والأمل، كانت كبيرة ومؤثرة، مع إصلاح تاريخي لنظام التغطية الصحية وإجراء مراجعة عامة لسياسات “وول ستريت” وخطة إنعاش اقتصادي بقيمة تقارب 800 مليار دولار وأيضا إنقاذ صناعة السيارات. إلا أن سياسات الرئيس الأميركي مكنته من الحفاظ على شعبيته في صفوف الليبراليين الأميركيين في ظل ازدياد المحافظين وارتفاع أصواتهم الغاضبة ضد توسيع دور الحكومة الفدرالية وارتفاع العجز المالي للبلاد.
وأبرز ما وضع أوباما في موقعه اليوم كانت معركة بداية العام 2010 حول قانون الرعاية الصحية التي استنزفت ادارة اوباما وجعلت الجمهوريين يستعيدون زخمهم الشعبي الذي خسروه في انتخابات الكونغرس النصفية في العام 2006، فبعد 13 شهرا من المعارك الايديولوجية والحزبية وفي خطوة وافق عليها 41 بالمئة من الاميركيين، أقر الكونغرس قانون الرعاية الصحية في 21 آذار (مارس).
بداية مؤشرات هذا التحول كانت في انتخاب السناتور الجمهوري عن ولاية ماساتشوستس سكوت براون في 20 كانون الثاني (يناير) 2010 حين خسر اوباما الصوت الحاسم رقم 60 لاكثرية مجلس الشيوخ.
وفي ظل معركة الرعاية الصحية ضربت البيت الأبيض قضية “أي آي جي” بحيث حصل مديروها التنفيذيون على مكافآت مالية وصلت الى 100 مليون دولار بعدما اعلنت عن افلاسها وتدخلت الادارة الاميركية لانقاذها، ما طرح تساؤلات حول فعالية وجدوى خطة الانقاذ المالية. وواجه اوباما في 20 نيسان (أبريل) قضية لم يتوقعها لتضيف المزيد من الارباك لادارته، بعد انفجار محول انابيب النفط لشركة “بي بي” البريطانية ما ادى الى تسريبات نفطية غمرت خليج المكسيك في كارثة بيئية هي الاكبر في التاريخ الاميركي دامت 86 يوما.
وبدأ المحافظون استثمار هذه الفسحة من الاعتراض الشعبي وشاركت حاكمة الاسكا السابقة سارة بالين في اول تجمع لحركة “حفلة الشاي” خلال مؤتمرها الاول في مدينة ناشفيل في ولاية تينيسي في 6 شباط (فبراير) ساخرة من شعارات اوباما التفاؤلية وربطت نفسها بهذه الحركة ومهدت لانتخابات الكونغرس النصفية في 2 تشرين الثاني التي تجاوزت كلفتها مبلغ ملياري دولار خسر الحزب الديموقراطي اكثر من 63 مقعدا في مجلس النواب و٦ في مجلس الشيوخ، وأقر اوباما بأنه تعرض لـ”هزيمة ساحقة”.
كما لعب الوضع الاقتصادي دوراً سلبيا في ولاية أوباما الرئاسية، مع معدل بطالة وصل الى 9,8 في المئة ودين عام تجاوز 13,5 تريليون دولار، مع انهيار تاريخي مؤقت لمؤشر “داو جونز” في بورصة نيويورك وتراجعه حوالي 1000 نقطة خلال دقائق في 6 أيار (مايو) الماضي. وصرح رئيس الاحتياط الفدرالي بن برنانكي في 5 كانون الاول بان الاقتصاد الاميركي يقترب من عدم القدرة على الاكتفاء الذاتي، وان معدلات البطالة قد تحتاج الى اربع او خمس سنوات لتعود الى معدلاتها الطبيعية، لتدرك ادارة اوباما حينها المغزى السياسي لهذه الوقائع الاقتصادية وتتخذ خيارا استراتيجيا باعادة التموضع والحكم من الوسط. فتجاهل اوباما قاعدته الديموقراطية في الكونغرس وقام بتسوية مع الجمهوريين قبل بموجبها تمديد خفض الضرائب على كل الاميركيين بمن فيهم الاثرياء مقابل حصوله على تمديد اعانات البطالة لفترة 13 شهرا، في تكتيك جعله يترك مسافة من الديموقراطيين على اليسار في الكونغرس ما يزيد من رصيده بين الناخبين المستقلين. وانتهى الكونغرس باقرار هذا القانون في نهاية العام، وكان تعويض القاعدة الليبرالية سريعا باقرار الكونغرس مطلبا رئيسيا بالنسبة اليها، وهو الغاء الحظر على خدمة المثليين في الجيش الاميركي (
أوباما والسياسة الخارجية
من المقاربة العسكرية في العراق وافغانستان الى المقاربة الدبلوماسية في ايران وكوريا الشمالية، تمكنت الادارة الاميركية من احراز بعض التقدم المتواضع على هذه الجبهات من دون إحداث تغيير نوعي في معادلة ادارتها لهذه الازمات. في 19 آب غادر آخر جندي اميركي مقاتل الاراضي العراقية وفي 31 آب اعلن اوباما نهاية الاعمال القتالية في العراق.
على الجبهة الافغانية، وصل 30 ألف جندي اميركي الى افغانستان في الصيف ليقارب عدد القوات العسكرية الاميركية حوالي 100 ألف على الارض، واعلن اوباما في 16 كانون الاول (ديسمبر) الجاري عن مراجعة سنوية للاستراتيجية الافغانية تعيد الاشارة الى بدء عملية الانسحاب “المسؤول” في العام 2011، لكن وراء الكواليس يتنامى الاجماع في البنتاغون بضرورة تأجيل هذا الانسحاب واعطاء وقت للجيش الاميركي لتحقيق المزيد من المكاسب. هذا يعني استمرار المواجهة داخل ادارة اوباما بين المدنيين المشككين بهذه الحرب بقيادة نائب الرئيس جو بايدن والعسكريين الذين يريدون المزيد من الوقت. ومن عوارض هذه المواجهة كان تمرد قائد القوات الاميركية في افغانستان الجنرال ستانلي ماكريستال على السلطة المدنية في مقال نشر في مجلة “رولينغ ستون” في حزيران (يونيو)، ما ادى الى طرده من وظيفته واستبداله بالجنرال ديفيد بتراوس. وبعد هذا التحول في الجناح العسكري للاستراتيجية، أتت وفاة المبعوث ريتشارد هولبروك المفاجئة لتطرح تساؤلات حول مصير هذه الاستراتيجية.
في الشرق الأوسط كان التحول في آذار 2010، عندما اعلنت الحكومة الاسرائيلية عن خططها لبناء 1600 مستوطنة جديدة اثناء زيارة نائب الرئيس جو بايدن الى اسرائيل، في خطوة اعتبرتها كلينتون بانها “اهانة”، واوباما رد الاهانة خلال اجتماع ترك فيه رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ينتظر لوحده في البيت الابيض بعدما لم يتمكن من حمل اي افكار جديدة لوقف الاستيطان. بعدها تراجع اوباما تدريجيا عن مسألة الاستيطان وبدأ حملة لاعادة مد الجسور مع حكومة نتنياهو، وصولا الى اعلان اطلاق المفاوضات الفلسطينية الاسرائيلية من واشنطن في 2 ايلول (سبتمبر) قبل تعثرها مع نهاية العام واتخاذ ادارة اوباما قرار تجاهل مسألة الاستيطان والتركيز على مسألة الحدود.
وما عدا اقرار الكونغرس لرزمة من العقوبات على ايران في 24 حزيران، بقيت العلاقات الاميركية-الايرانية بين الانقطاع والغزل البارد، فيما وسعت ادارة اوباما في شهر آب رقعة عقوباتها على كوريا الشمالية في وقت يتزايد فيه التوتر في شبه الجزيرة الكورية. اما الانخراط الدبلوماسي الاميركي السوري فدخل في شباط 2010 مرحلة الجمود من دون استعادة مرحلة تدهور العلاقات بين البلدين. فزار وكيل وزيرة الخارجية وليام بيرنز دمشق في 17 شباط بالتزامن مع تعيين روبرت فورد سفيرا في دمشق، لتظهر بعدها الى العلن مسألة صواريخ “سكود” الى “حزب الله” وتجميد تعيين فورد في الكونغرس الى اجل غير مسمى.
Leave a Reply