تقترب ديترويت بخطى سريعة وثابتة نحو مرحلة جديدة تتوق لها المدينة بعد عقود من الإنحدار والفساد والجريمة، فـ«مدينة السيارات» تقف على مفترق طرق بشأن قضية الإفلاس التي شهدت خلال الفترة الأخيرة تطورات كبيرة قد تعجل حسمها ما يعني تخلص البلدية من ديون فاقت ١٨ مليار دولار.
المدينة التي يقودها حالياً ربانان «منسجمان»، هما رئيس البلدية الجديد مايك داغن ومدير الطوارئ المالية كفين أور، شكلت خلال الأشهر الماضية مصدر اهتمام لإدارة الرئيس باراك أوباما وحاكم ميشيغن ريك سنايدر إضافة الى مستثمرين بارزين، وسط مؤشرات تدل على تحولات كبرى ستغير وجه المدينة قريباً.
وفي اجتماع ضم أور وداغن الى جانب رجال أعمال بارزين حضروا الى نادي ديترويت الرياضي (أثلتيك كلوب)، الأربعاء الماضي، نوه مدير الطوارىء الى أن المدينة ستنقلب رأساً على عقب ما أن تعلن المحكمة الفدرالية إفلاسها متعهداً «بمستقبل لامع ومذهل» للمدينة، مع الإشارة الى قوة الدفع المنتطرة من خلال مشاريع يتم العمل على إنجازها حالياً مثل مشروع ترامواي وودودرد والجسر الدولي الجديد وحلبة الهوكي إضافة الى الاستثمارات الإقتصادية التي تتدفق على وسط المدينة.
وقال أور، الذي تقدم بخطته لانتشال المدينة من الإفلاس مطلع الأسبوع الماضي إنه «لو أنجزنا المهمة بالشكل الصحيح.. لسوف تذهلون بالسرعة التي ستتبدل بها الأمور».
وعلى عكس علاقته المتوترة -نوعاً ما- مع رئيس البلدية السابق دايف بينغ، أشاد أور بمدى تعاون داغن الذي مازحه بالقول إنه ينتظر بفارغ الصبر انتهاء صلاحية تعيينه مديراً للمدينة، وقال إنه يعد الأيام ولم يتبق سوى سبعة أشهر وثلاثة أسابيع، حيث من المنتظر أن تنتهي ولاية أور على ديترويت في أيلول (سبتمبر) المقبل.
وقد ظهر أور وداغن أمام المستثمرين المحتملين «كالسمن على العسل»، إذ أكد الطرفان على مستوى التنسيق العالي بينهما. وقال داغن «نحن شخصان جريئان وكلانا يتحدث بشكل مباشر وصريح، وقد عرفنا ذلك بعد فترة قليلة من التواصل.. واليوم نحن لا نواجه أي صعوبة في فهم بعضنا الآخر».
وشدد أور وداغن على حساسية المرحلة الحالية، إذ تلوح في الافق لحظة حاسمة تتعلق بقضية إفلاس ديترويت، حيث تقف ديترويت على مفترق طرق خلال الايام والأسابيع القادمة، إما أن تسير دعوى الافلاس بسلاسة أو تتم عرقلتها في أروقة المحاكم وعندها ستضطر ديترويت الى الاستمرار في التقاضي في ظل تضاؤل مواردها المالية.
لكن الأمور تبشر بالخير، حسب أور، فقد شهدت الفترة الماضية موجة من الصفقات والاخبار المتواترة، حيث تقدم مدير الطوارئ بمشروع خطة اولية لمحكمة الإفلاس تشمل تفاصيل تسديد البلدية لديونها المستحقة للمقرضين، في حين وافق المتقاعدون على تقليص مزايا الرعاية الصحية الممنوحة لهم، وذلك من خلال التحول الى «ميديكير» لمن هم فوق 65 عاماً او الحصول على العون المالي لشراء بوالص تامين صحية للمتقاعدين الأصغر سناً.
وقد وافق «معهد ديترويت للفنون» ومتبرعون على المساهمة بـ٨٢٠ مليون دولار لحماية معاشات المتقاعدين وكنوز المتحف الذي قد يتحول الى مؤسسة عامة غير ربحية وفق مقترح يدعمه الحاكم ريك سنايدر.
وهناك جهود متواصلة لإنشاء هيئة مياه اقليمية تدير «مصلحة مياه ديترويت» المتهالكة لمدة 40 عاماً مقابل 47 مليون دولار سنوياً تحصل عليها بلدية ديترويت من المقاطعات الثلاث المستفيدة (التفاصيل ص ٨).
كما توصلت البلدية مؤخراً الى اتفاق مع اثنين من المصارف الدائنة «بنك أوف أميركا» و«يو بي اس» تعهدت لهما بالتوصل الى قرار مرضٍ حال الانتهاء من الصفقة المتعلقة بهيئة المياه، لتسديد ديونها الناشئة عن السندات التي كانت البلدية أصدرتها عام 2005، وذلك بعد رفض قاضي الافلاس الفدرالي ستيفن رودز لصفقات سابقة بين البلدية وهذين المصرفين، بسبب ما اعتبره القاضي «كرم زائد» مع البنوك على حساب صغار الدائنين سيما مع ما حملته تلك القروض من معدلات فائدة مرتفعة.
ودائما كان أور هو صاحب الكلمة الاولى والاخيرة في إدارة إفلاس ديترويت الذي تعهد بإتمامه في غضون ١٨ شهراً، وقد نجح في رفع دعوى الافلاس خلال 5 شهور من توليه منصبه في حين جهدت بلديات أصغر عدة سنوات لإعلان إفلاسها ولازالت تنتظر.
الملامح الرئيسية لخطة أور:
فيما يلي اضواء على الخطة التي سلمتها بلدية ديترويت للدائنين، الأسبوع الماضي، وتتكون من 99 صفحة وصنفت الخطة بالسرية على أن ترفع نسخة منها للقاضي ستيفن رودز مع ضرورة الموافقة عليها من قبل الدائنين وتضم المقترحات التالية:
– نقل ملكية الكنوز الفنية في «متحف ديترويت للفنون» الى مؤسسة خيرية اسمها «دي آي أي كورب».
– تعهد المتحف بالمساهمة بمبلغ 100 مليون دولار على مدى 20 عاماً يتم تخصيصها لصناديق المعاشات التقاعدية في مقابل رفع البلدية يدها عن ملكية المعهد، يضاف اليها 370 مليون دولار تجمع من المؤسسات الخيرية الوطنية والمحلية، مع تعهد من الولاية بالمساهمة بـ350 مليون دولار.
– الخطة مشروطة باستمرار المؤسسات بالالتزام بجمع التبرعات لتمويل التشغيل السنوي للمعهد وحملات التبرع.
– توصي الخطة بتشكيل مركز لادارة شؤون الرعاية الصحية للمتقاعدين اشبه بتلك التي أنشأها اتحاد عمال السيارات في الشركات الثلاث الكبرى عام 2007.
– توصي الخطة بتوقع عوائد الاستثمار في صناديق التقاعد عند معدل 6,25 بالمئة بدلا من 8 بالمئة المعمول بها حالياً.
– توصي الخطة بعدم اجراء أية تغييرات في صندوق المعاشات التقاعدية لـ10 سنوات قادمة بهدف خلق نوع من الاستقرار.
– تدعو الخطة البلدية والمقاطعات الى انشاء هيئة المياه الاقليمية وتضم ممثلين اثنين عن كل مقاطعة والبلدية وواحد عن الولاية.
وبانتظار ما سيؤول اليه قرار المحكمة والدائنين، فإن ديترويت تنتظر الرد في غضون الأيام والأسابيع القادمة، في الوقت الذي بدأت فيه المدينة تلمس تغييرات ملموسة في الخدمات والإنارة والأمن وإزالة المنازل المهجورة إضافة الى خطط لتحسين خدمات البلدية لناحية النقل الجماعي وإزالة القمامة والثلوج الى جانب تعيين مدير جديد لدائرة التكنولوجيا لتطوير آليات العمل البلدي وفق أحدث التقنيات المتوفرة.
Leave a Reply