لست ادري من أين أبدأ، فهناك مجموعة من القضايا المتداخلة، كل واحدة منها لها اهميتها، ويجب تسليط الضوء عليها. ومجمل تلك القضايا يمكن تلخيصها في تلك الثورات المتتالية على الساحة العربية، ما لها وما عليها.. فهل كل ما ينتج عنها خير؟
هذا هو السؤال الاكبر الذي يجب النظر اليه ودراسته دراسه متأنية، وشيء طبيعي ان ما يفضي الى خير فهو خير، فكيف لوكان العكس. ألم يقل المولى عز وجل “وعسى ان تحبوا شيئا وهو شر لكم وعسى ان تكرهوا شيئا وهو خير لكم والله يعلم وانتم لا تعلمون”. فما يظهر لنا من خيرية هذه الثورة او تلك بان ما تفضي اليه له ثمن باهض يثقل كاهل الامة، ويزيد الى حيرتها فقدان الامن، وتفتت الاوطان، والدخول في نفق الفتن الطائفية، والمناطقية، والمذهبية، فمجرد رفع الغطاء عن المرجل تنبعث ادخنة المظاهر السلبية بعد ان كان الغطاء يمنعها من الانبعاث .
والمسأله برمتها ذات شجون، فإن سنوات تغييب الامة واهانتها من اعدائها، جعل مسألة التغيير ضرورة حتمية، فاندفعت الامة بكل عنفوانها مطالبه بالتغيير. فصار التغيير بحد ذاته هدفا وليس وسيلة للانتقال الى الافضل. فرب تغيير يؤدي الى الاسوأ، فها هو امام اعيننا الصومال وما آل اليه، فنظامه السابق، نظام قمعي ودموي أرعن تم تغييره وحلت محله الفوضى وقلة الامن، وخلال حديثي مع اخوة صوماليين قالوا لوعرفنا ان الامور سوف تصير الى هذا السوء ما فكرنا بتغيير نظام سياد بري ولو للحظة.
كثير من الناس تحت ضغط فشل هذه الانظمة في احداث نقلة نوعية لمجتمعاتها يريد تغييرها ولم يسأل نفسه كيف ومتى، فالحكمة هي فعل او قول الشيء المناسب، في المكان المناسب، والوقت المناسب. وقد وصف رسول الله (ص) أهل اليمن بالايمان والحكمة، فهل نرى الحكمة في استعجال التغيير رغم بداهته والاصرار على طرد الرئيس علي عبدالله واحراجه، ان لم نقل اهانته؟ وحتى ابسط مخلوق اذا يرى نفسه محصورا ومهددا يتحول الى سبع ضار. ناهيك عن القوى المتربصة التي تنتظر ضعف النظام لكي تثب لتقتطع لنفسها جزءاً من تراب الوطن، ثم العمل على التوسع تدريجيا على حساب القبائل المجاورة (طبعا بشن الحروب) وليس هذا مجرد خيال او وهم فها هي المملكة الحوثية تعمل على فرض نفسها، مع وجود النظام، فبكيف مع عدم وجوده؟
اما دعوات الانفصال فهي الاخرى مرشحة ان تقتطع جزءاً من الوطن، وتحوله الى كيان خاص بها، وحتى الاسم سيتغير من الجنوب اليمني الى الجنوب العربي. فالتعبئة الخاطئة شغالة ومستمرة مع وجود النظام فكيف بعدم وجوده؟
اقول بالفم المليان للذين يقولون لمبادرة الرئيس ان الوقت قد انتهى لقبول مثل هذه المبادرة للانتقال الى قيام نظام برلماني ديمقراطي، انما يصرون على الفوضى وجر الوطن الى المخاطر. واذا انفرط العقد فمن يعلم ان هؤلاء ليسوا بمنأى عن دفع الثمن، فهناك اصوات لا يهمها الا احداث انقلاب دموي على اشلاء الوطن، فيا ليت شعري من ياترى يدفع ثمن هذه المغامرات غير اهله؟ فالدعوة هي مخرج لليمن لكي يستمر كبلد موحد محتفظ بمزاياه ووحدة اراضيه، والا فان التمزق حتمي.
واذا افترضنا حسن النيه لمثل هذه الاصوات افلا يكون من الاجدى، في حال شعروا بعدم الثقة مما طرحه الرئيس ان يطلبوا فترة انتقالية اختبارية لمدى صحة وصدق نوايا هذه المبادرة، وعند التأكد من عدم جدية المبادرة فالشارع لا زال موجودا. الا اذا سلمنا عدم ثقة المعارضة بنفسها وبهدفها وبالتالي فليس العيب في المبادرة بقدر ما هو العيب في القوى المعارضة نفسها، او الامر الآخر وهو طلب ضمانات دولية من الوسطاء، عندها نقول لهم احسنتم. اما الرفض تحت مسمى ان الوقت قد انتهى وكأنه ضمان صناعي لجهاز من اجهزة الاستخدام المنزلي فهذا هو السفه نفسه، يا قومنا اجيبوا داعي الله واسلموا له، نحن نتكلم عن مصير وطن وليس عن جهاز انتهت ضمانته.
ان الرفض تحت مسمى الاحتكام الى الشارع لا يعني غير الاصرار على ادخال البلد في النفق المظلم وعليه من مقامي هذا اقول للرئيس لقد اوجزت ووفيت، اما المعارضة الرافضة لكل شيء فاننا نحملهم كامل المسؤلية امام الله وامام الشعب عما ستؤول اليه الامور. والله لقد خيبتم ظننا بكم ونرى ان الحكمة قد خانتكم. ولله الامر من قبل ومن بعد.
Leave a Reply