حمل إعلان شركة «فورد» لصناعة السيارات باستثمار مبلغ ١.٢ مليار دولار لتجديد مقرها العالمي في مدينة ديربورن، أخباراً طيبة لسكان مترو ديترويت عموماً، والمدينة خصوصاً، لاسيما وأن خطة «فورد» تتضمن توسيع عملياتها في ديربورن لتستوعب ٣٠ ألف موظف بحلول العام ٢٠٢٦.
ومما لا شك فيه أن هذه الخطة ستعود بنتائج إيجابية كبيرة على اقتصاد مدينة ديربرون وسكانها وأعمالها التجارية الصغيرة والمتوسطة، وكذلك ستعود بالفائدة على العرب الأميركيين الذين ساهموا -عبر العقود الماضية- في استقرار المدينة وازدهارها.
لكن على أبناء الجالية أن يضعوا نصب أعينهم أن يكونوا جزءاً رئيسياً من مستقبل ديربورن، لاسيما بعد السنوات العجاف التي أصروا خلالها على البقاء والاستثمار في «عاصمتهم»، رغم الأزمة الاقتصادية التي ضربت الولايات المتحدة منذ العام 2008 مع انهيار أسعار العقارات في عموم الولايات الأميركية.
ورغم جميع المنغصات وسياسات الاقصاء والتهميش التي عانوا منها في كافة إدارات البلدية ودوائرها، لعب عرب ديربورن على مدى العقود الماضية، الدور الأساس في ازدهار الحركة التجارية بالمدينة واستقرار سوقها العقاري. واليوم على أبناء الجالية أن يكونوا على أتم الاستعداد للاستفادة من السنوات السمان الآتية، التي ستكون خطة فورد الاستثمارية إحدى ركائزها، وسط معلومات خاصة بـ«صدى الوطن» عن نية مستثمرين كبار لدخول سوق ديربورن التي تتمتع بموقع استراتيجي عند الخاصرة الجنوبية الغربية لمدينة ديترويت التي تسير بثبات نحو النهوض.
لقد رفض العرب الأميركيون، من السكان والمستثمرين، مغادرة المدينة، ونجحوا في تحويل الأزمة العقارية إلى فرصة استثمارية، على خلاف معظم المدن الأميركية. وأنصع مثال على ذلك، شارع وورن أفنيو الذي بات مكتظاً بمختلف أنواع الأعمال الصغيرة، من مطاعم ومقاهٍ وصيدليات وعيادات طبية ومكاتب ومكتبات وأفران وصالونات تزيين ومتاجر وأسواق خضار وغيرها. لقد بات هذا الشارع بفضل الاستثمارات العربية من أكثر الشوارع ازدحاما في المدينة، بعدما كان -بحسب أحد المهاجرين القدامى- شارع أشباح قبل نزوح العرب إلى الجزء الشمالي الشرقي من مدينة ديربورن قبل عدة عقود.
لكن المرحلة القادمة، تتطلب من عرب ديربورن عقلية جديدة في العمل التجاري.. فالاكتفاء بتأسيس المطاعم والمقاهي والمحال التجارية الصغيرة لن يحقق طموحات جاليتنا التي بات عليها أن تتجه أكثر فأكثر الى العمل الجماعي، للحفاظ على مصالحها والاستفادة من المرحلة القادمة على أكمل وجه وزيادة مكتساباتها.
في كل الأحوال، لا بد من الإشارة إلى أن مدينة ديربورن ما تزال تستقبل المزيد من القادمين الجدد، عرباً وغير عرب، ولكنها في الوقت ذاته، تشهد موجة «نزوح» ملحوظة حيث بات الكثير من العرب يفضلون الانتقال إلى مدن أخرى مجاورة حيث أسعار التأمين أدنى ومستوى المعيشة والأمن أفضل حالاً. غير أن مغادرة أبناء الجالية العربية لمدينتهم في هذا التوقيت ليست فكرة سديدة نظراً لآفاق المستقبل والتحولات الإيجابية القادمة وما تحمله من مشاريع اقتصادية جديدة.
لقد غدت مدينة ديربورن عاصمة العرب في الولايات المتحدة، وبالتالي فإن مستقبلها الموعود سوف ينعكس بشكل تلقائي على سكانها العرب والمسلمين وسوف يساهم في تصحيح الصورة النمطية المغلوطة عنهم، والتي باتت شائعة في السنوات الأخيرة إلى الحد الذي بات يهدد دورهم ومستقبلهم في هذه البلاد.
صحيح أنه لا يمكن تجاهل الإمكانات الاقتصادية في مجتمع جاليتنا، ولكن إطلاق وتأسيس أعمال صغيرة جديدة يعتبر أمراً غير كاف، فالعرب الأميركيون بحاجة إلى تحسين أحيائهم ومناطقهم، وليس سرا أن بعض تلك الأحياء والمناطق يعاني من مشاكل عويصة، كعدم الاهتمام بالنظافة العامة، والقيادات المتهورة للسيارات، والمشاكل المرورية… وهذه جميعها مشاكل ينبغي معالجتها سريعا، وعلى المنظمات المجتمعية والأهلية والمراكز الدينية أن تساهم بدورها في نشر وتعميق التوعية العامة، ونشر ثقافة التسامح واحترام القوانين والأعراف المرعية في مجتمع المدينة. وقد يبدو لبعض القراء، أن مثل هذه المشاكل، لا تأثير لها، ولكننا نؤكد على أن «نوعية الحياة» هي حاجة ضرورية من أجل الارتقاء بالمدينة.
كما نؤكد على جاليتنا في أن تكون أكثر انفتاحا وترحابا بالوافدين الجدد، من جميع الأعراق والخلفيات، فديربورن ليست جزيرة معزولة. لقد فتحت المدينة أبوابها لجميع المهاجرين، ويجب أن تبقى مدينة مفتوحة أمام الجميع.
كذلك، تقع على كاهل البلدية مسؤوليات جسيمة، خاصة لناحية لفت أنظار أبناء المدينة نحو الاستفادة من المشاريع القادمة، وبالتالي عليها إعادة النظر في سياساتها وتعاملها مع السكان الذين اشتكوا -خلال السنوات الماضية- مرارا وتكرارا من التهميش والعمليات البيرقراطية المعقدة خاصة في دائرة «البناء والسلامة العامة»، التي تحولت الى كوابيس لكل من يفكر في إنشاء محل تجاري بالمدينة.
ومن هنا، على مسؤولي المدينة أن يجروا بعض التعديلات على إجراءات منح الرخص لجعل مدينة ديربورن «مدينة صديقة للأعمال التجارية والاستثمارات».
لقد تحمل العرب الأميركيون من «شتاء ديربورن القاسي» وراهنوا على جهدهم وأموالهم ومستقبل أبنائهم فيما مضى، وحان الوقت لكي يستثمروا في «الربيع القادم» حيث المخاطر أقل كلفة رغم التحديات الكثيرة..
Leave a Reply