حسن خليفة – «صدى الوطن»
أين تحب أن يكون قبرك؟
السؤال يبدو فظاً، لكنه يراود كثيرين من العرب الأميركيين الذين حلوا على هذه البلاد وأصبحوا جزءاً لا يتجزأ منها.
فقد تبنت أجيال متعددة من الجالية العربية وطنها الجديد وقبلت هويتها الجديدة التي تعكس الثقافة العربية فـي الحياة الأميركية، غير أن الارتباط بالوطن الأم يبقى ماثلاً بوضوح فـي حياة الكثيرين من أبناء الجالية، حتى الذين ولدوا فـي بلاد الـ«عمّ سام» ولم يزُروا موطن ذويهم قط. تتفاجأ لدى سماعك الإجابة: أتمنى لو أن يكون قبري هناك!.
الأسباب كثيرة منها الحنين الى الماضي وحب الأرض والعائلة والرغبة فـي العودة وصولاً الى الارتباط الديني.
وفقا لديفـيد نعمان، مدير دار نعمان للجنازات فـي ديترويت، أن يطلب المرء دفنه فـي وطنه فهذا يُعتبر «أسمى رابط يمكنك أن تتخيله لشخص حيال وطنه الأم».
وتتخصص دار الجنائز التي يديرها نعمان بالدفن المحلي والخارجي وفق الشريعة الإسلامية.
وقال نعمان «إن عملية شحن جثمان المتوفى إلى بلد أجنبي مسألة تتوخى الدقة والانتباه وتنطوي على قدر كبير من الأوراق المطلوبة للحصول على تصاريح سفر سليمة، والتأكد من اتباع قواعد الصحة والنقل الآمن للمتوفى إلى الجهة الخارجية لدفنه سريعاً».
عبد الرحمن الرفاعي، وهو من سكان مدينة ديربورن ويدرس الطب فـي ولاية نيويورك، أعرب عن أمنيته بأن يدفن فـي سوريا، لأن دفنه وفق التقليد الإسلامي أمرٌ مهم جداً بالنسبة له، ليس ذلك فحسب بل على الأقل يتسنى لأهله زيارة قبره فـي الأعياد الدينية. صحيح أن الكثير من العرب الأميركيين يتمنون أن يُدفنوا فـي وطنهم الأصلي، الا ان كثيرين أيضاً لا يهمُّهم هذا الأمر على الإطلاق.
وأشارت فـي هذا المجال سمر بركة، وهي طالبة جامعية فلسطينية أميركية، أنه على الرغم من أنها تأمل فـي أن يدفن المزيد من الفلسطينيين فـي أرضهم المحتلة، لكنها لا تعتبر ذلك أمراً ذات أهمية بالنسبة لها شخصياً.
وأضافت أنه إذا تم دفن عدد أكبر من الفلسطينيين الأميركيين فـي وطنهم الأول، سيشكِّل هذا حافزا للأقارب لكي يعززوا ارتباطهم بأرضهم، على الرغم من انهم لم يولدوا ويشبوا فـيها بسبب الاحتلال الاسرائيلي.
ابراهيم عبدالله، مصري أميركي من سكان نيويورك، نظر الى الموضوع ببساطة أكثر: «أنا مع ما هو أسهل لأولادي»، وأردف أن «الدفن هو جزء من الحزن والعزاء»، معرباً عن اعتقاده بأن اختيار مكان وطريقة الدفن مسألة تعود للعائلة التي ستختار ما تراه مناسباً. فـي منطقة ديترويت، يقول ديفـيد نعمان الذي يدير دار الجنازات الواقعة غرب تقاطع وورن وساوثفـيلد، إن أعلى نسبة من طلبات الدفن فـي الخارج تأتي من العرب الأميركيين، وتحديداً الجالية اللبنانية. وأضاف أنه «من بين آخر ١٢٠ جثمان تم إرسالها إلى الشرق الأوسط كانت وجهة خمسين منها إلى لبنان.
واستطرد نعمان، ان مزيداً من العائلات الشيعية الباكستانية والإيرانيية واللبنانية تتجه الى دفن موتاها فـي النجف الأشرف فـي العراق، وهو موقع ديني مقدس ويضم أكبر مقبرة فـي العالم.
كلفة باهظة
ارتفاع تكليف الدفن خلف البحار تعد عقبة أخرى تمنع بعض العائلات من تنفـيذ وصايا أفراد أسرتها الذين طلبوا قبل موتهم بأن يدفنوا فـي أرض الأجداد.
عبد الله المصري والدته استسلمت لسرطان المعدة فـي شباط (فبراير) الماضي، وخطط لتنفـيذ رغبتها فـي أن تُدفن فـي مصر غير انه وجد الترتيبات مكلفة للغاية فـي ذلك الوقت، وخارجة عن مقدوره.
والقضية لا تقف عند مصاريف رحلة الدفن، إذ «لا يمكنك أن تقفز على متن طائرة فـي كل مرة ترغب بزيارة قبر المتوفى» أكد الشيخ تقي حسن، من «مسجد الإمام علي» فـي توليدو (أوهايو). وأوضح الشيخ أن «ارتفاع تكلفة شحن الجثامين الى الخارج لا تستحق كل هذا العناء، لأن الدفن الشرعي متاح على نطاق واسع فـي الولايات المتحدة». وأضاف «إذا كانت عائلة الفقيد تعيش فـي مكان ما فـيجب ان يُدفن المرحوم فـي المقابر المحلية، لأنَّ زيارات القبور والصلاة على المرحومين متاحة هنا فـي الولايات المتحدة بقدر ما هي فـي الخارج».
وحسب نعمان، فإنَّ دفن أحد أحباء الأسرة فـي لبنان، على سبيل المثال، يمكن أن يُكلف ما لا يقل عن ٦٥٠٠ دولار، ولكن هناك تسهيلات توفرها الدار للعائلات محدودة الدخل التي تجد أن الدفن المحلي مكلفاً للغاية، ما يضطر الكثيرين الى حرق جثث أحبائهم لعدم قدرتهم على تحمل تكاليف الدفن، وهو أمر مناف للشريعة الإسلامية، بحسب نعمان الذي أكد أن الدار تعرض خدمات الدفن مجاناً لهؤلاء لثنيهم عن حرق جثث موتاهم.
التابوت إجباري؟!
وقال الشيخ حسن إن الشريعة الإسلامية تهدي المؤمنين الى كل نواحي وجوانب عملية الدفن وبالتالي فإنَّ أولئك الذين يرغبون فـي الامتثال لتلك القوانين الدينية قد يجدون صعوبة فـي الدفن، سواءاً محلياً أو فـي الخارج.
فمعظم شركات الطيران ترفض شحن الجثث التي لم يتم تحنيطها، وهو إجراء شائع يستخدم لمنع تعفن الجسد، وفقا لكيفن ستوكهام، مدير مختص بالجنازات ومحنط فـي ولاية كانساس. واوضح الشيخ حسن أن الإسلام يحظر التحنيط، وأضاف أنه من الناحية الشرعية، «لا بد من دفن الجثة من دون العبث بها، ملفوفةً فقط بقطعة قماش بيضاء (كفن) وبدون نعش».
وقال وسيم عواضة، وهو مقيم فـي ديربورن، ان أسرته دفنت عمه فـي لبنان منذ أسبوعين، «لأن المقابر المحلية لم تسمح له أن يدفن حسب الطريقة الاسلامية حيث أصرت ادارة المقابر أن يوضع المرحوم فـي تابوت «لدواعي الصحة والنظافة».
لكن الشيخ حسن لفت الى أن سياسات إدارة المقابر بإلزام وضع الجثث بالتوابيت، تأتي لأسباب تجارية واضحة، حيث يكلف التابوت الواحد بين ألف و١٠ آلاف دولار، مشيراً الى أن ليس هناك قانون أو مرسوم فـي أميركا يمنع دفن الجثث بلا نعوش.
عندما يتم الدفن فـي الخارج
الذين يسعون لدفن أحبائهم خارج أميركا عليهم أولاً أن يخطروا قنصلية البلد المقصود فـي المنطقة التي يسكنون بها بمشروع شحن الجثمان، حيث من مهمات القنصلية التنسيق مع دار الجنائز والتعرف على هوية صاحب الجثة وتقديم المساعدة لأسرة الفقيد أو الأقارب فـي عملية السفر.
ثم على أهل الفقيد أن يجروا ترتيبات خاصة مع شركات الطيران لشحن الجثة فـي صندوق مخصص مرفقاً بالأوراق القانونية الصحيحة، حيث يمكن أنْ يدفن المتوفى فـي أي بلد يختاره ذووه، حتى لو لم يكن وطنه الأم، وفقاً لنعمان.
وختم الشيخ حسن بالقول إنه فـي بعض الأحيان تحدث أمور غير متوقعة فـي عملية، «فقد حصلت العديد من الحوادث المؤسفة مثل وصول جثمان الى مطار بيروت، حيث بقي هناك من دون تبريد لمدة يومين قبل أن يسلم للدفن».
Leave a Reply