يبدأ يومي في الرابعة فجراً. أشرب كوباً من الماء وكوباً من القهوة تسكيناً للألم في رأسي وتهيؤاً لتأدية الصلاة، علَّ الله القدير يمدني بالقوة والتحمل للتنظيف من بعد عشاء الليلة السابقة. أضع في فمي منشفة صغيرة أعضُّ عليها غيظاً لإنهاء عملية الجلي التي لا تنتهي، ثم كنس الأرض ومسحها ورمي المخلفات والركض للوصول إلى العمل في الثامنة صباحاً.
أنتهي من العمل في الساعة الخامسة عصراً. عليَّ تحمل عجقة السير وغلاظة بعض السائقين وتهورهم الجنوني، ثمَّ أمرُّ على مكان التسوق لأشتري مستلزمات تحضير مادة الإفطار، أيضاً أسأل الله الصبر والاحتمال، انتظاراً للوصول إلى صندوق المحاسبة ودفع ثمن الأغراض المشتراة.
الآن الساعة السادسة. الحمد لله وصلت إلى البيت بالسلامة، أضع الأغراض كيفما اتفق وأرمي ثيابي هنا وهناك وأتهيأ لتأدية الصلاة بصورة سريعة جداً، أحياناً كواجب ثقيل أنهيه كيفما كان وبدون تركيز وأنا أفكر في تحضير العشاء وإرضاء الجميع. واحد بدو تبولة وكبة نية، واحد بدو فتوش وكبة بالصينية وغيرها من الطلبات التي لا تنتهي وكأن هذه الأكلات غير متوفرة إلَّا في رمضان. وطبعاً بعد الإفطار والعشاء تكون القدرة على الإحتمال قد وصلت إلى درجة الصفر، وبالكاد تكفي لأداء صلاة العشاء، وبعدهامباشرة.. إلى الفراش. المخدَّة وحدها تعرف تعبي وتشعر بألمي ولا تطلب مني عمل شيء لا أرغب فيه.
قد تتساءل عزيزي القاريء لماذا أكتب هذا الكلام! أكتبه فقط لأفش خلقي وأسأل شهر رمضان، شهر الرحمة والمغفرة، أسأله أن يرحمني من الركض وراء الوقت ويعتقني من دوامة التسوق والطبخ والجلي والتنظيف وأن يغفر لي تقصيري في أداء العبادات وأن يهديني قليلاَ من الراحة وساعة أخرى من النوم.
أيضاً أشكر التلفزيون الرمضاني والقنوات التي تدَّعي الدين، حين أستمع إليها عبر الآيباد وعلى اليوتيوب وأنا أعمل في المطبخ وأحضّر الإفطار، بأن معظمها تقدم برامج ناقضة للوضوء، تسبب الإمساك والتهاب المفاصل، وبعضها يتلف الجيوب الأنفيَّة لأنها، أي تلك البرامج، لا تتحدث أبداً عن رحمة الله وغفرانه ومحبته وسلامه، بل تطلق أقاويل مصحوبة بـ«ريح» كريهة الرائحة تصدر عن بضاعة فاسدة ومسائل هزيلة وأقوال سخيفة، قال فلان عن فلان عن فلان، وكلام عن المحظورات والممنوعات في رمضان.
قد أكون واحدة من آلاف النساء حول العالم ممن يعملن حتى بعد توقف الجميع. لكن الحمد والشكر لله، لأن الصوم يعلمني الصبر والإحتمال وعدم الشكوى والنق على الفاضي والمليان. وأشكره تعالى على نِعَمِهِ الوفيرة وأشعر بألم وحزن البؤساء حول العالم، والفقراء الجوعى والمرضى، وأدعو الله أن ينظر بعطفٍ وشفقة إليهم، أما هنا في ديربورن، فأقف حائرة أمام هذا البذخ والإسراف في المأكل والمشرب كل يوم.
على ما أعلم، فإن الإفطارات في رمضان تكون للفقراء والمحتاجين يجود بها الأغنياء والمترفون عليهم، تزكية لأموالهم التي أكثرها مكتسبة سلباً ونهباً لهؤلاء المعدمين والمحرومين، لكن ما هو الأجر والثواب للإفطارات والمآدب حين تكون للأغنياء الشبعانين والبطرانين؟
هل تصدق عزيزي القاريء أنه يوجد هنا في ديربورن وفي جاليتنا أناس معذبون مشردون بلا مأوى؟ أقولها وبكل ألم وحرقة، أرفض شهر رمضان، أرفض أن يكون شهراً للأكل فقط. أريد رمضاناً بسيطاً خالياً من هوجة التسوق والأكل وفتاوى الدين السخيفة!
Leave a Reply