يلتقط العالم أنفاسه لمعرفة القرار الذي سيتخذه الكونغرس الأميركي، حول العمل العسكري الذي قرره الرئيس باراك أوباما ضد سوريا، ووصفه بالمحدود في الزمان والمكان، لكنه لن يقدم عليه إلا إذا نال تفويضاً من السلطة التشريعية، ليحتمي فيها بحالة شن حرب على دولة عربية هي الثانية خلال عقد بعد حرب الرئيس جورج بوش الابن على العراق، التي وقف ضدها الرئيس الحالي، وسحب القوات الأميركية من بلاد الرافدين قبل حوالي عامين، وهو سيسحبها من أفغانستان العام القادم، لأن هذه الحروب كلّفت الشعب الأميركي الذي يقف ضدها منذ حرب فييتنام، لكن «المحافطين الجدد» عادوا إليها في زمن البوشَين، الأب والابن، تحت شعار «الحروب الاستباقية» على الإرهاب، وقد تعززت نظريتهم بعد أحداث 11 أيلول (سبتمبر) 2001، بالتفجيرات التي اتهمت فيها «القاعدة»، فكان الرد بحرب على حكم طالبان في أفغانستان في العام نفسه، ثمّ على العراق في نهاية آذار (مارس) من العام 2003، وقد تكبّد فيها البلدان خسائر بشرية ومادية جسيمة، واشتعال حروب أهلية فيهما، كما دفعت الولايات المتحدة ومن حالفها بالحربين خسائر بالأرواح والأموال، تأثر بها الشعب الأميركي، وتسببتا بأزمة مالية داخل أميركا هي الأخطر منذ عشرينات القرن الماضي، وتأثر بها العالم، فكان البرنامج الانتخابي لأوباما، إخراج أميركا من هذه الحروب العبثية المدمرة، وفتح صفحة جديدة مع العالم الإسلامي، وإجراء مصالحة مع «الإسلام» الذي اتهمه بوش الابن بـ «الإرهاب».
فالحرب في أفغانستان والعراق، هي التي دعت أوباما أن لا يستخدم حقه الدستوري في خوض حرب لمدة ثلاثة أشهر دون العودة الى مجلسي النواب والشيوخ، لحماية «الأمن القومي الأميركي»، إلا أنه انكفأ عن فعل ذلك، لأنه يعلم ما سيسببه إشعال حرب جديدة، ولو كانت محدودة ضد سوريا التي اتهم نظامها أنه استخدم السلاح «الكيميائي» في معاركه ضد معارضيه، وهو استبق التحقيق الدولي المكلف به فريق من المفتشين التابعين للأمم المتحدة، واستند الى تقرير مخابراته، وهو السيناريو نفسه الذي استخدم في الحرب على العراق الذي اتهم نظامه برئاسة صدام حسين، أنه يمتلك أسلحة دمار شاملة، وتبيّن أنها مزاعم كاذبة باعتراف مسؤولين في الإدارة الأميركية في عهد بوش، وتقارير الأمم المتحدة برئاسة محمد البرادعي.
فصدقية أوباما على المحك من رفضه لشن حروب جديدة والتي وعد الشعب الأميركي بها، ثمّ التورّط بحرب على سوريا يعرف كيف تبدأ، ولا يدري كيف تنتهي، وهو قلق من خوضها، وترك للكونغرس الأميركي أن يشرب هذا السمّ الذي شربه سواه، وأخرجه من السلطة، كما أن التحالف الذي نشأ في حرب الخليج الأولى ضد صدام إثر غزوه للكويت، وأقل منه في حرب الخليج الثانية التي احتلّ فيها العراق من قبل القوات الأميركية، من خارج قرار لمجلس الأمن الدولي، لن يتكرّر مع سوريا، وأولى إشاراته رفض مجلس العموم البريطاني الموافقة على المشاركة في الحرب، مما شكّل صفعة لأوباما التي تعتبر بريطانيا الحليفة الأولى لأميركا التي تسير وراءها ولا تخالفها بأي قرار، وهو اتخذ درساً مما حصل، ليرمي بكرة الحرب على الكونغرس الذي عليه مسؤولية شعبية في تفويض الرئيس بالحرب، لأن نتائجها ستكون كارثية، وقد تشعل حرباً إقليمية وربما دولية، مع الرفض الشامل لها من قبل دول أوروبية وكذلك من روسيا والصين ودول «البريكس»، إضافة الى تهديد إيران بإشعال المنطقة وتأكيد مسؤولين فيها أن هذه الحرب قد تكون بداية إزالة إسرائيل.
وهنا بدأ السؤال، حول كيف سترد الدولة المعتدى عليها سوريا، فيما لو وقعت الحرب المحدودة أو الشاملة، كما أن حلفاءها الدوليين والإقليميين من روسيا الى الصين وإيران كيف سيتعاطون مع أي مغامرة عسكرية قد يلجأ إليها الأميركيون، وهل سيكون لـ«حزب الله» دوراً في حروب الكبار، فيما لو توسعت وامتدت الى أكثر من جبهة؟
بالنسبة لـ«حزب الله» الذي اتخذ قراره بالقتال الى جانب النظام السوري ضد القوى التكفيرية، فإنه لن يكون محايداً في حرب هي الآن كونية على سوريا، فكيف إذا ما دخلت فيها الدول المعادية وعلى رأسها الولايات المتحدة بحرب مباشرة؟
يعتمد «حزب الله» كما في كل مواقفه سياسة الصمت و«الغموض البنّاء» في كثير من المسائل لا يريد أن يكشف فيها عن خططه، إذ هو وقبل تحرير الجنوب، كان يخفي ماذا سيفعل بسلاحه بعد التحرير، وهل سيوقف المقاومة، فكان رد قياداته، عندما يحصل التحرير نقول رأينا، وعندما حصل التحرير في العام 2000، خرج الحزب بموقف يؤكّد على استمرار المقاومة حتى تحرير مزارع شبعا وتلال كفرشوبا والجزء الشمالي من مدينة الغجر، وهو لم يخفِ أنه لو تحررت هذه الأجزاء، فإن سبع قرى جنوبية ضمتها إسرائيل الى كيانها لا بدّ من تحريرها، وهو لم يكتفِ بذلك، بل أعلن الأمين العام للحزب السيد حسن نصرالله، أن أي حرب جديدة يفرضها العدو الإسرائيلي على لبنان فإن المستوطنات الصهيونية في الجليل الأعلى المحاذية للحدود ستكون هي الهدف، وستدخل عليها المقاومة لتحريرها، وهذا كان تطوراً جديداً في موقف «حزب الله» لم يكن يعلن عنه، حتى أنه في خطابه الأخير تحدث عن أن «شيعة الإمام علي بن طالب، لن يتخلوا عن فلسطين»، في رسالة واضحة لأهل السّنّة والجماعة، أنكم تقاتلون الشيعة -الروافض- لأنهم يحاربون ويقاومون من أجل فلسطين.
أما في شأن العدوان المتوقع على سوريا، فإن «حزب الله» معني بها، وقرار مشاركته الى جانب النظام في القتال معلن وقد سقط قتلى وجرحى للحزب في القصّير في ريف حمص وقرب مقام السيدة زينب في ريف دمشق، وهو سيكون في الموقع نفسه، لو تعرضت سوريا لعدوان أميركي وحتى إسرائيلي، إذ سبق للسيد نصرالله، أن دعا الى فتح جبهة الجولان بعد العدوان الإسرائيلي على جبل قاسيون، وأعلن أن المقاومة ستقف الى جانب المقاومين في الجولان.
فهل يبقي «حزب الله» على قتاله في سوريا، أم أنه سيفتح جبهة مع العدو الإسرائيلي من لبنان، فيرد عليه، لأن القوات الأميركية وحلفاءها لن تكون لهم قوات برية في سوريا لمقاومتها، بل ضربات عبر صواريخ تطلق من البحر أو من قواعد عسكرية بعيدة المدى، فلن يكون هناك اشتباك معها، حيث تبقى الجبهة مع الكيان الصهيوني هي الأقرب، كما دول أخرى مثل تركيا، أو الاردن اذا شارك فيها مع الدول الخليجية التي تسمح أو تشارك بالعدوان.
لذلك لم يصدر أي موقف مباشر من «حزب الله» حول مشاركته في صد العدوان الأميركي، وهو في أدبياته المستقاة من قائد «الثورة الإيرانية» الإمام الخميني، فإن «أميركا شر مطلق» والحرب معها قائمة ومفتوحة منذ نشوء الحزب في مطلع الثمانينات من القرن الماضي، وهو خاض مواجهات مع القوات الأميركية التي حضرت الى لبنان مع الاجتياح الصهيوني له صيف 1982، لحماية عهد الرئيس أمين الجميّل وتأمين عقد معاهدة صلح بين لبنان والعدو الإسرائيلي عرف باتفاق «17 أيار» الذي سقط مع الضربات التي تلقتها القوات الأميركية والغربية في مقراتها، فتمّ تفجير مقر «المارينز» على طريق المطار ومقر القوات الفرنسية في محلة الرملة البيضاء إضافة الى عمليات المقاومة ضد الاحتلال الإسرائيلي.
فعلى ضوء ما سيظهر من القرار الأميركي بشأن الحرب على سوريا، سيكون لـ«حزب الله» قراره الذي سيكون من ضمن ما سيتخذه محور المقاومة والممانعة الممتد من إيران الى العراق فسوريا وفلسطين، والذي هو المستهدف بالحرب الدولية والإقليمية والعربية على النظام السوري الذي أعلن رئيسه بشار الأسد، أن الحرب لن تقف عند حدود سوريا، بل ستشتعل المنطقة كلها، وهو ما أكّدت عليه الجمهورية الإسلامية الإيرانية، ولن يخرج «حزب الله» عن هذا التوجه، إذ أن الحرب ستمتد من طهران الى غزة، وسيكون مسرحها إسرائيل كمخفر أميركي متقدم، حيث تربط أميركا أمنها بأمن الكيان الصهيوني، الذي منعته إدارة بوش الأب بالرد على الصواريخ التي سقطت عليه من العراق، وزوّدت الدولة العبرية بصواريخ «باتريوت» للرد على سقوط الصواريخ، لأن دخول إسرائيل الحرب على دولة عربية ستحرج الدول العربية المشاركة فيها، ولكن الصواريخ التي ستنطلق من سوريا أو لبنان أو غزة، هي غيرها التي كانت تسقط من العراق، لأن تأثيرها ضعيف، في حين أن المخزون الصاروخي لدى سوريا و«حزب الله» كاف لإلحاق الدمار بالكيان الصهيوني، فهل يردع هذا الخطر الوجودي على إسرائيل، أميركا من أن تتخذ قرار الحرب التي يتحمس لها قادة العدو، لكنهم لا يعلمون أن ثمنها كبير جداً عليهم هذه المرة، كما على المصالح الأميركية.
احتمال فتح الجبهة من لبنان وارد، ومرتبط بتطورات العمل العسكري ضد سوريا ونوعيته وحدوده وتأثيره…
Leave a Reply