عماد مرمل – «صدى الوطن»
إذا كان «حزب الله» يؤدي أدواراً مؤثرة من سوريا الى اليمن كرّسته لاعباً اقليمياً يُحسب له حساب، وإذا كان الحزب قد سجل انتصارين تاريخيين ضد العدو الاسرائيلي عامي 2000 و2006.. إلا أن المفارقة تكمن في انه لا يستطيع تسييل هذا الوزن النوعي في الساحة الداخلية اللبنانية، بسبب توازناتها الطائفية والسياسية التي لا تسمح لأي كان بأن يحقق أرجحية سلطوية، مهما بلغت قوته، وإن فعلها أحدهم سرعان ما يعود الى حجمه الطبيعي، بعد حين.
هي معادلة الديمقراطية التوافقية التي تكاد تساوي بين المكونات اللبنانية، على قاعدة المناصفة، بمعزل عن الاحجام والأعداد، فلا الفوز في الانتخابات اللبنانية قابل للصرف على مستوى السلطة من خلال لعبة الاكثرية والاقلية المعتمدة عادة في الدول الديمقراطية، ولا الانتصارات العسكرية يمكن أن تترجم الى تفوق سياسي لأي جهة في النظام. الكل محكوم في نهاية المطاف بالتسوية والتوافق على أساس لا غالب ولا مغلوب، حتى لو كان هناك رابح ومهزوم.
وهكذا فإن قوة عسكرية وشعبية بحجم «حزب الله» لا تتمثل في الحكومة الحالية سوى بوزيرين فقط، يشغلان حقيبيتين عاديتين، فيما ذهبت الحقائب السيادية الوازنة الى أطراف أخرى هي أقل شأناً منه، كما أن حصص الحزب من التعيينات في الادارة تكاد تكون رمزية، بينما تؤول المواقع الدسمة الى آخرين..
وإضافة الى ذلك، يبدو الحزب غير قادر على خوض معركة رابحة ضد الفساد نتيجة تعقيدات الوضع اللبناني وحصانة الطبقة السياسية من جهة، وعدم استعداده من جهة أخرى للانزلاق الى صراعات جانبية في وقت يركز جهده على تحديات وجودية.
وقد ذهب بعض المقربين من الحزب الى حد اعتبار أن خوض الحرب في مواجهة اسرائيل هي بالنسبة اليه أسهل من خوضها ضد الفساد المتلطي خلف ستائر طائفية ومذهبية تحمي في أحيان كثيرة المرتكبين، وهذا ما دفع الحزب الى الامتناع عن المشاركة في الحراك المدني الذي سجل قبل قرابة عام احتجاجاً على أزمة النفايات وسلوك الطبقة الحاكمة، بل إن السيد حسن نصرالله دعا صراحة، القوى المتحمسة للحراك الى أن تخفف الأعباء عن حزبه المنشغل في مواجهة التهديد التكفيري والخطر الاسرائيلي، وتتولى هي التصدي للملفات الاصلاحية.
وبرغم كل الاتهامات الموجهة الى الحزب حول تعطيله للاستحقاق الرئاسي، إلا أن الحزب لم يستطع بعد مرور أكثر من عامين على الشغور الرئاسي إيصال حليفه العماد ميشال عون الى رئاسة الجمهورية، بينما يخبرنا التاريخ أن حركات المقاومة التي تنتصر على المحتل تستلم تلقائياً السلطة..
أكثر من ذلك، كثيراً ما يجد الحزب صعوبة في التوفيق بين حليفيه الاستراتيجيين الرئيس نبيه بري والعماد عون، حتى كادت هذه المهمة المستمرة تتحول الى نوع من «الأشغال الشاقة» التي لا مفرّ منها. أصلاً، لا يحتمل الحزب أن يخسر أياً منهما خصوصا وأن كليهما يشكلان عمقاً حيوياً له، سواء على المستوي الشيعي والتشريعي كما هي الحال مع رئيس المجلس أو على مستوى الوجدان المسيحي الذي استطاع عون للمرة الاولى تقريبه من خط المقاومة وخيارها خلافا للأدبيات التي اعتاد عليها المسيحيون منذ تأسيس لبنان وحتى لحظة ابرام وثيقة التفاهم التاريخية بين نصرالله وعون في كنيسة مار مخايل عام 2006.
ولذلك، يحاول الحزب تدوير الزوايا ما أمكن، لتقليص احتمالات وقوع حوادث سير على طريق الرابية-عين التينة، فينجح مرة ويخفق في أخرى. ولعل الجلسة الحكومية التي قاطعها وزيرا التيار الوطني الحر كانت مثالاً على كيفية الإمساك بالعصا من الوسط، إذ شارك الحزب فيها انسجاما مع قناعته وترجمة لتحالف الثنائي الشيعي بينما امتنع عن المشاركة في اتخاذ القرارات مراعاة لخاطر العماد عون.
وفي الرئاسة، يدعم نصرالله الجنرال حتى يوم الدين، إلا إذا قرر هو الانسحاب، ولكن «السيد» يتجنب في الوقت ذاته الضغط على بري لدفعه الى انتخاب عون انطلاقا من معرفته بحدود «المونة» وبالخصوصية التي تنطوي عليها حيثية رئيس المجلس، سواء في الطائفة أو في الحكم، برغم محاولة البعض -لاسيما «القوات اللبنانية»- تحريض قواعد التيار الحر على الحزب من خلال الايحاء بانه يستطيع «إلزام» بري بدعم عون، والمرشح سليمان فرنجية بالانسحاب، إلا أنه لا يفعل، علماً أن المطلعين على حقيقة العلاقة التي تربط قيادة الحزب ببري وفرنجية يجزمون بانها تستند الى الاحترام المتبادل ولا مكان فيها لأي فوقية.
يعرف الحزب أن هناك حساسية فطرية بين بري (ابن النظام بل أحد أولياء أمره)، وعون (المتمرّد ضمنا على هذا النظام والمضطر الى التعايش معه في زواج إكراه). ولكنه يعرف أيضا أنهما في موقع واحد حيال خيار المقاومة والازمة السورية، وهما التحديان الاهم من كل شياطين التفاصيل الاخرى بالنسبة الى «حزب الله»، وبالتالي يستحقان تحمل المشقات لمنع الصدام بين الرابية وعين التينة أو أقله لتنظيم خلافهما، بحيث لا يؤدي التباين حول أمور إجرائية الى اسقاط التوافق على قضايا حيوية.
ويدرك الحزب أيضاً ان المبالغة في احراج عون ستقوده الى الارتماء شيئاً فشيئاً في أحضان معراب، خصوصاً وان تفاهما بات يربط الجنرال بسمير جعجع، وهذا الهاجس دفع قيادياً في التيار، غير متحمس للتحالف المستجد مع «القوات اللبنانية»، الى المطالبة خلال مجلس خاص، بان يتدخل الحزب لدى رئيس المجلس من أجل «ركلجة» موقفه من الرابية وتحييدها عن السهام، تحت طائلة «انزياح» عون مع الوقت في اتجاه توحيد «البندقية السياسية» مع «القوات».
وامام سعي كل من الحزب و«القوات» الى احتضان عون، قال أحد زوار الرابية للجنرال ممازحا: شو بدك أحسن من هيك، انهما يتنافسان عليك..
Leave a Reply