كثرت التكهنات والسيناريوهات عن ما سيسمى ما قبل وما بعد تفتيت السودان. والغريب أنها في أكثرها تتركز على المسائل التقنية والسياسية.
ويُهمل في معظم الأحيان الحديث عن أهل السودان. السودانيون. هل تراهم أخذوا القسط الكافي من الحقائق، أم إنها التعبئة التي إستغلها سياسيو الشمال كما الجنوب حسب أهوائهم ومصالحهم؟ والمضحك المبكي.. هو استغلال مقاطع مظلمة من التاريخ تارة، واللعب على وتر الدين والعرق تارة أخرى.
ولكن لا نرى أحداً يقول أنه أمام نفس التجربة من أشكال الحكم، وإن لبس وجهاً آخر. فالحكام الجدد هم أنفسهم حكام اليوم والأمس؛ وسيكون لدينا طبقات حاكمة جديدة في كلا السوادنين، تعيث في البلاد فساداً.
ونرى الجيران العرب يتدخلون أو يتهكمون عن بعد، وحبذا لو يتدخلون قبل فوات الأوان، قبل أن نصبح مواطنين بهوية ستكون مفتتة في أحسن الأحوال.
وما حصل في الإسكندرية مؤخراً خير دليل على الوضع المتردي الذي انتهينا إليه. فشهداء الإسكندرية هم شهداء الأمة العربية قبل مصر، وشهداء محمد قبل المسيح، حالهم كحال شهداء كنيسة النجاة العراقيين. ومن هنا جاءت دعوة البابا “لحماية مسيحيي الشرق”، وممكن (والله أعلم) أن تطل علينا فتاوى تطالب بحماية “شيعة العراق”، أو أخرى بحماية فريق من اللبنانيين من إخوانهم.
وليس ما يحصل في الجزائر وتونس سوى فصل آخر من فصول تهميش الإنسان العربي، أو تهشيمه!
مشكلة الإنسان هذه وأدنى حقوق المواطنة والحرية، وحتى الأمان؛ هي حالة فريدة في عالمنا العربي، وتأتي مشكلتها حيث يكمن الحل؛ في الدين. فأنت ترى الحكام والشعوب يلبسون الدين حسب مقاساتهم، وحبذا لو طبقوا قول محمد “الخلق كلهم عيال الله وأحبهم إليه أنفعهم لعياله”، أم أن الجهل والتعصب أخذوا منا كل كلمات النور الإسلامي أو حتى المسيحي؟!
فمع كل الأسف الذي يتركه إنسلاخ الجنوب السوداني عن محيطنا العربي (الذي ينتحر أبناؤه من شدة اليأس)، لا يسعني سوى أن آمل لأهل الجنوب السوداني؛ أن يجدوا في محيطهم الجديد بعضاً من ذواتهم التي سلبت منهم في خضم التجاذبات الداخلية والخارجية.
Leave a Reply