بقلم: مريم شهاب
طوال تسعة أشهر ظللت أحلم بطفلي.. وأسأل نفسي كيف سأكون أمّاً لأول مرة؟؟ وأتخيل نفسي أحمله بين يدي وأضمه إلى صدري..
الكل حولي كان سعيداً لحملي، لكن ليس كسعادتي أنا وزوجي ونحن ننتظر قدوم طفلنا الأول.
لم أكن أول من رآه، فقد حرمني عسر الولادة من منحه الحضن الأول..
مرّ اليوم الأول وانتظرت الثاني وكلي لهفة وشوق لأرى طفلي.. زوجي والأهل حولي كانوا يردّون على تساؤلاتي بأعذار واهية جعلت الخوف يتسرب إلى قلبي. وبعد إلحاحي وقلقي، أخبرني الطبيب بأن طفلي ولد معاقاً. وراح الطبيب يشرح نظرياته وزوجي يمسك يدي، أما أنا فقد شعرت بأن شيئاً هبط من كياني وخفق قلبي بسرعة فارتعشت أطرافي، وانشغل فكري وتصلبت عيناي ثم رحت أصرخ بانفعال غير مصدّقة قول الطبيب ومشككة بكلامه.
لحظات عصيبة، لم أعرف ماذا قلت خلالها أو ماذا فعلت، بكيت بحرقة وانهارت قواي.. وأنا أرى دمعة متحجرة في عيني زوجي ولوعة مكبوتة في أعماقه. عانيت أياماً وليالي وأنا أفكر في طفلي والإحباط صار ضيفاً ثقيلاً على كل أحاسيسي. كيف ستكون نظرة الناس له. هل سيقبله أهلي وأهل زوجي؟؟
شلّ الإكتئاب والهم جزءاً كبيراً من تفكيري، وانتابتني كل أشكال القلق والخوف من المسؤولية الصعبة في كيفية العناية بطفل في حالة إبني التي ستستمر معه طوال الحياة.
الذي أتذكره أنه عندما عدنا إلى البيت مع طفلي كان شهر رمضان.. كنت أدعو الله في صحوي وفي منامي خلال الشهر المبارك، بأن يلهمني الصبر ويمدني بالقوة ويرضيني بما رزقني حتى أجتاز هذا الإمتحان الصعب. والإنسان المؤمن لا يعترض على القدر والنصيب.
بعد أن هدأت رحت أقرأ وأسأل عن كل ما يخص حالة إبني وكيفية العناية به ومتابعته. واظبت أيضاً على مشاهدة البرامج المختلفة للتعرف على آخر ماتوصل إليه العلم عن مثل حالته.. وحضرت ندوات ومحاضرات تناقش النواحي الطبية والنفسية وكيفية التعامل مع هذه الفئة من الأطفال.
وكلما تعرفت على الموضوع أكثر زاد اعتقادي بأن حالة إبني نادرة ولكنها ليست الأسوأ فهناك من لديهم مشاكل مضاعفة، فحمدت الله وشكرته وسألته أن يغفر لي إحتجاجي وإعتراضي ولومي له -عزّ وعلا- لعقابه القاسي بهذا المولود المعاق.
تعلمت الكثير من الأهل ومن الأمهات ممن لديهم أطفال يعانون من حالات مشابهة لطفلي، وجدت فيهم الصبر والرضا وتقبل قضاء الله وقدره، لكن الأهم من كل ذلك أني بدأت أحب طفلي أكثر وأنا أكتشف فيه كل يوم شيئاً جديداً يُشعرني بالرضى ويمدّني بالأمل.
ومع مرور السنوات، تعلقت بتلك النظرة البريئة التي تطل من عينيه كلما رآني واسمعها تنادي أمومتي، فكانت لهفتي له تزداد وتكبر حتى غدا في نظري ذلك الطفل الرائع الذي كنت أحلم به.
وبكل ثقة أقول، إن حالة ابني الخاصة زادت من ترابط عائلتنا مع وقوف زوجي بجانبي وتقديره لما تحملت في تربيته ورعايته وتنمية قدراته حسب إمكانياته.
إن الطفل المعاق هو في الحقيقة إنسان يشعر ويستجيب ويتألم ويحب ويفرح ويفهم ولا يكره.. لكن الأهم هو أن كل ما يحتاجه هذا الطفل من المجتمع والأسرة، ومن الأم بصفة خاصة، هو القبول والمحبة.
أصبح إبني اليوم شاباً وبفضله صار عندي مكتسبات متنوعة من الخبرة والممارسة ونتيجة تأملات في سنوات العناية به، أدى ذلك إلى زيادة نزعتي المتفائلة والإيجابية والسعي دائماً لإتباع خطوط النور بدل السير في طريق الإحباط والظلام والشكوى.
الحمد لله أنجبت للحياة بعده البنين والبنات، وبقي إبني المعاق هو الإيقونة الأثيرة عندي والأقرب إلى قلبي.
Leave a Reply