إسرائيل تنجو من المساءلة أمام مجلس الأمن.. بمجهود غربي وتواطؤ السلطة!
نيويورك، رام الله – رفض مجلس الأمن الدولي الأسبوع الماضي الاستجابة لطلب ليبيا عقد جلسة طارئة مفتوحة لمناقشة التقرير الذي قدمه القاضي الدولي ريتشارد غولدستون بشأن جرائم الحرب التي ارتكبتها إسرائيل في حربها على غزة، وقرر بدلا من ذلك تقديم جلسته الشهرية لمناقشة الأوضاع في الشرق الأوسط إلى 14 من هذا الشهر بدلا من العشرين منه لتمكين الدول التي ترغب في تناول التقرير في خطاباتها من القيام بذلك. في وقت اتسعت فيه دائرة الاتهامات التي طالت السلطة الفلسطينية بسبب دورها في تأجيل بحث التقرير. ووصل الشقاق الدائرة الضيقة في القيادة الفلسطينية، فبينما أقر قياديون فلسطينيون بمسؤولية السلطة عن التأجيل، اتهم آخرون الرئيس محمود عباس نفسه بالمسؤولية عن اتخاذ ذلك القرار، في وقت اعتبرت حركة حماس أنّ الحوار الوطني الفلسطيني قد بات على المحك نتيجة لتلك الفضيحة لافتة إلى أنه “لا يمكن المضي قدما في المصالحة مع جهة خانت الشعب الفلسطيني”.
وقال مندوب ليبيا لدى الأمم المتحدة عبد الرحمن شلقم إن المندوبين اتفقوا على تقديم موعد اجتماع المجلس بشأن الشرق الأوسط من العشرين من الشهر الجاري إلى الرابع عشر منه، وستكون الجلسة علنية كما طلبت ليبيا التي دفعت الى رفع التقرير الى مجلس الأمن رغم معارضة السلطة الفلسطينية في مرحلة سابقة وستركز على مناقشة توصيات التقرير.
وقال المندوب الفلسطيني لدى الأمم المتحدة رياض منصور إن الدول العربية ودول حركة عدم الانحياز تدعم بقوة الطلب الليبي. وكان طلب عقد جلسة علنية قوبل بمعارضة قوية من الولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين بدعوى أنه ليس هناك مبرر لعقد مثل هذه الجلسة بشأن التقرير المذكور طالما أن مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة قرر إرجاء النظر فيه إلى آذار (مارس) المقبل.
ويحث الطلب الليبي مجلس الأمن على مناقشة تقرير غولدستون لأنه توصل إلى “استنتاجات واضحة” بأن “قوات الاحتلال الإسرائيلي ارتكبت جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية وضد الشعب الفلسطيني في قطاع غزة”.
وجاء في الطلب الليبي أن التقرير يشكل سجلا جديدا للجرائم التي ارتكبت ضد الشعب الفلسطيني الذي يعاني في ظل الاحتلال وأن توصياته الخطيرة هي مساهمة مهمة نحو السعي للمحاسبة والعدالة ويجب اتباعها بجدية.
وفي واشنطن جددت الولايات المتحدة دعوتها لتأجيل بحث تقرير غولدستون لتمهيد الطريق أمام خلق أجواء مواتية لاستئناف عملية السلام.
وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية إيان كيلي إن كل جميع الطاقات موجهة الآن للمضي قدما في عملية السلام وإزالة أي مسألة قد تعوق التقدم المنجز نحو تحقيق هذا الهدف.
وأكد كيلي أن واشنطن تعتقد أن تقرير غولدستون يتضمن مزاعم خطيرة جدا تتعين إعادة النظر فيها، لكنه شدد على أن هذه المسائل ينبغي أن تبحث بطريقة بناءة في المكان المناسب لذلك وهو مجلس حقوق الإنسان.
يأتي ذلك في وقت أقر فيه ياسر عبد ربه المستشار البارز للرئيس الفلسطيني محمود عباس بارتكاب القيادة الفلسطينية خطأ في قرارها سحب تقرير “غولدستون” من جدول أعمال مجلس حقوق الإنسان في جنيف.
وقال عبد ربه في تصريحات لتلفزيون فلسطين الرسمي التابع للسلطة الفلسطينية “إننا نعترف بهذا الخطأ الذي يمكن تصحيحه، ونحن نعمل على ذلك”.
ويأتي هذا الاعتراف بمسؤولية السلطة الفلسطينية بعد موجة من الانتقادات في الشارع الفلسطيني لقرار سحب مناقشة هذا التقرير.
وفي قطاع غزة دعت الحكومة الفلسطينية المقالة ليبيا إلى أن تطلب من مندوبها علي عبد السلام التريكي الذي يترأس الجمعية العامة للأمم المتحدة، النظر في إحالة تقرير غولدستون إلى محكمة الجنايات الدولية حتى لا تفلت إسرائيل من العقاب.
وقال الناطق باسم الحكومة طاهر النونو إن قرار تأجيل مناقشة التقرير في مجلس الأمن مثل طوق نجاة لإسرائيل من تهمتي جرائم الحرب وجرائم ضد الإنسانية بعدما توقفت إمكانية إحالة التقرير إلى مجلس الأمن بتأييد أغلبية أعضاء حقوق الإنسان. ودعا النونو مجلس الأمن والأطراف العربية والإسلامية المساندة للحق الفلسطيني وفي مقدمتهم ليبيا إلى أن تكون جلسة مجلس الأمن المقبلة علنية وليست سرية حتى يطلع العالم على جرائم الاحتلال الإسرائيلي. وجدد التأكيد على أن قرار التأجيل غير المسؤول شكل صدمةً كبرى للشعب الفلسطيني ولذوي الشهداء والجرحى ووقع كالصاعقة على الجهود المبذولة لإدانة إسرائيل على المستوى المحلي والدولي. وأضاف النونو أن الرئيس قدم خدمة جليلة على حساب دماء الشعب الفلسطيني وأنه اتخذ قراره دون مشورة أحد.
وكان مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة أرجأ -بطلب من السلطة الفلسطينية- التصويت على مشروع قرار بإحالة التقرير على الأمم المتحدة، وهو ما أثار سجالا واسعا وانتقادات حادة للسلطة الفلسطينية.
وكان من شأن التصويت على مشروع القرار أن يحيل الموضوع إلى المحكمة الجنائية الدولية، وهو ما سيجعل المسؤولين الإسرائيليين عن حرب غزة عرضة للاعتقال والمتابعة بتهم ارتكاب جرائم حرب.
ردود فعل شاجبة لعباس
وتباينت الروايات حول الاسباب الحقيقية التي دفعت بالسلطة الفلسطينية إلى طلب تأجيل التصويت على تقرير غولدستون. وكشفت تقارير إعلامية بأن قرار محمود عباس بتأجيل مناقشة تقرير لجنة تقصي الحقائق الأممية بشأن الحرب على غزة في مجلس حقوق الإنسان الدولي بجنيف، مرده وجود شريط فيديو وتسجيل صوتي يتحدث فيه عن طلب عباس من ليفني بمواصلة حرب غزة. وقالت التقارير أن اجتماعا جرى في واشنطن في الأيام الماضية بين ممثلين عن السلطة الفلسطينية ووفد إسرائيلي. وأشارت المصادر إلى أن العقيد إيلي أفراهام عرض فيديو يصور لقاء دار بين رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس ووزير الدفاع الإسرائيلي إيهود باراك بحضور وزيرة الخارجية السابقة تسيبي ليفني. ووفقا للمصدر نفسه، ظهر عباس في التسجيل المصوّر وهو يحاول إقناع باراك بضرورة استمرار الحرب على غزة، فيما بدا باراك مترددا أمام حماسة عباس وتأييد ليفني لاستمرار الحرب. وأشار المصدر إلى أن أفرهام عرض أيضا على وفد السلطة تسجيلا لمكالمة هاتفية بين مدير مكتب رئاسة الأركان الإسرائيلية، دوف فايسغلاس والطيب عبد الرحيم، الأمين العام للرئاسة الفلسطينية، حيث طلب هذا الأخير من الجيش الإسرائيلي أن يدخل مخيمي الشاطئ وجباليا متجاهلا سقوط ضحايا مدنيين وقال بأن “جميعهم انتخبوا حماس وهم الذين اختاروا مصيرهم وليس نحن”.
واتهم رئيس الحكومة الفلسطينية المقالة إسماعيل هنية عباس بالمسؤولية المباشرة عن تأجيل التصويت على تقرير غولدستون وقال هنية أمام الدورة غير العادية للمجلس التشريعي الفلسطيني إن عباس هو من أعطى أوامره لمندوبه في جنيف بغية سحب التصويت على التقرير لدى مناقشة القضية في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة. ووصف رئيس الحكومة المقالة موقف حكومة عباس من تأجيل التصويت بأنه “عبثي وإجرامي وتفريط غير مسبوق بدماء الشهداء” وبحقوق الشعب الفلسطيني، وهو ما يشجع إسرائيل في اجترائها على محاولة اقتحام المسجد الأقصى. وأشار إلى أن موقف السلطة الفلسطينية إزاء التقرير هو نهج تبنته منذ الحرب التي شنتها إسرائيل على غزة واعتبر أن تصريحات القيادة الفلسطينية في رام الله آنذاك شكلت غطاء لاستمرار تل أبيب في الحرب على القطاع. وتساءل هنية “هل حصل سابقا أن قبلت سلطة وطنية بأن يضرب شعبها بالطيران؟”.
وقال رئيس اللجنة وعضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير حنا عميرة “لم أتلق أي قرار تكليف برئاسة لجنة التحقيق في ظروف عملية التأجيل، وبالتالي ليست هناك لجنة قائمة الآن، ونحن بانتظار اجتماع اللجنة التنفيذية المقبل لمعرفة حقيقة موقعنا وصلاحياتنا اذا ما كلفنا”. وأضاف “في حال كلفنا، سنسعى إلى معرفة ما هي الصورة التي تم ايصالها إلى الرئيس حول موضوع التأجيل، وسنرى إن كان قرار التأجيل جاء بناء على طلب فلسطيني أم استنادا الى اجماع اعضاء مجلس حقوق الإنسان”.
ورغم كثرة الشائعات، فإنّ مصدراً مقرباً من الرئاسة الفلسطينية قال لصحيفة “السفير” البيروتية إنّ كبير المفاوضين الفلسطينيين صائب عريقات كان “وراء الطبخة كلها”.
تأجل التصويت وأثيرت الشائعات، لكن احدا لم يعرف الإجابة، حتى أنّ قرار عباس تشكيل لجنة خاصة للتحقيق في “ملابسات التأجيل” كانت بدورها موضع تشكيك.
وقد حمّل عضو المجلس المركزي لمنظمة التحرير الفلسطينية نبيل عمرو الرئيس الفلسطيني المسؤولية المباشرة عن تأجيل بحث التقرير، وقال إنه هو من اتخذ قرار التأجيل. وطالب عمرو في تصريحات من القاهرة محمود عباس بإعلان مسؤوليته المباشرة عن كل ما حدث باعتباره رئيسا للسلطة الفلسطينية وللدولة وللمنظمة ولحركة التحرير الوطني الفلسطيني (فتح) والبدء في معالجة التداعيات الخطيرة لهذا القرار.
وردا على ذلك، قال صائب عريقات إن السلطة تتحمل المسؤولية عن تأجيل التصويت على تقرير غولدستون، مشيرا إلى حصول خطأ وسوء تفاهم حول وجود توافق على تأجيل التصويت بمجلس حقوق الإنسان. وأضاف أنه “إذا أراد البعض تحميلنا المسؤولية المنفردة فنحن نتحملها” مشيرا إلى ما قال إنه “حملات ظالمة وغير أخلاقية مليئة بالأكاذيب تستهدف السلطة ورئيسها”.
وفي غمرة تباينات مواقف رموز السلطة من الرئيس عباس، قال المفوض العام للهيئة الفلسطينية المستقلة لحقوق الإنسان ممدوح العكر في إن الفلسطينيين بحاجة لمعرفة ما حصل بالضبط، وكيفية تصويب الخطأ الذي وقع. وأضاف أن السلطة الفلسطينية باتت مرتهنة للاحتلال والضغوط الأميركية، وطالب بأن يكون التحقيق في طلب السلطة تأجيل بحث تقرير غولدستون مستقلا. وبعد أن اتهم السلطة الفلسطينية بالارتهان للاحتلال والضغوط الأميركية، قال العكر “يجب أن نسأل أنفسنا: هل أصبحت السلطة عبئا على النضال الوطني الفلسطيني؟”.
من جهة أخرى، قال مقرر الأمم المتحدة الخاص لحقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة ريتشارد فولك إن السلطة الفلسطينية التي يفترض أنها تمثل الشعب الفلسطيني، هي من أنقذ إسرائيل من الإدانة بسبب جرائم الحرب التي ارتكبتها في غزة من خلال طلبها تأجيل التصويت على تقرير غولدستون. وأعرب فولك عن استغرابه من أن تلعب السلطة ما قال إنه يمثل خيانة لشعبها. واعتبر أن موقف حكومة عباس من تقرير غولدستون مخيب للآمال.
جاء ذلك بعد أن قال فولك في تصريحات سابقة في واشنطن إنه “كان محيرا أن يقوم الفلسطينيون أنفسهم بإنقاذ إسرائيل من هذه المعضلة التي وجدت إسرائيل نفسها فيها. ومن التبريرات الغريبة التي قدمت لقرار سحب التقرير أن الولايات المتحدة وإسرائيل هددتا بقطع جزء من التمويل الذي تتلقاه السلطة الفلسطينية، أو أن (بنيامين) نتنياهو هدد بأن استخدام التقرير سيقتل عملية السلام، وبطبيعة الحال ليست هناك عملية سلام يمكن وأدها”.
Leave a Reply