ديربورن – خاص “صدى الوطن”
التقى ما يقارب الـ 100 من الشخصيات الناشطة في المجالات الدينية والاجتماعية والسياسية في “المركز الإسلامي في أميركا” في ديربورن، مساء الأربعاء الماضي، لمناقشة وإيجاد أنجع السبل في التعامل مع الـ”زيارة” المرتقبة للقس المتعصب تيري جونز، صاحب الحملة المعروفة لحرق المصحف الشريف، في 22 نيسان (إبريل) الجاري، والتي تصادف يوم “الجمعة العظيمة” عند المسيحيين. وكان جونز قد قرر الانضمام إلى المظاهرة التي يدعو إليها “تنظيم التنين”، وهو تابع لإحدى الميليشيات المسلحة المتواجدة في شمال ولاية ميشيغن، للتظاهر أمام المركز الإسلامي احتجاجاً على “تطبيق قانون الشريعة” الإسلامية في المدينة.
وحتى صدور هذا العدد، لم يحصل التنظيم المليشياوي على الإذن بالتظاهر بعد، ولكن توجد منطقتان في ديربورن لا يحتاج التظاهر فيهما لإذن من البلدية، وهما محيطا مبنى البلدية ومحكمة المدينة.
وعلمت “صدى الوطن” من مصدر مسؤول في “تنظيم التنين”، أن هناك اتجاه الى تنظيم التظاهرة أمام مبنى البلدية (تفاصيل صفحة ٦)
وضم الاجتماع، أئمة مسلمين، وآباء مسيحيين، وناشطين وفعاليات متعددة من أصول عربية وأخرى غير عربية، وبحضور رئيس بلدية ديربورن جاك أورايلي.
كما كان ملاحظاً حضور فئات شبابية من الجنسين.
وطرحت آراء ومقترحات ووجهات نظر متعددة، تلاقى بعضها، وتضارب بعضها الآخر، ولكن معظمها رأى ضرورة “استغلال” هذه المناسبة لإظهار “الصورة المدنية والحضارية” لمجتمع الجاليات العربية والإسلامية في المدينة، وإبراز الصورة الناصعة للعلاقات التي تربط مختلف المجموعات الإثنية والدينية في المنطقة، والتنوع الحضاري والثقافي الذي تمتاز به ديربورن.
وتصادف أن يوم تظاهرة “تنظيم التنين” يوافق يوم “الجمعة العظيمة” عند المسيحيين، الأمر الذي يشكل حائلاً أمام بعض القيادات الدينية المسيحية للحضور إلى المركز الإسلامي وإظهار تضامنها ورفضها لسلوكيات القس جونز التي تضرب بالقيم المسيحية السمحة عرض الحائط. وتمت دعوة الآباء المسيحيين إلى إقامة شعائر “الجمعة العظيمة” في المركز الإسلامي.
وتمخض الاجتماع الذي دام لمدة ساعتين، عن الدعوة إلى إقامة صلوات مشتركة وإضاءة شموع، بعد ظهر يوم الخميس (قبل التظاهرة بيوم)، يليها مؤتمر صحفي في صباح اليوم التالي، ثم التجمع في المركز الإسلامي بعد صلاة الجمعة. كما تقرر تشكيل لجنة مختصة تقوم بمتابعة الأمور والتنسيق لها والتحضير للفعاليات وما يطرأ من مستجدات.
ومن المقرر أن تقوم اللجنة يوم الثلاثاء القادم بتحديد مواعيد الفعاليات وإبلاغ أبناء الجالية بها.
وكانت “صدى الوطن” قد حضرت الاجتماع، ورصدت المواقف والمداخلات التالية:
ففي بداية اللقاء تلا الأب بوب هارت صلاة دعا الله فيها قائلاً “اجلب السلام لقلوبنا ومجتمعنا، واعطنا الشجاعة على التسامح وقول كلمة الحق”.
وأدار الاجتماع، رئيس لجنة العلاقات العامة في المركز الإسلامي ورئيس المجلس اللبناني الاغترابي، الدكتور نسيب فواز الذي رحب بالحاضرين ورأى في وجودهم وتنوع مشاربهم “دليلا على التعاون والحوار والعلاقات الطيبة” بين مختلف المجموعات. واعتبر فواز أن التظاهرة المفترضة وما قام به القس جونز “ليس هجوما على الإسلام، بل هجوم على جميع الأديان”.
وتحدث إمام ومدير المركز الإسلامي السيد حسن القزويني قائلا: “إن القس تيري جونز سيأتي إلى ديربورن ليتظاهر ضد الشريعة الإسلامية، ربما يفي بوعده وربما يغير رأيه، ولكننا هنا لنظهر وحدتنا وتضامننا مع بعضنا البعض”.
ونوه القزويني “إن وجودنا هنا لا يعني أن الجالية المسلمة هي ضد تيري جونز، ولكن لنظهر للعالم أننا مدنيون ومنفتحون وموحدون”، معتبراً أن جونز عندما قام بحرق المصحف لم يهن المسلمين فقط، بل أهان جميع أتباع الديانات الأخرى، والمسيحيون منهم خاصة، لأن القرآن ذكر المسيح (ع) ١٢٤ مرة، في حين أنه لم يذكر النبي محمد (ص) إلا أربع مرات، إضافة إلى وجود سورة قرآنية كاملة بإسم مريم العذراء (ع)، وأضاف: “حرق القرآن هو إهانة للمسيح وأمه”.
وأعطى رئيس البلدية جاك أورايلي خلفية تاريخية لما بات يتردد في الإعلام الأميركي حول تطبيق “قانون الشريعة الإسلامية” في مدينة ديربورن، والذي وصل تأثيره إلى حد استخدامه في الحملة الانتخابية لمرشحة لمقعد مجلس الشيوخ الأميركي عن ولاية نيفادا شارون أنغل. وقال: “إن البداية كانت في العام 2009، عندما قام نبيل قرشي وديفيد وود بتصوير فيديو خلال المهرجان العربي في مدينة ديربورن، وقاما بإنزال ذلك الفيديو على موقع “يوتيوب” تحت عنوان “قانون الشريعة يحكم ديربورن”.
وأضاف “إن ذينك الشخصين كسرا القواعد وأخلّا بالأمن وتم اعتقالهما في ذلك الوقت، ثم أطلق سراحهما فيما بعد، لكنهما لم يتوقفا، وعادا مع شخصين آخرين مرة ثانية الى المهرجان”.
وذكر أورايلي بأنه تلقى حوالي ستة آلاف اتصال ورسالة إلكترونية حول ذلك الموضوع، وأنه أجاب على أكثرها، داحضاً تلك المزاعم التي يروج لها أصحاب الفيديو، والتي تلقى صدى لدى بعض الجمهور والإعلام الأميركي.
ونوه أورايلي إلى “تنظيم التنين” إذا أراد التظاهر بصحبة تيري جونز أمام المركز الإسلامي فهم بحاجة إلى إذن رسمي، وإلا.. فيمكنهم التظاهر أمام مبنى البلدية، أو مبنى محكمة ديربورن”.
وشدد أورايلي على أن “ديربورن يجب أن تظل مدينة آمنة.. وأن وسائل الإعلام تبحث عن القصص المثيرة، وقد تكون هذه التظاهرة جيدة بالنسبة للإعلام ولكنها ليست جيدة لمجتمعنا ومدينتنا”.
ورأى الأب جيف واي، عضو المجلس الإستشاري لـ”مجلس حوار الأديان” عن الكنيسة الكاثوليكية الرومانية في ديترويت، أن يوم “الجمعة العظيمة” هو “فرصة مناسبة لإظهار دعمنا لجيراننا المسلمين، وتقديرنا لحسن جيرتهم وترحابهم الحار”. واقترح أن يوم الخميس (قبل التظاهرة بيوم) قد يكون “الأنسب للرد” على زيارة جونز، ودعا إلى عقد مؤتمر صحفي “لنظهر وقوفنا وتضامننا، وتضامن المجتمع الكاثوليكي، مع المركز الإسلامي ومع جميع المسلمين”.
ونقل الإمام مصطفى الترك، أن “17 إماماً مسلمين اجتمعوا وأصدروا بيانا تم توزيعه على وسائل الإعلام (أنظر البيان في الأسفل)، يدين إقدام القس جونز على إحراق المصحف الذي تسبب بموجة من الغضب في العالم الإسلامي، تخللتها أحداث دامية في مبنى الأمم المتحدة في أفغانستان وذهب ضحيتها العشرات”.
ونوه الترك بأن “لجنة متابعة انبثقت عن ذلك الاجتماع، لمتابعة الموضوع مع فعاليات الجالية المسلمة لإيجاد الطريقة الفضلى للرد”. وقال بشأن الاجتماع الذي انعقد في المركز الإسلامي “إنهم يدعمون أي قرار يخرج به المجتمعون”.
وشدد الأب بوب بروتل، من مجلس حوار الأديان الذي يضم مسلمين ومسيحيين ويهودا وهندوس، على مجابهة الكراهية ونبذها، وقال “إنهم بتصرفاتهم تلك يدفعوننا إلى الاتحاد وليس إلى التفرق والتشتت”.
وأضاف “علينا استغلال هذه الحادثة لإظهار وجهة نظرنا، وتثقيف الناس بمقاصد الشرائع الاسلامية والمسيحية واليهودية والدينية الأخرى، بأنها لرخاء وسعادة الناس، وحبهم لبعضهم البعض”.
ورأى بروتل: “أن الرد الحقيقي على التظاهرة وزيارة جونز، يكون بحماية المركز الاسلامي، فهذا المسجد يمثل جميع المساجد والكنائس والمعابد”.
وفي السياق ذاته، اعتبر الإمام محمد مارديني أن التظاهرة هي مناسبة “لتوضيح مبادئ الشريعة الإسلامية، والتأكيد على تواصل العلاقات بين جميع القيادات الدينية، واستمرار الحوار فيما بينها”، مستشهداً بآيات قرآنية تتجمع خلاصاتها في أن “جميع الأنبياء أخوة، والأديان كلها هي دين واحد”
ونوه مارديني “أنه لا تناقض بين الكتب السماوية ولا تناقض بينها لأن مصدرها واحد”.
وذكّر مارديني بزيارة الرئيس باراك أوباما إلى القاهرة وتوجيهه رسالة إلى العالم الإسلامي، وقال “الرئيس مد يده، وفتح قلبه، ونحن مثله، نمد أيدينا ونفتح قلوبنا، لنبني مجتمعنا متعاونين ومتكافلين”.
وأشار الأب بوب هارت إلى أن الجالية الإسلامية في ديربورن تلقى دعماً غير محدود من المؤسسات والمراكز الدينية الأخرى.
وأدرج إمام دار الحكمة الإسلامية الشيخ محمد علي إلهي الزيارة في سياق “الإسلاموفوبيا” (الرهاب من الإسلام)، منوهاً بأن “الآباء المسيحيين عليهم أن يقوموا بالرد، وأن يكونوا في الواجهة، وسوف يكون رجال الدين المسلمون من خلفهم”.
وأضاف “على رجال الدين المسيحيين أن يواجهوا التعصب المسيحي، وأن يواجه رجال الدين المسلمون التعصب الإسلامي”.
واقترح الأب جورج شلهوب الدعوة إلى الالتقاء يوم الخميس، وإقامة مؤتمر صحفي وصلوات مشتركة وإضاءة شموع، لأن يوم الجمعة ليس يوماً مناسباً لانضمام المسيحيين، لتصادفه مع يوم “الجمعة العظيمة”.
وقال “إذا تظاهر جونز فدعوه وأمره، ولا تعطوه الاهتمام، لأنه إذا كان هناك رد، فسوف تتفاقم المسألة”.
وأكد ناشر “صدى الوطن” الزميل أسامة السبلاني أن تجاهل المسألة ليس هو الحل الأفضل وقال “إذا لم نقم بالتصرف الصحيح، فوسائل الإعلام لن تأبه بمشاعرنا، وأنها تركز على الأحداث، فإذا قمنا بأية مبادرة يوم الخميس فقد يتناولها الإعلام، ولكن في اليوم التالي سيأتي جونز وسيتم التركيز عليه، ويتم تغييبنا عن الصورة”.
وارتأى السبلاني ضرورة اتخاذ موقف يوم الجمعة وفي وقت تواجد التظاهرة، لإبراز “مواقفنا ووحدتنا وردنا”. واقترح السبلاني أن يقوم رئيس البلدية والمسؤلون الرسميون الآخرون بالرد على جونز وعلى الأصوات التي تدعي أن ديربورن تحكمها الشريعة، وأن يتم ذلك بوجود جميع رجال الدين. وقال: “فليقف جاك أورايلي أمام الإعلام ويقل: أنا رئيس بلدية هذه المدينة ولا صحة لما يقال عن أن الشريعة تحكمها”.
ودعا السبلاني رجال الدين المسيحيين إلى إقامة شعائر وطقوس “الجمعة العظيمة” داخل المركز الإسلامي، وقال “هم يتظاهرون في الخارج، ونحن نظهر وحدتنا وتسامحنا في الداخل”.
ووافق الأب تشارلز وليامز على ضرورة “الرد” يوم الجمعة، لأن هذا الحدث “خطير وتأثيراته لا تمتد على المستوى المحلي، بل على المستوى الوطني، وعلى مستوى العالم”.
وقال: “لنقف جميعا يوم الجمعة، وليقف الآباء والقسس المسيحيون في المقدمة، ويقولوا ما يجب قوله، وليسمع الأميركيون جميعا أن متفاهمين ومتعاضدين”.
وقال المحامي ماجد مغنية “إن الناس غاضبين، وعلينا ان نقف جميعاً من أجل حقوقنا، إن لم يكن من أجلنا، فمن أجل أولادنا”.
واضاف “إن تصرفنا هذا يندرج ضمن حركة الحرية المدنية”.
وقال الأب راني عبدالمسيح “إننا نعطي هذا الرجل أكثر مما يستحق”.
وفضّل المدير التنفيذي لمجلس العلاقات الأميركية الإسلامية (كير) في ميشيغن أن يكون الرد يومي الخميس والجمعة، داعياً إلى عدم التكلم مع جونز مباشرة.
Leave a Reply