في الأشهر القليلة الماضية كانت اسرائيل تتصرف وكأن قرار ضرب المشروع النووي الإيراني في متناول اليد، ولا يقف عثرة بوجهه إلا غياب الضوء الأخضر الأميركي. ومن أجل ذلك نشب خلاف في وجهات النظر بين الرئيس الأميركي أوباما وبين رئيس وزراء الكيان الصهيوني بنيامين نتنياهو الذي سارع الى تقريب موعد انتخابات الكنيست للحد من تأثير إدارة الرئيس أوباما وحاجة الأخير الى دعم اللوبي الصهيوني في أميركا.
كمٌ كبير من المعلومات الإستخباراتية التي تم بثها تتحدث عن القدرة الإسرائيلية الفائقة على تحقيق المهمة وإصابة الأهداف النووية إصابات دقيقة خارقة وبسرعة متناهية. والنتيجة ستكون تدمير البرنامج النووي الإيراني تدميرا كاملاً على مستوى المنشآت، بشكل يتطلب خمس سنوات في أدنى تقدير لإعادة بنائها، وهي مدة كافية لإسرائيل لإلتقاط أنفاسها والعمل على إرساء توازنات جديدة في المنطقة بدأت طلائعها بصعود الدور المصري «الإخواني» وملاقاته لنظيره التركي، مع ما يجمعهما من حلم استرجاع «دولة الخلافة» مدعومَين من سائر الأصوليات المتشددة التي تتغذى، حالياً، من الجرح السوري النازف.
ولا يتوهمن أحد بأن إسرائيل اذا ما شنٌت هجوماً على إيران سوف تُحَيِّد لبنان، حتى لو كان قرار المقاومة يقضي بعدم الرد على ضرب إيران، لأن الخطر الذي تشكله المقاومة في لبنان على إسرائيل هو خطر وجودي ومصيري لا يقل عن الخطر الإيراني، إضافة الى عامل التجاور الذي يجعل الخطر داهماً اكثر من سواه. وشئنا أم أبينا، فإننا لا نستطيع الفصل بين الجبهتين مهما رسم «فطاحل» السياسة في لبنان إستراتيجيات دفاعية ووقائية لا تقي من برد الشتاء ولا من حر الصيف.
وكما كل مرة، حين يخرج السيد حسن نصر الله بخطاب، يتسمر العدو قبل الصديق أمام الأجهزة البصرية والسمعية، ويستنفر جيش المحللين النفسيين والسياسيين والأمنيين والعسكريين محاولين استقراء ما ينوي فعله هذا الرجل، حتى انهم يراقبون حركة جسده ويديه، ويلاحظون ملامح وجهه، ويحصون كل حرف ينطقه، من أجل أن يبنوا على الخطاب مقتضاه.
لكن هذه المرة، أطل قائد المقاومة من على متن «أيوب» مدججاً بمثالٍ حيٍّ عن عملية نوعية استطاع فيها لبنان (إذا جاز التعبير)، هذا البلد الصغير، أن يخرق دفاعات عدوه الجوية في العمق (عدوه استنادا الى أن «تيار المستقبل» و«القوات» لا يزالا يعتبران إسرائيل عدواً بالرغم من أنهما يعتبران المقاومة إرهابية). فأن تحلق إحدى طائرات المقاومة من جيل «أيوب ١» (بانتظار الجيل الثاني) فوق الجنوب الإسرائيلي وفوق مفاعل ديمونة النووي، مسألة لا تحتاج الى عناء التفسير والتحليل، فرسالة «أيوب» الزاجلة واضحة كسطوع الشمس، لمن يهدد بضربة خاطفة لمنشآت إيران النووية: احذروا صبر «أيوب» إذا نفذ.
«أيوب» مرت من هنا
ما لم يقله السيد حسن وتركه للإستخبارات العسكرية الإسرائيلية كي تعي وتقدر مخاطره، كان رسالة أخرى، تحت الزنار، مفادها انتبهوا من مغبة اللعب بنار الحرب، فقد مررنا فوق مفاعل ديمونة ليس بغرض إلقاء التحية ونثر الورود وأخذ الصور.
من الناحية العملية، فإن مجرد التحليق في أجواء الكيان الإسرائيلي ولمدة تزيد عن نصف ساعة يعني إمكانية بديهية لقصف أهداف محددة وبراحة تامة، إذا ما تم تزويد الطائرة بالرؤوس الحربية التفجيرية المناسبة. ومن المؤكد أن من صمم هذه الطائرة لم يغفل هذا الأمر، بل أن ذلك هو السبب الحقيقي الذي استدعى تصميمها وإرسالها الى العمق الإسرائيلي. فإذا كانت الصورة كذلك، فكيف سيكون المشهد مع امتلاك المقاومة، وقد امتلكت، لأسراب من مقاتلات «أيوب» الذاتية؟
أضف إليها القوة الصاروخية الجوية والبرية والبحرية وما هو خافٍ…
يصبح مشهد اللاحرب هو السائد بانتظار كسر التوازن، طبعاًً، من قبل إسرائيل.
صبر المقاومة انتج «أيوب» فلننتظر ونر ما سينتجه التهور الإسرائيلي.
Leave a Reply