في هذه الحلقة سوف ننتقل إلى مسألة لا تقل أهمية من مناقشة الموضوع الكلي في نهضة الإمام الحسين عليه السلام وموقف المسلمين منها سواء في العهود القريبة من فاجعة كربلاء وحتى هذه الساعة، ولعلنا نكتشف يوماً بعد يوم لماذا يتمسك قسم من المسلمين بإحياء تلك الذكرى ويبدعون في إستحداث الطرق المختلفة وقد ثار الجدل حول تلك الممارسات عند من ينتمون الى خط أهل البيت عليهم السلام إلى حد الإختلاف وصدور الفتاوى من كبار الفقهاء والمراجع فمنهم من يؤيد ويبرهن على كل الطقوس والممارسات ويعتبر التنازل عن أمر قام به أتباع ومحبي أهل البيت خلال العقود المنصرمة قد يؤثر في زعزعة عقيدة الناس، ويفتح الباب للإستجابة للضغوط التي يتعرض لها كل من ينتمي لهذه المدرسة ومع تقادم الزمن سوف تطوى صفحة من صفحات التاريخ التي أحدثت تحولاً بين المدرستين ـ مدرسة أهل البيت عليهم السلام ومدرسة مخالفيهم ـ هذا التوجه يملك من الادلة في التحولات التي حصلت للمنتمين لهذا للمذهب بسبب الكبت والإضطهاد والتنكيل، ولا زالت حجتهم قائمة لما يشاهدونه من ظلم وتمييز وأنتهاك للحقوق وحرمان من المشاركة الوطنية حتى في الآماكن التي يشكلون أكثرية لا يسمح لهم بالإجهار بصوتهم مهما قدموا من تضحيات على مستوى الاوطان أو على مستوى الأمة.أما التيار الآخر الذي يعارض بعض الطقوس والممارسات التي رافقت نهضة الامام الحسين عليه السلام منذ أن خرج من المدينة وأستشهد في كربلاء هو وأهل بيته وحتى هذه الساعة، يعتبر هؤلاء أن كل أمر حصل وأستحدث من أتباع أهل البيت عليه السلام خلال العقود المنصرمة لا يخلو من تحريف وتزيف للحقائق ولا يمكن إعتباره حجة على من يأتي بعدهم وأن بعض الروايات الضعيفة التي أسس عليها هذا الإعتقاد لا يعتد بها، ويقول السيد الغريفي في مؤتمر عقد في البحرين قبل المحرم «إننا في الوقت الذي نرفض أن يتجمّد الحديث عند عاشوراء المأساة والحزن والدمعة» لأن في هذا تفريغاً لمراسيم عاشوراء من أهم مرافد الشحن العاطفي والوجداني مما يصادر حالات الانصهار والحرارة في التعاطي مع قضية كربلاء. وأكد الغريفي «نعم في الوقت الذي نرفض ذلك نتحفظ كل التحفظ على بعض الموروث الروائي والقصصي كما نعتبر الاقتصار على البعد العاطفي وغياب القضايا الفكرية والثقافية والأخلاقية والاجتماعية والسياسية والجهادية والثورية هو الآخر تفريغ خطير جداً لخطاب المنبر الحسيني من أهم أهداف عاشوراء الحسين عليه السلام». ويعتقد هذا التيار جازماً وهو يضم كبار العلماء والباحثيين والمفكرين أن الذي حصل ويحصل من ممارسات يعد تهويناً للمذهب وتضعيفاً للمنهج وتضيعاً للحق وتحريفاً لنهضة الأمام الحسين، وذهب هذا التيار الى إتهام المتمسكين بتلك الممارسات بأنهم سبباً في تقسيم الأمة الى إسلامين إسلام شيعي وإسلام سني، كما يرون في تلك الممارسات سبباً لتغيب الحقيقة عن شريحة واسعة من المسلمين والتعتيم على الأهداف السامية التي نهض من أجلها الحسين عليه السلام، ويناقشون من ينادي بالحفاظ على تلك المظاهر الموروثة من الأجداد إلى حد التضحية والموت من أجلها لا من أجل الحسين عليه السلام!هل تلك الأعمال والممارسات والطقوس من الدين والقيام بها تعبداً وطاعة لله أم هي عمل مرتبط بالسياسات التي مرت ولا زالت تمر على أتباع أهل البيت عليهم السلام؟ إن التيار المعارض للطريقة التي تحيا بها ذكرى عاشوراء في كل سنة أقلية في مقابل التيار العريض المتأثر بالعواطف الجياشة لمأساة كربلاء، هذا التيار المعارض يملك من الأدلة العقلية والنقلية ما يقنع الكثيرين ممن لهم قابلية الإستعداد لسماع العقل، بيد أن هذا التيار كان مهزوماً في كل الأزمان مهما حمل من قوة الدليل والبرهان فإنه يقف حائراً أمام الموج الهادر من البشر بكل طبقاتهم وذلك بسبب الصيحات التي أطلقها الأمام الحسين عليه السلام في مسيرته الى كربلاء وأثناء المعركة في اليوم العاشر من المحرم تلك الصيحات المدوية التي أخترقت حجب القلوب وأثرت في أناس لا علاقة لهم بالدين فغيروا مجرى التاريخ بسبب تأثرهم بنداءات الحسين عليه السلام ، ولعل القاريء أطلاع على مقولة غاندي «علمني الحسين كيف أكون مظلوماً فأنتصر».
إن تلك الحيرة التي طالما توقف عندها الفقهاء والعلماء والمفكرون والمثقفون المخلصون والحريصون على إيصال رسالة الحسين عليه السلام بشكلها الطبيعي الى كل إنسان يملك ضميراً حياً لن تستمر الى الأبد لأن العقل في النهاية سوف يرشد العواطف ويوجهها الى الصواب حيث يريدها الله جلت قدرته ورسوله وأهل بيته عليهم السلام.
Leave a Reply