كما قلنا في الجزء الأول من هذا الموضوع، لا بد من الإنطلاق نحو التغيير الجذري والشامل في بلادنا من قاعدة مركزية وفرتها مبادرة الشيخ حميد الاحمر المقدمة قبل انتخابات 2006، لأنها مثلت حسب اجتهادنا المشكلة والحل، ويمكن لكل مواطن يمني أن يستعرض الأسماء الموجودة في سدة القيادة والمعارضة منذ ما يزيد عن الثلاثين عاما، ليصل الى النتيجة المنطقية المتلخصة في أن تلك الأسماء هي من اوصلت الوطن الى مرحلة الإحتضار، لأنها وبكل صدق وأمانة لم تمتلك أي مشروع وطني كبير يقود البلاد نحو الإمام، بل تقزم مشروعها في استثمار الوطن ومصادرته ونهب ثرواته، وتدمير كل مشاريع وأحلام الشعب اليمني كما حدث لوحدة 22 مايو 1990، كمشروع وطني عظيم ومقدس، أصبح اليوم بسبب تلك الأسماء قاب قوسين أو أدنى من الإنهيار,بعد أن تم زرع أشواك الحقد والكراهية بين أبناء الشعب الواحد، إعتقادا أن تلك الأشواك ستثمر عنبا يمهد لوصول الوريث إلى “كرسي العرش”، وهو أمر لا يمكن أن يتحقق أبدا، بل أصبح الإصرار في تنفيذه يعني بهدوء ومنطق الوصول نحو المحطة النهائية التي ستعيدنا الى ما قبل 1990.
إذا لا بد من إمتلاك الإرادة لمنع حدوث ذلك، وهي تعني ان نقف مع الوطن لنقول بصوت عالي وواضح وصريح لسيادة الرئيس… يجب أن ترحل ومعك كل من بجانبك فقد سئمنا النظر إليكم، وارتوينا من أنهار قهركم وفسادكم وعبثكم، ويكفيكم ما انتم فيه، واتركوا لنا الخيار لنبدأ في ترتيب أوضاعنا ولملمة جراحنا، لنرفع الوطن من درك الذل الأسفل الذي وضعتموه فيه، لأنكم إن استمريتم في البقاء فعلينا وعلى الوطن أن نبدأ في الترتيب لإستقبال التعازي الكبرى، بعد أن تلقينا لأعوام طويلة سلسلة من التعازي الصغرى التي قزمتنا في عيون الناس جميعا على ظهر هذا الكون.
الإرادة التي نتحدث عنها، جائت من مبادرة الشيخ حميد، ورغم مرور ثلاث سنوات كاملة على ولادتها، إلا أنها لا زالت حية بقوتها ووضوح الرؤية فيها، لذلك سنعتبرها القاعدة الأساسية لرؤيتنا المتواضعة والتي نقدمها من منطلق الحرص على الوطن، ومساهمة في وضع رؤية لمن يهمه الأمر من القيادات الشابة التي صارت اليوم ملزمة بتحمل دورها في إنقاذ البلاد، إستنادا للسنّة الإلهية في الخلق والمتمثلة في تداول الأيام بين الناس، وسنضيف لرؤية الشيخ حميد كنقطة ضوء مركزية إنطلقنا من خلالها ما يلي:
1- العودة لمشروعية دولة الوحدة كضرورة هامة ومصيرية، فرضتها خطورة المرحلة ونتائجها الكارثية، وتتمثل تلك المشروعية كما يعرف الجميع في إتفاقيات دولة الوحدة، ثم دستورها، ووثيقة العهد والإتفاق مع ملاحظة إجراء بعض التعديلات الملحة بما يتوافق مع متطلبات الوطن ومصالحه العليا، والعودة هنا لا تشكل أي رجوع إلى الوراء بقدر ما تمثل إنطلاق نحو الإمام، لأن تلك المشروعية تمثل الإجماع الوطني لكل القوى الموجودة في الوطن يومها .
2- القيام بحوار وطني شامل وكامل، يستمد أسسه من مبادرة الشيخ حميد الأحمر، ومشروعية دولة الوحدة، ويمكن هنا الإتفاق على اعتماد ملتقى التشاور الوطني كآلية للحوار بعد إنضمام القوى الأخرى للملتقى كالحزب الحاكم بخيرة رجاله نزاهة ووطنية وصدقا، ومعارضة الخارج (القيادات الجنوبية بالذات)، والحوثيين.. الخ، كما يمكن الإتفاق على آلية حوار جديدة تتفق عليها الأطراف جميعا.
3- التنسيق المبكر والمسبق مع الأطراف الأقليمية المؤثرة في الملف اليمني على المستويين الداخلي والدولي، من أجل تطمينها حتى لا تشعر بأي خطورة من الجديد القادم، لأنها دوما تقف ضد أي تغيير خارج عن علمها ورغبتها كما حدث مسبقا، وهنا يجب أن يتحدد ذلك التنسيق بمتطلبات المصلحة الوطنية العليا للوطن، في إطار المصالح المشتركة للإقليم والدول الأخرى.
4- وقف التراشق الإعلامي بين كل الأطراف داخليا وخارجيا، المتضمن لكل ما يبث الفرقة والكراهية بين أبناء الوطن الواحد، ومعاني وكلمات التخوين والتجريح والإساءة والإتهامات للشخصيات الوطنية (الموجودة في الخارج تحديدا)، وكذلك سحب كافة الإستحداثات العسكرية في الجنوب ومظاهر حالة الطوارئ، وأيضا إخماد نار تجار الحروب في صعدة وسحب الجيش من هناك، ليؤدي ذلك إلى تطييب النفوس وتهدئة الخواطر وتقريب وجهات النظر للخروج برؤى وطنية على قاعدة مصلحة الوطن والشعب.
5- التوافق بين كل الأطراف على اختيار رئيس ذي شخصية وطنية قوية، نظيف اليدين والتاريخ من أجل التاسيس لمواصفات الرئيس الذي يجب أن يحكم. ولأجل سلامة البلاد وتنفيذ القانون وتمدين الحياة يفترض أن يكون الرئيس جنوبيا لأن أبناء الجنوب وبأمانة لهم تجربة واسعة في ذلك. والملاحظ هنا أن المطالبة برئيس لليمن من الجنوب تكاد تكون محل إجماع وطني، بسبب الحفاظ على الوحدة كما يقول البعض أو بسبب بناء دولة النظام والقانون كما نرى وغيرنا ذلك. وهنا يستمر الرئيس في منصبه لأربع سنوات كاملة ثم له الحق في الترشح مرة واحدة فقط على اعتبار أنه حكم فترة، ولا بد من التزامه بذلك ليؤسس بدوره أساسا يسير على قاعدته الجميع.
6- تشكيل حكومة وحدة وطنية (مقترح مجمع عليه أيضا)، من كل الأطراف ويجب هنا أن تتوفر في أعضاء الحكومة شروط وطنية وعلمية واضحة وصريحة، إذ لا يجوز تولية شخص لا يعي من أمور وزارته سوى ما يحصل عليه ماديا، ويجب تقليص عدد الوزارات بحيث يتم التشكيل وحاجة البلاد وكذلك توفير الميزانيات الباهضة المقتطفة من قوت الشعب ومتطلباته، وتستمر الحكومة سنتين فقط، تعمل خلالها على نقل البلاد لمرحلة جديدة تماما.
7- خلال السنتين يقترح الغاء مجلس النواب لأن وجوده وعدمه سواء، ونقترح تشكيل لجان وطنية تعمل خلال العامين على حل أبرز وأعقد المشاكل والتهيئة لأجراء الإنتخابات النيابية وأهم تلك اللجان ما يلي:
أ- لجنة لحل القضية الجنوبية، إذ لا يعقل أن تدخل البلاد أي مرحلة وأثر هذه القضية باق، وأبرز ما في ملفها، الأراضي والإقصاء والوظائف المدنية والعسكرية ويمكن هنا الإعتماد على تقرير باصرة الأصلي والكامل.
ب- لجنة لحل قضية صعدة، لما تمثله هذه القضية من خطر وألم وطني عمره ست سنوات,فلا يمكن أبدا تكرار هذه الحرب القذرة التي سالت فيها دماء أبناء اليمن أنهارا وخسرت البلاد فيها من الجرحى والأموال ما يجعلنا نعتبرها تجربة نقدس من خلالها دماء وأرواح أبناء شعبنا.
ج- لجنة لحل كافة الحروب القبلية في البلاد، وللعلم فأغلبها يصنع ويمد من الحكومة تنفيذا لقاعدة التوازن الحقيرة، وعلى القبائل هنا العودة لأعرافهم الأصيلة التي تعظم دماء الناس وتصون ممتلكاتهم، وهنا لا بد من تعميم ثقافة التصالح والتسامح والإنطلاق من عظمة رؤيتها لحل كافة الحروب والإشكالات في أرض الوطن.
د- لجنة دستورية تعمل على تعديل الدستور وتعديل وإقرار قانون الإنتخابات بحيث تدخل البلاد إنتخابات جديدة على قواعد صحيحة تمنع التزوير والتلاعب وتوصل من يستحق نحو مراكز القيادة.
هـ- لجنة لحماية الإستثمار والمستثمرين,وهذه اللجنة تعمل على بناء قاعدة للإستثمار ترتكز على مصالح الوطن وما يكتسبه وهنا ستعمل المشاريع العملاقة (إن وجدت) على توفير عدد هائل من الوظائف التي ستشغل الناس وتبعدهم عن عالم السياسة وتنقلهم نحو عالم جديد يرتكز على الإهتمام بالعمل في تلك المشاريع.
8- لأخراج البلاد من دائرة الكذب والتزوير والثقافة الرديئة يجب إلغاء وزارة الإعلام، لأنه ليس من المنطقي أن نكون دولة ديمقراطية تحكمها وزارة مركزية لا هم لها سوى النهش في الوطن وأبنائه، وكذلك إلغاء صحيفة “26 سبتمبر” لما تمثله من خطر كبير زرع الحقد والكراهية في قلوب الجيش ضد أبناء الشعب، والدليل على ذلك كثرة القتلى والجرحى في صفوف المظاهرات والإعتصامات السلمية بسبب ما تنشره تلك الصحيفة.
9- تحييد المؤسسة العسكرية تحييدا كاملا من التدخل والمشاركة في العمل السياسي والتقيد بواجبها في الحفاظ على الوطن وحمايته.
10- تحديد نوعية الحكم في البلاد والواضح أن النظام البرلماني بغرفتيه التشريعيتين يمثل حلا مناسبا لا بد من اعتماده بعد تهيئة ذلك خلال العامين الإنتقاليين.
11- إعتماد النظام الفيدرالي في البلاد، على اعتبار أنه أثبت نجاحه في كل دولة يمارس فيها (الولايات المتحدة نموذجا)، لأنه يمنح كل محافظة الحق في تسيير أمورها الداخلية بعيدا عن تأثير الحكومة المركزية، وهذا ما يلغي سلطة الفرد الواحد وينقل البلاد لمشاركة أوسع للناس تنسف الإنقسامات والنزاعات التي تتولد بسبب الإقصاء والتهميش المركزي.
12- عودة كل من في الخارج من السياسيين وضمان حياتهم وعيشهم في وطنهم بعزة وكرامة، ولتطمين أطراف النزاع الحالية يتم غلق كامل الملفات السابقة بحيث لا يتعرض أحد لمسائلة ومحاسبة والهدف من ذلك نسيان الماضي والإلتفات للمستقبل لبناء اليمن الجديد.
قد يقول الكثير من اليمنيين والمهتمين بشأنهم من العرب، إستحالة تطبيق الأفكار الواردة المنطلقة كما قلنا من مبادرة الشيخ حميد الأحمر، وذلك القول قد يكون صحيحا إذا ما ظل الشعب وقواه الوطنية في سبات تقديس الأسماء والزعامات التي صنعت المآسي والآلام، وصمم الرئيس وأركان سلطته وقادة المعارضة على البقاء رغما عن قناعة الشعب، من أجل الحفاظ على مصالحهم والإستمرار في نهب الوطن وثرواته، وكذلك الإستئثار بالمساعدات والمنح المقدمة للبلاد، لكننا كشعب إذا ما وقفنا بمسؤولية دينية ووطنية وتاريخية أمام المحنة التي تعصف ببلادنا، فسننجح في خلق وطن جديد يضمن الإستقرار السياسي والإقتصادي والإجتماعي ليس لليمن فحسب بل ودول الإقليم أيضا، ولذلك يجب على الجميع إحياء مبادرة الشيخ حميد كعلاج شاف وكاف لكافة الأمراض السياسية المزمنة، والخوف كل الخوف أن يأتي زمن نبكي ونندم فيه على تلك المبادرة ونقف على اطلالها بعد أن نرى في وطننا صورا جديدة لا يمكن لغير من يحكمونا اليوم صناعة مثلها وهي صور بالطبع فيها من الدماء والدمار والخراب والرخص والفساد ما يجعلنا دوما وأبدا ندعو المولى عز وجل بأن لا يؤاخذنا بما فعل السفهاء منا وأن يحفظ بلادنا من كل مكروه.
Leave a Reply