ديترويت، واشنطن
لم تتأخر إدارة الرئيس دونالد ترامب في تطبيق وعده الانتخابي بإطلاق أوسع عملية ترحيل للمهاجرين غير الشرعيين في تاريخ الولايات المتحدة، حيث شنت شرطة الهجرة والجمارك ICE، في غضون الأسبوع الأول من العهد الجديد، حملة اعتقالات طالت الآلاف في مناطق متفرقة من البلاد، من بينها، ديترويت، حيث حرص رئيس البلدية مايك داغن على تأكيد أن مدينته ليست «ملاذاً» للمهاجرين غير الشرعيين، مؤكداً تعاون شرطة المدينة في إنفاذ قوانين الهجرة الفدرالية.
تركّزت الموجة الأولى من الاعتقالات في ولايات نيويورك، كاليفورنيا، تكساس، كولورادو، جورجيا، فلوريدا وإيلينوي، بالتوازي مع عمليات متفرقة في ولايات أخرى من بينها ميشيغن، حيث تم رصد عدد من الاعتقالات في جنوب غربي مدينة ديترويت، منطقة تركز الجالية المكسيكية، فضلاً عن ديربورن وآناربر.
وبحلول الإثنين الماضي، تجاوزت حصيلة الأسبوع الأول من رئاسة ترامب، 7,000 معتقل تم ترحيل معظمهم مباشرة إلى أوطانهم الأم، وسط توقعات باتساع عمليات الاعتقال والترحيل خلال الفترة القادمة، وفقاً لتصريحات «قيصر الحدود»، توم هومان، الذي أكد أن المرحلة الأولى من العملية سوف تتركز على المهاجرين غير الشرعيين ممن يشكلون خطراً على السلامة العامة والأمن الوطني، على أن يتم توسيع الدائرة في المراحل التالية، لتطال ملايين الأشخاص الآخرين المخالفين لقوانين الهجرة.
وفي حين تم تنفيذ مئات عمليات الاعتقال يومياً خلال الأسبوع المنصرم، توقع هومان أن ترتفع الحصيلة إلى الآلاف في كل يوم، مع توسع دائرة الاستهداف في المراحل القادمة.
وبحسب المسؤولين، يستهدف ضباط وكالة «آيس»، حالياً، اعتقال المهاجرين من أصحاب السوابق الجنائية العنيفة، مثل القتل والاعتداء الجنسي والاختطاف والضرب والسطو.
وقد شملت اعتقالات الأسبوع الماضي، مواطنين من عدد كبير من البلدان، بما في ذلك أفغانستان وأنغولا وبوليفيا والبرازيل وكولومبيا وجمهورية الدومينيكان والإكوادور والسلفادور وغواتيمالا وهندوراس والمكسيك ونيكاراغوا والسنغال وفنزويلا.
وكانت شيكاغو، التي تصنّف نفسها كمدينة «ملاذ» للمهاجرين غير الشرعيين، محوراً رئيسياً لعمليات الاعتقال التي وصفت بأنها استجابة لحالة «طوارئ وطنية»، والتي شنتها وكالة «آيس» بالتعاون مع مكتب التحقيقات الفدرالي FBI، وإدارة مكافحة المخدرات DEA، ومكتب الكحول والتبغ والأسلحة النارية والمتفجرات ATF، ووكالة الجمارك وحماية الحدود CBP، وجهاز المارشال الفدرالي، بهدف ضمان السلامة العامة والأمن الوطني من خلال إبعاد «المجرمين الخطرين» من المجتمعات.
ويوم الثلاثاء المنصرم قصدت وزيرة الأمن الداخلي الجديدة كريستي نويم إلى نيويورك التي من المتوقع أن تشهد حملات اعتقال واسعة في الأيام التالية.
وقبل ذلك، توجه نائب وزير العدل الأميركي بالإنابة، إميل بوف، إلى شيكاغو للإشراف على الإجراءات التي قال إنها تأتي رداً على ما أسماه «أربع سنوات من سياسات الهجرة الفاشلة»، في إشارة إلى ملايين المهاجرين الذين دخلوا الولايات المتحدة بشكل غير قانوني في عهد الرئيس المنتهية ولايته جو بايدن.
وأكد بوف أن وزارة العدل في إدارة ترامب، «ملتزمة بتأمين الحدود، ووقف هذا الغزو، وجعل أميركا آمنة مرة أخرى»، مطالباً السلطات المحلية بضرورة التعاون مع العملية الفدرالية تحت طائلة «مواجهة عواقب قانونية إذا أعاقت هذه الإجراءات». وقد أشار بوف في مذكرة إلى موظفي وزارة العدل إلى أن المسؤولين على مستوى الولايات والحكومات المحلية يمكن مقاضاتهم جنائياً لفشلهم في تطبيق قوانين الهجرة.
وتشكل العملية في شيكاغو جزءاً من جهد أوسع نطاقاً سيتم توسيعه إلى مدن أخرى في البلاد في الأيام المقبلة، حيث أصدرت وزارة الأمن الداخلي توجيهاً يمنح الوكالات الأمنية التابعة لوزارة العدل سلطة تنفيذ إجراءات إنفاذ قوانين الهجرة. كما ألغت إدارة ترامب السياسات التي تحظر إجراءات تطبيق قوانين الهجرة في المواقع «الحساسة»، مثل المدارس والمستشفيات.
وإلى جانب شيكاغو حيث تم اعتقال المئات خلال عطلة نهاية الأسبوع المنصرم، من المتوقع أن تستهدف عمليات إنفاذ قوانين الهجرة، غيرها من مدن «الملاذ»، وهو مصطلح ينطبق على نطاق واسع على البلديات التي تبنت سياسات للحد من تبادل المعلومات أو التعاون مع إجراءات إنفاذ قوانين الهجرة.
ديترويت ليست «ملاذاً»
في ديترويت، حيث تسكن نسبة قليلة من المهاجرين غير الشرعيين، نفى رئيس البلدية مايك داغن أن تكون مدينته «ملاذاً» للأشخاص المخالفين لقوانين الهجرة، مؤكداً أن الشرطة المحلية لم تنقطع قط، عن التعاون مع الحكومة الفدرالية في ملاحقة المهاجرين غير الشرعيين، بما في ذلك، خلال عهد الرئيس جو بايدن وباراك أوباما.
وفي حديثه إلى الصحفيين على هامش «مؤتمر سياسات ديترويت» لعام 2025، قال رئيس البلدية المرشح لمنصب حاكم ولاية ميشيغن، إن ديترويت ليست «مدينة ملاذ»، بل هي «مدينة مرحِّبة» بالمهاجرين من مختلف الإثنيات.
وأضاف: «إذا كنت في هذا البلد بشكل غير قانوني، فلا ينبغي لنا أن نحميك من «آيس» والسلطات الفدرالية، ومدينة ديترويت لا تفعل ذلك».
وتحدث داغن عن جذور أجداده المهاجرين من أيرلندا، مؤكداً دعمه للمهاجرين، و«لكن فقط أولئك الذين يأتون بشكل قانوني»، مشدداً أن شرطة ديترويت «ستواصل العمل مع الوكالات الفدرالية كما فعلت في عهد الرؤساء السابقين»..
وتابع قائلاً: «نحن مدينة مرحبة. وهذا يعني أنه إذا كنت في هذا البلد بشكل قانوني كمهاجر، فنحن نشجعك على القدوم إلى هنا وسوف ندعم نجاحك كما حصل مع أجدادي».
يذكر أن حوالي 6 بالمئة فقط من سكان ديترويت هم مهاجرون، وهي واحدة من أدنى النسب بين المدن الكبرى في الولايات المتحدة، وهي أقل بكثير من المتوسط الوطني. وقال المدافعون عن المهاجرين إنه من أجل نمو اقتصاد المدينة والمنطقة وسكانها، هناك حاجة إلى جذب المزيد من المهاجرين إلى المدينة.
وجاءت تصريحات داغن بعد رصد عدد من الاعتقالات التي طالت مهاجرين غير شرعيين في ديترويت، حسبما أظهرت مقاطع تم تداولها عبر وسائل التواصل الاجتماعي، يظهر فيها عملاء ICE وCBP وهم يقومون باحتجاز شخصين في جنوب غربي ديترويت، حيث توجد نسبة أعلى من المهاجرين في منطقة ديترويت الكبرى.
وكانت عضوة مجلس مدينة ديترويت، غابرييلا سانتياغو روميرو، قد دقت ناقوس الخطر تجاه عمليات الاعتقال، معربة عن قلقها بشأن آثار سياسة ترامب على مجتمعات المهاجرين في دائرتها الانتخابية التي تشمل جنوب غربي المدينة ذات الكثافة اللاتينية.
وفي السياق، ذكر داغن بأن وكالة ICE كانت ناشطة في أحياء المدينة خلال إدارة بايدن، موضحاً أن ضباطها كانوا ينفذون حوالي عملية اعتقال واحدة أسبوعياً، وفق تعبيره.
بدورها، أكدت شرطة ديترويت في بيان سابق التزامها بمواصلة التعاون مع جهود الوكالات الفدرالية في فرض قانون الهجرة، غير أنها نفت انخراطها المباشر في عمليات الاعتقال. وقالت الشرطة: «إن فرض القانون الفدرالي، بما في ذلك قانون الهجرة، ليس من وظائف شرطة المدينة»، موضحة أنه عند التعامل مع الجمهور، «لا يستفسر ضباط شرطة ديترويت عن حالة الهجرة الخاصة بالفرد».
غير أن داغن شدد على استمرار سياسة الشرطة المتمثلة في تسليم المهاجرين المتهمين بارتكاب جرائم إلى شرطة الهجرة والجمارك.
ووفقاً لتحليل بيانات مكتب الإحصاء الأميركي، من قبل «معهد سياسة الهجرة»، يقدّر عدد المهاجرين غير الشرعيين في جميع أنحاء ولاية ميشيغن بنحو 90 ألفاً من أصل حوالي 17 مليون مهاجر غير شرعي يقيمون في عموم الولايات المتحدة، وقد دخل الملايين منهم في عهد بايدن.
وتجدر الإشارة إلى أن عمليات اعتقال وترحيل المهاجرين غير الشرعيين، لم تنقطع في عهد جميع الرؤساء السابقيين، وفقاً للبيانات الفدرالية. وقد وصل عدد عمليات الترحيل في عهد الرئيس السابق باراك أوباما إلى 2.9 مليون في ولايته الأولى و1.9 مليون في ولايته الثانية، وهو رقم –في الحالتين– يفوق بكثير العدد المسجل في كل من عهد بايدن أو عهد ترامب الأول الذي شهد بأكمله ترحيل قرابة 1.4 مليون شخص.
وبحسب المسؤولين في إدارة ترامب، من المتوقع أن يتم اعتقال وترحيل حوالي أربعة ملايين شخص على مدى سنوات ترامب الأربع، بمعدل مليون شخص سنوياً.
Leave a Reply