وفيقة إسماعيل – «صدى الوطن»
أصدر وزير الخارجية الأميركي، مايك بومبيو، يوم الإثنين الماضي، بياناً أعلن فيه إدراج حركة «أنصار الله» اليمنية في قائمة الإرهاب، إضافة إلى ثلاثة من قادة الحركة هم عبد الملك الحوثي وعبد الخالق بدر الدين الحوثي وعبدالله يحيى حاكم.
ولفت بومبيو إلى أن وزارة الخارجية ستخطر الكونغرس بنيتها تصنيف «أنصار الله» حركة إرهابية. ويملك الكونغرس أسبوعاً من الوقت لدراسة التصنيف وإلا فإنه سيُعَدُّ نافذاً بحكم القانون، لكن هذا يبدو غير مرجّح في ظلّ عدم انعقاد مجلس الشيوخ، وتركيز مجلس النواب على عزل ترامب على خلفية أحداث الكابيتول الأسبوع الماضي.
وقد لاقت خطوة بومبيو الكثير من الاعتراضات من جهات متعددة لما قد تتسبب به من تفاقم للأزمة الإنسانية الكبيرة التي يعيشها اليمنيون والمستفحلة أصلاً والتي تتهدد حياة أكثر من 70 بالمئة من الشعب اليمني الذي بات وفق تقارير منظمات الإغاثة التابعة للأمم المتحدة على حافة المجاعة إن لم يكونوا قد بلغوها فعلاً.
من بين تلك الاعتراضات، ما قاله رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب الأميركي، النائب الديمقراطي غريغوري ميكس، الذي أكد أنه لا يمكن إيجاد حل مستدام في اليمن من دون مشاركة الحوثيين.
السناتور كريس مورفي أيضاً، وهو العضو البارز في الحزب الديمقراطي، اعتبر أن تصنيف الحوثيين منظّمة إرهابية هو حكم بالإعدام على آلاف اليمنيين، لأنه سيتسبب بقطع المساعدات الإنسانية، ويجعل محادثات السلام شبه مستحيلة، وسيعزّز موقع إيران، داعياً الإدارة المقبلة إلى إلغاء هذا القرار في أول يوم لها.
أما السناتور الجمهوري تود يونغ، فقد أبدى معارضته لسياسة إدارة ترامب بشأن اليمن، معتبراً خطوة بومبيو بأنها «ستزيد من زعزعة استقرار دولة مزّقتها الحرب» كما أنه يعيق عمل المؤسسات الإنسانية. وأعلن استعداده للعمل مع الإدارة المقبلة لإلغاء هذا القرار «المضلّل».
بدورها، رحبت «حكومة هادي» بالقرار الأميركي، عبر بيان أصدرته خارجيتها، مؤكدة انسجامه مع مطالبها كـ«حكومة شرعية».
كذلك قالت وزارة الخارجية السعودية في بيان لها إنها ترحب بالقرار، معربة عن أملها بأن يسهم ذلك التصنيف في «وضع حد لأعمال الحوثيين وتحييد خطرهم، وإيقاف تزويدهم بالصواريخ والطائرات من دون طيار وبالأسلحة النوعية والأموال، لتمويل مجهودهم الحربي ولاستهداف الشعب اليمني وتهديد الملاحة الدولية ودول الجوار»، وفق تعبيرها.
كما أشار البيان إلى أن التصنيف سيؤدي أيضاً إلى إرغام الحوثيين على العودة إلى طاولة المفاوضات.
ردّ صنعاء لم يتأخر وجاء على لسان رئيس اللجنة الثورية، وعضو المجلس السياسي الأعلى في حركة «أنصار الله» محمد علي الحوثي بتغريدة له عبر «تويتر»: «نؤكد أن إخطار الكونغرس بإلقاء القبض على مقتحميه سيحقق لبومبيو نتيجة أفضل من إخطاره بتصنيف أنصار الله بالمصطلح العائم للإرهاب». وأضاف: «إن إرهابكم هو من قتل أطفال اليمن وجوّعهم» مؤكداً أن «الإرهاب الأميركي وصل إلى كل مكان، وها هو يصل إلى الكونغرس بفضل سياسات بومبيو ورئيسه ترامب».
الخارجية الإيرانية، اعتبرت بدورها أن وضع حركة «أنصار الله» في قائمة الإرهاب، هو ليس سوى تعبير عن إفلاس إدارة ترامب.
مبعوث الأمم المتحدة إلى اليمن مارتن غريفيث، قال إنه سيحث واشنطن على التراجع عن القرار، أما برنامج الغذاء العالمي فقد اعتبر القرار بمثابة حكم إعدام بحق آلاف اليمنيين.
وقد دعا مارك لوكوك، منسق الأمم المتحدة للإغاثة الطارئة، واشنطن إلى التراجع الفوري عن القرار لأنه قد يؤدي إلى مجاعة لم يشهدها العالم منذ أربعين عاماً.
تأثيرات القرار
الباحث العسكري والسياسي اليمني العميد عبد الغني الزبيدي وفي رده على أسئلة «صدى الوطن» أشار إلى أن السعودية، بوصفها الداعم الأساسي والمموّل الرئيسي لمشاريع واشنطن في الشرق الأوسط، كانت تتمنى وتنتظر قراراً من هذا النوع في سياق رد الجميل، و«ربما كان هذا آخر ما يمكن أن يقدمه ترامب لاسترضاء النظام السعودي وطمأنة الحلفاء في أيامه الأخيرة. لكن القرار –بحسب الزبيدي– لا يعدو كونه حبراً على ورق، «لأن المجتمع الدولي لا يمكن أن يتقبل هذا القرار ويتعامل معه سواء مع إدارة بايدن أو غيرها».
أما بالنسبة إلى تأثيرات القرار في حال أصبح نافذا فيلفت الزبيدي إلى أن صنعاء تعتقد أنها ستكون محدودة، لأن تعاملاتها المالية مع المجتمع الدولي والمنظمات الدولية هي في الأساس محدودة ومقيدة، وأن من سيتأثر فعلاً هي المنظمات الدولية نفسها، فما يصل إلى الشعب اليمني ليس سوى الفتات، والحوثيون ليس لديهم أي تحويلات مالية من الخارج.
وأضاف أن الولايات المتحدة تعرف أن محور المقاومة هو في الأصل من أجل الدفاع عن الحق العربي والفسطيني تحديداً، مشيراً إلى أن التصنيف يهدف إلى تصعيد الضغط السياسي في محاولة لثني حركات المقاومة وعلى رأسها اليمن، عن الإقدام على أي تحرك، وهي أيضاً لتبرير أي عمل عسكري محتمل.
لكن الزبيدي يجزم بأن الحديث عن استهداف أميركي مباشر لحركات المقاومة سواء في اليمن أم في غيره باتت «مستبعدة تماماً» نظراً لضيق المساحة الزمنية للإدارة الحالية.
ويثمّن العميد الزبيدي بعض المواقف المشرّفة التي اتخذها مشرّعون أميركيون خلال السنوات الماضية في ما يتعلق برفض الحرب على اليمن ولجم عدوان التحالف السعودي والتضامن الإنساني مع الشعب اليمني، مؤكداً أن «لا مشكلة لدى اليمنيين مع الشعب الأميركي، بل مشكلتهم هي مع هذه الإدارة التي تقحم نفسها في متاهات لا تخدم الشعوب أبداً، وهم يأملون أن يكون إيقاف الحرب على اليمن من أولويات الرئيس المقبل، فالحرب مصدرها ومنشأها في الأصل أميركي، ولولا دعم الولايات المتحدة للعدوان على اليمن لما وصلت الأمور إلى ما هي عليه اليوم».
ويلفت الزبيدي إلى أن ما ذكرته صحيفة «واشنطن بوست» «صحيح»، لجهة طلب واشنطن لقاء قيادات في «أنصار الله»، سواء عبر وسطاء أو بنحو مباشر. وأضاف: «نحن في صنعاء نتعامل مع الإدارة الأميركية مثلما يتعامل معها كل أطراف محور المقاومة بكثير من الريبة والحذر، فهي تعمل وفق مصالحها وتسمح للسعودية بقصفنا وترفض أن يكون لدينا حق الرد الذي تكفله القوانين الدولية لأننا ندافع عن أنفسنا والسعودية ليست عدواً لنا ولو لم تعتدِ علينا لما قاتلناها».
وتابع بأن «السيد عبد الملك الحوثي قد قال أكثر من مرة، وبمجرد أن توقف السعودية عدوانها لن يُطلق أي صاروخ على أراضيها من قبلنا، فالسعوديون هم بالنسبة إلينا خصوم حرب فقط وليسوا أعداء، وقرار بومبيو ليس إلا محاولة لتطويقنا ومنعنا من تطوير صواريخنا وطائراتنا، كي لا تهدد أمن إسرائيل أو تصل إلى تل أبيب، لأنهم يعرفون أن هذا الأمر ممكن الحدوث ووارد».
ويشير العميد الزبيدي إلى أن السعودية هددت الأمم المتحدة غير مرة بحجب التمويل عنها في حال تناولتها بأي قرار أو توصيف لا يتوافق مع رغبتها، مثلما سبق أن فعلت المنظمة الأممية ووضعت الرياض ضمن القائمة السوداء لانتهاكات حقوق الإنسان، ثم عادت وتراجعت تحت وطأة التهديد السعودي.
وعن اتهام مارتن غريفيث بالانحياز إلى حكومة هادي والتحالف السعودي، يقول الزبيدي إن غريفيث جزء من هذا المشروع ومن الأمم المتحدة نفسها، ونحن في صنعاء نتعامل معه بكل جدية ومصداقية، كممثل للأمم المتحدة، لكننا لا نثق به، وهناك الكثير من المواقف التي اتخذها وخذل من خلالها الشعب اليمني.
لا ينفي العميد الزبيدي شدة الحصار على الشعب اليمني وتأثيراته، لكنه في الوقت عينه يشدد على أن هذا الشعب لم يكن في يوم من الأيام شعباً مترفاً، وهو اليوم لا يملك سوى خيار الدفاع عن نفسه وعن حقه، ويعتبر أن الأمور كلها مرهونة بإيقاف العدوان السعودي والإماراتي والأميركي.
وختم الزبيدي بالقول إن «الشعب اليمني شعب صبور وقوي ولديه من الإمكانات ما يؤهّله للتأقلم مع كل الظروف مهما بلغت من السوء، وأي تأثر سيكون محدوداً ومرحلياً وسيزول بزوال العدوان، الذي سيتوقف عاجلاً أو آجلاً»، جازماً أن الرياض اليوم في مأزق كبير وتتمنى توقف الحرب اليوم قبل الغد، لكنها تريد الحفاظ على ماء وجهها وهذا ما سعت إليه من خلال وسطاء، أو مباشرة بذهاب قيادات حوثية إلى الرياض للتفاوض المباشر، لكن الحوثيين رفضوا ذلك قبل إيقاف العدوان أولاً، وهذا ما أعلنته «أنصار الله» مراراً وتكراراً على الملأ، وستثبت الأيام أن اليمنيين الصابرين والثابتين والصامدين، سيفرضون متغيرات المرحلة المقبلة لجهة إيقاف العدوان ورفع الحصار، وفقاً للزبيدي.
القرار الأميركي بتصنيف حركة «أنصار الله» ضمن قائمة الإرهاب سيفاقم الأزمة الإنسانية ويعمقها أكثر فأكثر، وسيزيد من تبعات الحصار الكارثية، وهو ما دفع بالهيئات الإنسانية في العالم إلى استنكاره فوراً واعتباره نوعاً من مخطط الإبادة للشعب اليمني. لكن، في المقابل، لا يشك أحد في أن ترامب اتخذ هذه الخطوة في هذا التوقيت، كجزء من نية مقصودة للرئيس المنتهية ولايته تهدف إلى وضع الكثير من التعقيدات والعراقيل أمام خطط إدارة بايدن القادمة لاسيما فيما يتعلق بإيران.
Leave a Reply