دعاوى قضائية لكبح الحملة الفدرالية .. وقضية الطالب محمود خليل تدخل منعطفاً خطيراً
واشنطن
شهدت حملة الإدارة الأميركية ضد الطلاب الدوليين في الولايات المتحدة، تطورات عديدة خلال الأسبوع الماضي، بعد إلغاء تأشيرات حوالي ألف طالب وخريج حديث من الجامعات الأميركية، في حين أصدرت قاضية هجرة فدرالية بولاية لويزيانا حكماً يقضي بإمكانية ترحيل خريج «جامعة كولومبيا» المحتجز محمود خليل على الرغم من وضعه كمقيم قانوني في الولايات المتحدة، وهو ما يمثل انتصاراً لإدارة ترامب في سياق اختبار تاريخي لحقوق التعبير الخاصة بالمهاجرين.
وعلى الرغم من أن معظم الطلاب الدوليين المتأثرين بقرار إلغاء التأشيرات، هم من المشاركين في الاحتجاجات الجامعية ضد العدوان الإسرائيلي على غزة خلال العام الماضي، إلا أن الحملة طالت أيضاً طلاباً آخرين بسبب مخالفات بسيطة أو تفاعلات غير خطيرة مع مسؤولي إنفاذ القانون، بحسب دعوى قضائية تقدم بها الاتحاد الأميركي للحريات المدنية ACLU (فرع ميشيغن)، نيابة عن أربعة طلاب في جامعتي «ميشيغن» و«وين ستايت»، من الصين والهند ونيبال.
كما انضم أكثر من 130 طالباً دولياً إلى دعوى قضائية جماعية تطعن في إلغاء تأشيراتهم الطلابية.
وتستهدف الدعوى القضائية المقدمة أمام المحكمة الفدرالية في جورجيا، وزيرة العدل بام بوندي، ووزيرة الأمن الداخلي كريستي نويم، بالإضافة إلى مدير إدارة الهجرة والجمارك تود ليونز.
وقدمت الشكوى بداية في 11 نيسان، نيابة عن 17 طالباً، ثم تلقّت 133 طلب انضمام بحلول منتصف الأسبوع الماضي، وفق أحدث وثائق المحكمة.
وأنهت سلطات الهجرة «بشكل مفاجئ وغير قانوني» وضع الطلاب المدعين من خلال قاعدة بيانات تسجيل خاصة، رغم أن تأشيراتهم كانت «سارية تماماً»، كما جاء في الشكوى. وأدرج عدد منهم في قاعدة البيانات على أن لهم سجلاً إجرامياً، في حين أن ذلك غير صحيح، وفق الدعوى، التي جاء فيها أن إنهاء الوضع القانوني للطلاب «يمنعهم من مواصلة دراستهم والحفاظ على عملهم في الولايات المتحدة ويعرضهم لخطر التوقيف والاحتجاز والترحيل»، مطالبة بإعادة العمل بتأشيراتهم.
ومن بين هؤلاء الطلاب الذين تم الحفاظ على سرية هوياتهم في وثائق المحكمة «خوفاً من الانتقام»، عدد من مواطني الهند والصين وكولومبيا.
وفي الأسابيع الأخيرة، أُلغيت تأشيرات مئات الطلاب الأجانب في حين أوقف طلاب آخرون شاركوا في الاحتجاجات المؤيدة للفلسطينيين وصاروا مهدّدين بالترحيل، رغم أنهم كانوا موجودين بشكل قانوني على الأراضي الأميركية.
كما صعّدت إدارة ترامب هجماتها على العديد من الجامعات، ومن بينها «كولومبيا» و«هارفرد» التي تتهمها باليسارية والسماح بانتشار معاداة السامية في حرمها الجامعي، مهددة بحرمانها من التمويل والمنح الفدرالية.
وكان ترامب قد توعّد، الشهر الماضي، الطلاب الداعمين لغزة بالمحاسبة، وذلك بعد توقيف أحد قادة الاحتجاجات المؤيدة للفلسطينيين في جامعة كولومبيا بنيويورك محمود خليل.
وكشفت تقارير إعلامية عن أن أكثر من 170 جامعة وكلية أميركية أُبلغت خلال الأسابيع القليلة الماضية، عن حالات إلغاء تأشيرات طلاب دوليين من قبل وزارة الخارجية، التي أنهت الوضع القانوني لأكثر من 950 طالباً دولياً وخريجاً حديثاً، بمن فيهم عشرات الطلاب في سبع جامعات بولاية ميشيغن.
ووفقاً للجامعات المتضررة، فقد تفاجأ عدد من الطلاب بإلغاء تأشيراتهم من دون سابق إنذار، حيث اكتشف بعضهم الأمر عبر قاعدة بيانات فدرالية، أو من خلال رسائل نصية أو بريد إلكتروني مفاجئ. كما أشار محامو الطلاب إلى أن الغالبية لم تُمنح أي فرصة للرد أو الاستئناف، في حين لم تُبلّغ الجامعات رسميا بالأسباب.
وربطت منظمات حقوقية هذه الإجراءات بالمواقف المؤيدة لفلسطين، مشيرة إلى أن إدارة ترامب السابقة والتي لا تزال تواصل بعض سياساتها في ظل الإدارة الحالية، تتعامل مع حرية التعبير بانتقائية حينما تتعلق بالقضية الفلسطينية.
وقالت منظمة FIRE للدفاع عن حرية التعبير: «ما يحدث هو استبدال لحرية النقاش بالخوف، ويبدو أن تكميم الأصوات هو الهدف الفعلي»، في إشارة إلى استخدام «معاداة السامية» كأداة لقمع الأصوات الناقدة للسياسات الإسرائيلية، خاصة داخل الجامعات الأميركية.
وقال الاتحاد الأميركي للحريات المدنية إن هذا التصعيد «يمثل اختباراً أيديولوجياً غير مقبول»، مؤكداً أنه «لا يحق لأي رئيس أن يحدد من يبقى أو يُرحَّل بناء على آرائه السياسية».
ولفت الاتحاد في بيان إلى أن «الإلغاء المفاجئ وغير المبرر لتأشيرات الطلاب يُظهر تصعيداً مقلقاً للغاية في تجاوزات الحكومة. فعلى حد علمنا، لم يُمنح هؤلاء الطلاب أي مبرر لإنهاء وضعهم كمهاجرين، مما يُعرّض تعليمهم للخطر ومستقبلهم للخطر»، مشيراً إلى أن «انعدام الشفافية التام المحيط بهذه القرارات أمرٌ مقلقٌ للغاية».
وأضاف البيان: «يُثري الطلاب الدوليون مجتمعاتنا الأكاديمية في بلدنا بشكل لا يُحصى، إذ يُقدمون وجهات نظر متنوعة ومساهماتٍ كبيرة في المشهد التعليمي والاقتصادي. وسيتابع اتحاد الحريات المدنية الأميركي هذا الوضع ويبحث في جميع السبل القانونية للدفاع عن حقوق الطلاب المتضررين».
تشدد فدرالي
في سياق حملة قمع المهاجرين، أعلنت وزارة الأمن الداخلي الأميركية –مؤخراً– عن مراقبة حسابات التواصل الاجتماعي لرصد ما وصفته بـ«المحتوى المعادي للسامية»، للمتقدمين للحصول على تأشيرات الهجرة أو الدراسة في الولايات المتحدة، أو حتى الاحتفاظ بها.
وفي بيان لها، قالت المسؤولة في الوزارة تريشيا ماكلوغلين: «لن نسمح لأي شخص بالاختباء خلف التعديل الأول للدستور لنشر الكراهية أو الترويج للعنف. أنتم غير مرحب بكم هنا».
وفي تصريح مثير للجدل، قال وزير الخارجية ماركو روبيو إن أكثر من 300 تأشيرة تم سحبها، مدعياً أن المستهدفين شاركوا في أنشطة «تتناقض مع المصالح الوطنية»، مثل نشر مقالات رأي تنتقد الجرائم الإسرائيلية في غزة، أو الانضمام لاعتصامات طلابية تطالب بمقاطعة إسرائيل. وقال روبيو: «كلما اكتشفت أحد هؤلاء المتطرفين، أسحب تأشيرته على الفور»، معتبراً أن التأشيرة الدراسية مخصصة فقط للتعليم، وليست للأنشطة السياسية.
وشجعت إدارة ترامب الطلاب على مغادرة البلاد طوعاً بدلاً من مواجهة الترحيل عبر محاكم الهجرة. وأصدرت وزيرة الأمن الداخلي كريستي نوم تهديداً مباشراً في الشهر الماضي، قالت فيه: «إذا لم يغادروا، سنجدهم، ونرحّلهم، ولن يسمح لهم بالعودة أبداً».
دعوى قضائية في ميشيغن
في السياق التصدي للحكومة الفدرالية، رفع أربعة طلاب دوليين من جامعتي «ميشيغن» و«وين ستايت» دعوى قضائية ضد إدارة ترامب، طعناً في قرارها بإنهاء حقهم في الدراسة والإقامة القانونية في الولايات المتحدة، بحسب ما ذكرت صحيفة «بلومبيرغ».
وتطلب الدعوى إصدار أمر قضائي أولي يعيد لهم وضعهم القانوني كطلاب يحملون تأشيرة الدراسة F–1، ليتمكنوا من مواصلة دراستهم، ويمنع الحكومة الفدرالية من اعتقالهم أو ترحيلهم.
ووفقاً للدعوى المرفوعة أمام المحكمة الفدرالية في ديترويت، أُشير إلى أن تأشيرات الطلاب الأربعة تم إلغاؤها بسبب مزاعم «فحص السجلات الجنائية» مما يعرضهم لخطر الاعتقال والترحيل دون أسس واضحة، علماً بأنهم «لم يُتهموا بأي جريمة في الولايات المتحدة، ولم يشاركوا في احتجاجات سياسية أو ينتهكوا قوانين الهجرة».
وتجادل الدعوى بأن إنهاء تأشيرات الطلاب ينتهك حقوقهم المنصوص عليها في التعديل الخامس للدستور والقانون الإداري الفدرالي، حيث لم تُمنح لهم فرصة للدفاع عن نفسهم، مطالبة بإصدار أمر قضائي يعيد لهم وضعهم كطلاب دوليين ويمنحهم الوقت الكافي لتصحيح أوضاعهم القانونية.
وتهدف الدعوى، التي يمثّلها أيضاً عدد من المحامين البارزين، إلى منع مسؤولي الهجرة من تكرار مثل هذه الإجراءات التعسفية ضد طلاب آخرين.
وأشار المحامون إلى أن الطلاب المستهدفين ارتبطت مشكلاتهم بمواقف بسيطة مثل مخالفة سرعة أو حتى تحذيرات مرورية، مما لا يُبرر اتخاذ إجراءات صارمة قد تؤثر على حياتهم الأكاديمية والمهنية بشكل جذري.
قضية خليل
في اختبار تاريخي لحقوق التعبير الخاصة بالمهاجرين، دخلت قضية الطالب الفلسطيني الأصل محمود خليل، منعطفاً خطيراً بصدور حكم قضائي أولي يسمح بإمكانية ترحيله رغم حيازته على بطاقة الإقامة (غرين كارد).
وأثار اعتقال خليل، أحد زعماء الاحتجاجات الطلابية المؤيدة لفلسطين في «جامعة كولومبيا»، موجة غضب في جميع أنحاء البلاد ليصبح رمزاً لحرية التعبير في تظاهرات عمت الولايات المتحدة خلال الأسابيع الأخيرة، وهو مازال محتجزاً في ولاية لويزيانا، بينما يطالب محاموه بالإفراج عنه فوراً، بحجة أن احتجازه ينتهك التعديل الأول للدستور الأميركي الذي يكفل حرية التعبير.
واعتبرت القاضية في محكمة الهجرة بولاية لويزيانا، جايمي كومانز، في حكمها الصادر بتاريخ 11 نيسان (أبريل) الجاري، إن حجة الحكومة الفدرالية القائلة بأن وجود خليل في الولايات المتحدة يشكل تهديداً للسياسة الخارجية الأميركية «معقولة ظاهرياً»، مانحة الفريق القانوني لخليل مهلة حتى 23 أبريل لتقديم التماس لوقف ترحيله، كما أوقفت مؤقتاً ادعاء الحكومة بأن خليل ارتكب عملية احتيال تتعلق بالهجرة، من خلال عدم ذكر عمله في منظمة «الأونروا» بلبنان قبل مجيئه إلى الولايات المتحدة لإكمال دراسته عام 2022.
وبانتظار صدور قرار محكمة الهجرة في لويزيانا، ينتقل ملف القضية إلى عهدة القاضي الفدرالي مايكل فاربيارز في نيوجيرزي، الذي سيبت بمصير ترحيل خليل.
وتعليقاً على حكم القاضية كومانز، قال محامي خليل، مارك فان دير هوت، في بيان، إن «أسوأ مخاوفهم» تحققت. وأضاف: «تعرض محمود لمهزلة الإجراءات القانونية الواجبة، وانتهاك صارخ لحقه في محاكمة عادلة، واستغلال قانون الهجرة لقمع المعارضة». لكنه تابع قائلاً: «لم ينتهِ الأمر بعد، ومعركتنا مستمرة».
وقال الفريق القانوني لخليل إنه يخطط للطعن في الأدلة التي قدمتها الحكومة الفدرالية، وتقديم طلب لإقالة وزير الخارجية ماركو روبيو.
وكانت الحكومة قد زعمت في مذكرة من روبيو أن السماح لخليل بالبقاء في البلاد من شأنه أن «يقوض السياسة الأميركية لمكافحة معاداة السامية في جميع أنحاء العالم وفي الولايات المتحدة، بالإضافة إلى الجهود المبذولة لحماية الطلاب اليهود من المضايقات والعنف في الولايات المتحدة».
ولا تتضمن المذكرة أي اتهامات جنائية لخليل، ولم توجه إليه أي تهمة بارتكاب أي جريمة. وقال محامو خليل قبل الجلسة إن الحكومة لم تقدم أي تحليل أو أدلة تظهر أن موكلهم يشكل تهديداً للأمن القومي.
وشارك خليل في قيادة احتجاجات العام الماضي بسبب الحرب الإسرائيلية على غزة. وعطّلت هذه الاحتجاجات أنشطة الحرم الجامعي، وأدت –وفق مزاعم الادعاء العام الفدرالي– إلى مضايقة بعض الطلاب اليهود بدوافع معادية للسامية.
وتم إلقاء القبض على خليل من قبل عملاء إدارة الهجرة والجمارك ICE، في شقته الجامعية التي يتشاركها مع زوجته الأميركية الحامل، الشهر الماضي، كجزء من حملة ترامب الشاملة على الهجرة.
وعند اعتقال خليل، أبلغته إدارة الهجرة والجمارك بإلغاء تأشيرة دراسته. وعندما علموا أنه مقيم قانوني، ألغت الإدارة بطاقته الخضراء، وفقاً لما ذكره محاميه بعد اعتقاله.
وفي حادثة أخرى بظروف مماثلة، ألقت سلطات الهجرة القبض على طالب آخر من جامعة كولومبيا، يوم الاثنين الماضي، فيما يُعتقد أنه «رد مباشر» على مشاركته في الاحتجاجات الطلابية ضد حرب إسرائيل على غزة.
وقالت المحامية لونا دروبي أن موكلها، محسن مهداوي، الذي ولد ونشأ في مخيم للاجئين في الضفة الغربية ويحمل الغرين كارد، قد تم احتجازه من قبل وزارة الأمن الداخلي خلال مقابلة ليتم منحه الجنسية الأميركية في ولاية فيرمونت.
Leave a Reply