دمشق، نيويورك – بعد جمعة “صمتكم يقتلنا” التي شهدت تظاهرات متفرقة في أنحاء البلاد وانحسار في أعداد الضحايا، انفجر الوضع الأمني في سوريا لاسيما في مدينتي حماه وديرالزور حيث سقط عشرات القتلى من المعارضين إضافة الى عسكريين ورجال أمن سوريين، وذلك مع بداية شهر رمضان.
فقد أظهرت صوراً تم التقاطها وتهريبها سراً من مدينة حماه وجود عدد كبير من المسلحين المنتشرين في شوارع المدينة. كما تبين أن هؤلاء قاموا بقتل عدد من العسكريين ورجال الأمن وإلقائهم بنهر العاصي.
وتضاربت التقارير حول أعداد القتلى الذين سقطوا في حماه قبل وبعد دخول الجيش. وقال احد سكان المدينة الذين غادروها لوكالة “فرانس برس” ان “30 شخصا قتلوا اثر عملية عسكرية قام بها الجيش”، مشيرا الى “وجود عدد كبير من الجرحى في المستشفيات”، فيما نقلت “رويترز” عن ناشط قوله إن “45 مدنيا على الاقل قتلوا في هجوم بالدبابات لاحتلال وسط المدينة”.
من جهته، قال مدير المرصد السوري لحقوق الانسان رامي عبد الرحمن ان “اكثر من الف عائلة نزحت عن حماه هربا من العمليات العسكرية”. وأضاف ان “تضييقا يمارس على اهالي دير الزور”.
وذكر التلفزيون السوري أن “مجموعات إرهابية مسلحة في دير الزور هاجمت ممتلكات عامة وخاصة وسرقت محتوياتها قبل تخريبها”.
ومن جانبه، اصدر الرئيس السوري بشار الأسد، الأسبوع الماضي مرسومين تشريعيين حول تأسيس الأحزاب وتنظيم عملها وقانون الانتخابات العامة، فيما حذره الرئيس الروسي ديميتري ميدفيديف، وفي أقوى رد فعل روسي حول ما يحصل في سوريا، من “مواجهة مصير حزين” في حال لم يطبق إصلاحات ويحاور المعارضة.
ويبدو أن الدول الغربية تشجعت بصدور بيان رئاسي عن مجلس الأمن الدولي يدين العنف ضد المدنيين، حيث لم تستبعد باريس الطلب مجددا من المجلس الذهاب “ابعد” من البيان “إذا لم يتغير شيء من الجانب السوري”، فيما أعلنت برلين أنها طلبت من الأمم المتحدة إرسال مبعوث خاص إلى سوريا لزيادة الضغط على دمشق. واعتبر البيت الأبيض أن “علينا جميعا أن نفكر في مرحلة ما بعد الأسد كما يفعل أصلا الـ23 مليون سوري”.
وقد أدان مجلس الأمن الدولي الأربعاء الماضي في بيان رئاسي استخدام القوة ضد المدنيين في سوريا، لكن لبنان العضو في المجلس نأى بنفسه عن هذا البيان الذي امتدحه الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون بوصفه رسالة واضحة للرئيس السوري بشار الأسد. يأتي ذلك بينما صعدت الولايات المتحدة من موقفها تجاه الأسد، وقال البيت الأبيض إن سوريا ستكون أفضل حالا من دونه.
ويبدو ان تعديلات اجريت على النص الذي تم التداول به الثلاثاء الماضي ما دفع روسيا الى التوقف عن التهديد باستخدام حق النقض (الفيتو). وقال السفير الروسي لدى الامم المتحدة فيتالي تشوركين ان النسخة الجديدة “متوازنة”.
وتضمن البيان تنديدا “بما ترتكبه السلطات السورية من انتهاكات واسعة لحقوق الإنسان واستخدام القوة ضد المدنيين”، كما يدعو إلى ضبط النفس ووقف فوري لأعمال العنف.
كما دعا البيان السلطات السورية الى “التعاون التام” مع المفوض الأعلى لحقوق الإنسان. وأزيلت من البيان أية اشارات الى اجراء تحقيق في انتهاكات حقوق الإنسان الذي دعت إليه كل من بريطانيا وفرنسا وألمانيا والبرتغال في النسخ الأولى من البيان.
وبعد التصويت، دعا الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون الرئيس السوري إلى “وقف كل أعمال العنف ضد شعبه فورا”، وقال إن جميع اعمال القتل يجب أن يحقق فيها بشكل شفاف ومستقل وإن المسؤولين عنها يجب أن يحاسبوا. ويرفض الأسد الرد على المكالمات الهاتفية للأمين العام للأمم المتحدة، لكن بان أشار إلى أنه سيحاول مجددا الاتصال بالأسد.
من جانبها رأت السفيرة الأميركية في الأمم المتحدة سوزان رايس أن البيان يمثل رسالة “هامة وقوية كان يجب إرسالها منذ زمن”. وذكرت مع ذلك أن الولايات المتحدة ترغب في “إدانة واضحة وعلنية للسلطات السورية على الفظائع التي يرتكبونها بحق شعبهم، وهذا ما حصلنا عليه، اذا فإننا مسرورون”.
ورحب وزير الخارجية الفرنسي ونظيره البريطاني بالقرار منددين بالرد “غير المقبول” للأسد على التظاهرات.
وجاء الاتفاق على البيان بعد مشاورات عقدها سفراء الدول الأعضاء في مجلس الأمن الدولي بعد فشل جهوده على مدى اليومين الماضيين في الاتفاق على مشروع قرار أوروبي يدعو إلى إدانة العنف، بسبب اعتراضات وتحفظات من روسيا والصين والبرازيل والهند وجنوب أفريقيا ولبنان.
واعتبر المتحدث باسم البيت الأبيض جاي كارني في مؤتمر صحفي الأسد السبب في عدم الاستقرار في سوريا وأن البلاد ستكون أفضل من دونه. وأشار إلى أن واشنطن ستواصل البحث عن سبل لزيادة الضغط على النظام السوري لوقف ما يرتكبه من عنف.
وجاء هذا الموقف الأميركي المتشدد بعد يوم من لقاء جمع وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون بواشنطن مع ممثلين عن المعارضة السورية وصفه معارض سوري بارز بأنه كان ممتازا، مشيرا إلى أنها عبرت خلاله عن رغبة بلادها في بدء المرحلة الانتقالية بأسرع وقت في سوريا لحفظ الكثير من دماء السوريين.
والتقت كلينتون معارضين سوريين، وقالت إن بلادها تفكر في توسيع العقوبات على نظام الرئيس بشار الأسد، وهي عقوبات طالب أعضاء بمجلس الشيوخ بأن تمس قطاع الطاقة.
وقالت هيلاري كلينتون بعيد لقاء بالمعارضين في مقر الخارجية استمر أكثر من ساعة إن هدف الاجتماع هو إبداء تضامنها مع المتظاهرين وتعاطفها مع القتلى، وتحدثت عن “عقوبات موجهة” تدرس واشنطن فرضها لعزل نظام الأسد “وحرمانه من المداخيل التي يموّل بها وحشيته”. وطالب المعارضون بأن يخاطب الرئيس الأميركي باراك أوباما الشعب السوري، ويحث الأسد على التنحي فورا، لأن ذلك سيعطي زخما للمتظاهرين.
والتقى أوباما الأسبوع الماضي سفيره في سوريا روبرت فورد الذي اتهم، في شهادة أمام مجلس الشيوخ، الأسد بـ”الوحشية”، لكنه أكد ضرورة بقائه في دمشق كنوع من الالتزام تجاه الشعب السوري.
أما على الجانب التركي، صعدت أنقرة من نبرتها المنتقدة للنظام السوري مجدداً، حيث وصف بولنت أرينج، نائب رئيس الوزراء التركي، دخول القوات السورية الى مدينة حماة بـ”العمل الوحشي” الذي لا يمكن التغاضي عنه، رغم الإثباتات التي تؤكد أن المتظاهرين تخلوا عن سلمية التظاهرات واتخذوا منحاً عنفياً.
ولكن التصعيد التركي حفظ خط الرجعة الى دمشق، حيث قال أرينج “أقول هذا متحدثا عن نفسي، ما يحدث في حماة اليوم عمل وحشي، من ينفذ هذا أيا كان لا يمكن أن يكون صديقنا، إنهم يرتكبون خطأ كبيرا”. وأضاف “لا يمكن أن نفهم كيف يتم إرسال دبابات لمواجهة شعب في هذه الأيام من رمضان
Leave a Reply