بعد فوز نجاد فـي إيران وخطاب نتنياهو
إذا كان هذا نصر الأغلبية فكيف تكون الهزيمة؟!
انتهت الانتخابات النيابية فذاب الثلج وبان المرج!
إنها مهزلة الديمقراطية المذهبية تمت بقانون من العصر الحجري وبفزاعات مرعبة وتهويلات أشد رعباً وبأموال سياسية هائلة بعد اعتراف السعودية بأنها تخطت مبلغ الـ ٧١٥ مليون دولار الذي أنفقه أوباما في حملته الرئاسية، وبتنقلات سكانية مذهبية، وبتهديدات جدية (هل سمعتم شريط الوعيد والتهديد من قبل ميشال المر لكاهن سرياني؟) وسط عيون العالم الغربي الذي جاء يتفرج على ”الديمقراطية” وعالم ”الاعتدال” العربي الذي شرب نخب هذه ”الديمقراطية العجيبة” ودفع من أجلها الغالي والثمين مع أن شعبه لم يشم حتى رائحة الانتخابات التي هي حلم بعيد المنال.
كل هذه الفزاعات والهويلات قبل الانتخابات توقفت بعدها بقدرة قادر حيث أن قادة الأغلبية التي فازت ولم تربح كأنها استبدلت بأكثرية راقية مهذبة أين منها الأغلبية النيابية في سويسرا. سبحان مغير الأحوال!
فاين ذهب التجييش العصبي المذهبي ومخاطر ولاية الفقيه المهددة لهوية لبنان العربية التي جاء بها الجنرال ميشال عون نجاد، كما أوحى بذلك ”بطرك العروبة” الأغر و”سائر بكركي” عشية الانتخابات ثم انتهى مفعول هذه القومية العربية مساء الأحد بعد فرز الأصوات حين تم درء الخطر عن هوية لبنان العربية بعدم فوز المعارضة التي -لخيبة أمل البطرك- لم تنهزم أو تنكسر وبقي عون محتفظاً بالتمثيل الأكبر للمسلمين وزيادة.
وأين ذهب التهويل على سلاح المقاومة من قبل صبية ١٤ آذار وشيبها؟ وأين أصبح اقتراح إيلي ماروني باقتحام الجيش لمعاقل المقاومة وتجريدها من السلاح بالقوة؟! بل أين أصبح اتهام ”دير شبيغل” للمقاومة بأنها لها ضلع في اغتيال الرئيس رفيق الحريري – هذا الاتهام الذي ظهر فجأة ولوحت به إسرائيل وبان في اللحظة الانتخابية الحرجة بعد الإفراج عن الضباط الأربعة، ثم طمر في طاقية الإخفاء؟!
هل أن التهدئة في لبنان أصبحت خاضعة لابتزاز الفريق الحاكم منذ ٤ سنوات بحيث أن الوضع في هذا البلد الفاقد بنيوياً للسيادة بتأثر بـ”بارومتر” الأكثرية ورعاتها في الخارج؟ وهل إذا كانت مصلحة هذا الفريق الحاكم تكمن في التبريد والهدوء، عندئذ تصبح الأيام اللبنانية برداً وسلاماً، وعندما تكون الأمور تسير عكس تمنياتها ترفع ”بارومتر” التوتير والتصعيد؟
وإلا بماذا نفسر هذا الانفتاح الحضاري من قبل سعد الحريري الذي ذهب إلى حد تقديم ضمانات فيما يتعلق بسلاح المقاومة بعد أن استنفر فريقه وعبأه مذهبياً ضد المقاومة طيلة السنوات العجاف وصولاً إلى الانتخابات؟!
لقد قال أحد أمراء حربهم يوماً إن شعب المقاومة يتبع حزبه ”الشمولي” الديكتلتوري ويطيعه طاعة عمياء، فماذا يقول اليوم لجمهوره الذي تم تأليبه مذهبياً وعنصرياً ضد المقاومة إلى حد وصف إسرائيل بأنها جار، كما قال المكاري (والجار قبل الدار) وهو يسمع زعيمه بتودد للمقاومة ويعطيها الضمانات؟!
بل أن هذا الجو التصعيدي المذهبي ضد ثقافة المقاومة والممانعة هو الذي سمح لإسرائيل بتجنيد عملاء لها في مواقع عالية جداً، نسمع عن ”هرهرتهم” يومياً كالعصافير المصابة. خمس سنوات من الشحن المذهبي والطعن بالمقاومة وتجريدها من المشروعية والهيبة والنصر، كانت كفيلة لنمو الشبكات الإسرائيلية كالفطر. فعندما يطلق ”بطرك العروبة” وصف ”الشهيد” على عقل هاشم وعندما يعترض رئيس حكومة لبنان (نعم لبنان) في مؤتمر الخرطوم وفي إعداد البيان الوزاري، نعرف ساعتئذ لماذا لم تعد العمالة لعدو لبنان الوجودي من المحرمات الوطنية.
إلا أن التهدئة التي يتبعها سعد الحريري ووليد جنبلاط قبله غير سارية على ما يبدو على الرؤوس الحامية في الأغلبية وإذا أردنا ألا نلدغ من الجحر مرتين نقول إنها عملية توزيع أدوار أو لعبة شد وجذب بين أطراف الأغلبية لوضع المعارضة في حالة من انعدام الوزن، ولذا يتوجب على المعارضة الوطنية التنبه لهذا التكتيك فـ”من جرب المجرب عقله مخرب”!
أول الغيث جاء من فؤاد السنيورة بعد أن أقرت حكومته بسحر ساحر الموازنة العامة حسب التوافق السابق مع الرئيس بري. طبعاً فالانتخابات خلصت وقضي الأمر فما المماطلة وقد أصبح ”ابو الضرائب” نائباً عن صيدا عبر مقعد تم اختلاسه من منزل ”أبو الفقراء” معروف سعد بواسطة هيبة الدولة وسلطة المال، على حد تعبير تلفزيون ”الجديد”، السنيورة هذا صرّح بعد زيارته الميمونة إلى مصر بأنه ضد الثلث المعطل لإنه فشل في تجربة حكومة الوحدة الوطنية.
والواقع أن هذه الحكومة فشلها الوحيد هو اختياره مجدداً على رأسها، مقابل نجاح وزراء المعارضة من أصحاب الضمير كالوزير جبران باسيل الذي حارب ”مافيا الخليوي” والوزير خليفة وغيرهما.
ربما أراد السنيورة بكلامه أن يثبت وجوده بعد أن ضب شنطه من السراي الحكومي (وضبضب كلابه البوليسية من مساجد صيدا) أو ربما أراد أن يكشف أكثر عن وجهه الحقيقي بعد أن يئس من رحمة العودة لرئاسة الحكومة التي لم يكن يتبوأها سابقاً إلا بدلاً عن ضائع.
مهما كانت الأسباب فإن كلام السنيورة وحملات البعض على رئاسة الرئيس بري للمجلس لن تجد نفعاً بعكس التحليلات الغربية الجاهلة عن إقصاء المعارضة عن السلطة وعن ما يسمى ”الديمقراطية التوافقية” مهما كان هناك رابح أو خاسر ومهما نفش عقاب صقر ريشه ومهما سرح أمين الجميل شعره وهو يتبنى منطلقات حركة ”لبناننا” الفيدرالية الخاسرة كالحزب الذي تحالف مع إسرائيل في انتخابات ١٩٥٠ وكان شرارة الحرب الأهلية البغيضة.
يعزو بعض المحللين سبب التناقض داخل الأغلبية بين التهدئة والتطرف إلى عدم حسم راعيهم الإقليمي لكلمة السر خصوصاً بعد أن عكر نشوة انتصارهم، نجاح الرئيس محمود أحمدي نجاد في انتخابات الرئاسة الإيرانية.
إنه لمن العجب العجاب فعلاً هذا الاهتمام من قبل الإعلام العربي المعتدل بانتخابات إيران وتمنيه بسقوط أحدمي نجاد ليكون النصر لمحوره كاملاً في لبنان وإيران، فجاء فوزه الساحق للانتقام من انتكاسة لبنان وتحطيم آماله بالهيمنة على تيار الممانعة والمقاومة.
هذا الاهتمام بإيران – التي لم يهمهم شعبها من قبل قيد أنملة واليوم يتباكون عليه – كان فاقعاً لدرجة أنه غطى على الضربة الحاسمة لآمال قوى ”الاعتدال” عبر خطاب رئيس أقصى التطرف الإسرائيلي الذي داس بقدميه على المبادرة العربية وكأنه لم يسمع بها، والتي قال أصحابها أنها لن تظل مطروحة على الطاولة إلى الأبد (فمتى يتم سحبها يا ترى؟)، وجدد هذا الصهيوني الموتور عنصرية كيانه ومؤامرة التوطين الكارثية على لبنان بلد التناقضات المذهبية والديمغرافية والديماغوجية. لقد زها العربان وحلفاؤهم في لبنان بـ”نصرهم” المؤزر وراهنوا على الحصان الخاسر في إيران ثم جاء نتنياهو باحتقاره لهم معيداً مصداقية المقاومة فأطلق رصاصة الرحمة على حلمهم وانتشائهم بالفوز.
إنهم فعلاً مساكين، وإذا كان نصرهم هكذا فكيف تكون هزيمتهم؟!
Leave a Reply