لندن تدعو لمؤتمر دولي حول اليمن.. وصنعاء بين مطرقة التدخل الغربي وسندان الفوضى الداخلية
خاص “صدى الوطن”
منذ مطلع العام الماضي بدأت أخبار “اليمن السعيد” تظهر على الصفحات الأولى للصحف العالمية والعربية ومقدمات نشرات الأخبار، حتى أنها كانت تطغى من حين الى آخر على “شريط” الأخبار في أسفل الشاشات العربية والعالمية، وفي أحيان أخرى حظي اليمنيون بـ”شرف” ميدالية “خبر عاجل” التي عادة ما تكون لبلدان معروفة.
وفيما كان العام ٢٠٠٩ يشرف على نهايته، ومع تفاعل أزمتي اليمن الأساسيتين، “حرب صعدة” و”حراك الجنوب” وما سبباه من “تخلخل” الحكم فيه، جاءت عملية “مطار ديترويت” وما سبقها من غارات عسكرية على ما اصطلح بتسميته تنظيم “القاعدة”، لتشرعن أي تحرك عسكري “أميركي-غربي” ضد هذا البلد ذي الموقع الجغرافي الهام وانتشاله من الفوضى التي وقع فيها. وموقع اليمن “الاستراتيجي” يكمّله، طبعا، موقع الصومال الذي “جدّ” في إقحام نفسه في الصورة. فسارع “الشباب” الصومالي الى التطوع لمساعدة “قاعدة اليمن”، طبعا بعد عرض عسكري إرهابي، شاهدناه على الفضائيات العربية، التي أنعمت علينا بفضاء من الحرية.
ألم يتتلمذ “إرهابي أمستردام-ديترويت” النيجيري في البلدين حسب اعترافه للمحققين فور القاء القبض عليه؟، أم أن هناك حاجة الى دليل فاقع آخر لربط الصومال باليمن؟ ألذلك خرج علينا “شباب” الصومال يفتدون “قاعدة اليمن” حيث أعلن “الشباب المجاهدون” انهم سيرسلون “مقاتلين” للمساعدة على محاربة “اعداء الله” الى اليمن حيث تطارد القوات الحكومية عناصر من تنظيم القاعدة.
معلومة: نيجيريا ثامن أكبر بلد مصدر للنفط.
ولتكتمل الصورة لا بد ان نعرف ان أي تدخل عسكري في اليمن لا يحتاج الى أكثر من “كبسة زر” بعد ان تبرع الأسطول الأميركي وما لف لفيفه، بحماية حركة الملاحة في المنطقة بعد ظهور ما اصطلح على تسميته “قراصنة الصومال” الذين تمكنوا من هزيمة “أم التكنولوجيات” وإيقاف بوارج “طويلة عريضة” بزوارق صيد بدائية.
ما علينا.
بالعودة الى اليمن، هذا البلد الذي يعاني منذ أمد طويل من أزمات متعددة ادت الى اهتراء في بنيته على كافة المستويات يبدو اليوم صيدا سهلا لأي تدخل رغم رفض صنعاء الأسبوع الماضي على لسان نائب رئيس الوزراء لأي تدخل أجنبي مباشر.
فقد قال نائب رئيس الوزراء اليمني راشد العليمي الخميس الماضي ان اي تدخل عسكري اميركي مباشر يمكن ان يقوي تنظيم “القاعدة” بدلاً من ان يضعفه، مؤكدا ان التعاون المنشود مع واشنطن في مكافحة التنظيم المتطرف يتمحور حول التدريب والتسليح وتبادل المعلومات.
وقال العليمي في مؤتمر صحافي ان “التدخل او القيام بأعمال مباشرة من قبل الولايات المتحدة يمكن ان يقوي تنظيم القاعدة ولا يضعفه”.
وتشن قوات الأمن اليمنية، بأوامر ومشاركة أميركية حسب البيانات الصادرة عن البيت الأبيض، حملة واسعة ضد مقاتلي تنظيم “القاعدة” الذين تغلغلوا في جنوب البلاد تحت ستار “حراك الجنوب”.
وقد أطلق اليمن حملة واسعة ضد تنظيم “القاعدة” الثلاثاء الماضي. وصرح مصدر أمني الاثنين الماضي بأن اليمن أرسل آلافا من أفراد الامن للمشاركة في حملة على تنظيم “القاعدة” في ثلاث محافظات وقال ان السلطات اعتقلت خمسة يشتبه بانتمائهم للتنظيم.
وقال المصدر طالبا عدم نشر اسمه “الحملة مستمرة في العاصمة وفي محافظتي شبوة ومأرب”. وتلاحق السلطات أيضا مقاتلي “القاعدة” في محافظة أبين بالجنوب. ولم يتوفر المزيد من التفاصيل عن الحملة.
شمالا، تستمر “حرب صعدة” التي تخوضها السلطات اليمنية مع المتمردين الحوثيين، تحت شعارات متعددة، تبدأ من شعارات مطلبية لإقامة المستشفيات والمدارس.. وصولا الى شعارات مذهبية إقليمية.. نووية. هذه الحرب التي بلغت ذروتها مع دخول السعودية على الخط والمشاركة في الحرب الدائرة في المحافظات الشمالية دخلت مؤخرا في حالة من الرتابة أو “المونوتون”.
ولكن من غير الجلي الآن مع صعود “القاعدة” الصاروخي في جنوب اليمن مدى أهمية وفعالية التمرد الحوثي بعد ان أبلى بلاء حسنا في إضعاف حكم صنعاء، فهل يدخل التمرد نوعا من الهدوء أم سيكون عنصرا فاعلا في رسم مستقبل البلاد؟
آخر التطورات أكدت ان المتمردين يبدون تجاوبهم مع “يد الرئيس اليمني الممدودة” ودعوته للاستماع إلى “صوت العقل” لإعادة السلام والالتزام بالشروط التي وضعتها الحكومة لاعادة السلام الى هذه المنطقة وانهاء احتلال المباني الحكومية واحترام القانون.
فقد ابدى المتمردون الحوثيون، استعدادهم للحوار مع الحكومة في حال اوقفت هجومها عليهم، إلا أن ذلك لم يمنع السعودية من مواصلة غاراتها على المتمردين.
وقال محمد عبد السلام المتحدث باسم التمرد “عندما تتوقف الحرب فنحن مستعدون للحوار”. وقال عبد السلام ان الحركة ستعلن قبول شروط صنعاء بعد وقف العمليات العسكرية التي تستهدفها في شمال البلاد “بشكل تام”.
تمهيد أميركي
أمام هذه الصورة لا بد من البحث في ما يدور على الضفة الأميركية. فقد انشغلت وسائل الإعلام الأميركية، المكتوبة والمرئية والمسموعة، فور اعترافات “الإرهابي النيجيري-اليمني-الصومالي” بالبحث في سبل الاتقاء من خطر “القاعدة” المتزايد. لم يكن السؤال قط فيما إذا كان يحق لأميركا التدخل في اليمن أو لا بل السؤال هو: كيف وبأي وتيرة.
فهناك من دعا الى أن تتحرك الولايات المتحدة بحذر في اليمن اذا كانت تريد تجنب توسيع نطاق جاذبية تنظيم “القاعدة” دون قصد “في بلد يعاني من الفقر والفساد والصراع”.
وهناك من دعا الى التحرك الفوري والسريع وعدم إعطاء الإرهابيين فرصة لتنظيم صفوفهم.
وطبعا هناك من طلب زيادة المساعدات لحكومة الرئيس علي عبد الله صالح على الرغم من أن دبلوماسيين أميركيين وغربيين يقولون “انها ينتشر فيها الكسب غير المشروع كما أن شرعيتها غير مكتملة الأركان”.
في جميع الاحوال، لأميركا الحق في تحديد مصير اليمن.
وبما أن الكلام وحده غير كاف ليشعر الأميركيين بخطر “القاعدة” الداهم في اليمن، كان لا بد من خطوات عملية، فتمت عملية إغلاق السفارة الأميركية في صنعاء وحذت عدة دول أوروبية حذو واشنطن على رأسها بريطانيا، طبعا. لكن تم لاحقا اعادة فتحها!
وفي السياق، اتفقت بريطانيا والولايات المتحدة على تعزيز عملهما على مكافحة الارهاب في اليمن والصومال اثر “العملية الفاشلة”، على ما اعلنت رئاسة الوزراء البريطانية. وصرح رئيس الوزراء البريطاني غوردون براون الاحد الماضي “ينبغي اعتبار اليمن، الى جانب الصومال، كاحدى المناطق التي ينبغي لا مراقبتها فحسب، بل ايضا مضاعفة الجهود فيها (…) سنتعاون مع السلطات الاميركية (…) لدعم حملة مكافحة الارهاب التي تشنها السلطات اليمنية”.
ويأتي اعلان رئاسة الحكومة البريطانية بعد يومين من الدعوة التي اطلقها براون لعقد مؤتمر دولي حول اليمن ومكافحة الارهاب في 28 كانون الثاني (يناير) في لندن، بموازاة المؤتمر المقرر عقده حول افغانستان في العاصمة البريطانية في اليوم نفسه.
وتنتشر في الصومال حاليا قوة لحفظ السلام تابعة للاتحاد الافريقي والامم المتحدة لا يزيد عديدها عن 5300 عنصر. ويسيطر مقاتلو حركة الشباب الاسلامية المتطرفة على قسم كبير من انحاء البلاد في حين لا يزيد نطاق سيطرة الحكومة الانتقالية الهشة المدعومة من قوة الامم المتحدة عن بعض احياء العاصمة مقديشو.
Leave a Reply