بيروت – كمال ذبيان
«إرهاصات التمديد» لمجلس النواب اللبناني، هو ما يسود الكتل النيابية، مع دخول الإنتخابات النيابية موعدها الدستوري ابتداءً من 18 آب، وهو التاريخ الملزم في أن يصدر خلاله مرسوم دعوة الهيئات الناخبة قبل 90 يوماً وفق المادة 44 من القانون، واعدّ وزير الداخلية نهاد المشنوق كل ما هو مطلوب منه، ورفعه الى الحكومة التي وقع اعضاؤها في جلستها الأخيرة على المرسوم، وكالة عن رئيس الجمهورية الشاغر منصبه والذي أناط الدستور بالحكومة مجتمعة ومن كل أعضائها أن يوقّعوا عنه، وتاخرت عن الموعد يوماً واحدا ما قد يعرّض المرسوم للطعن من قبل أي متضرّر، وأزاحت عنها مسؤولية عدم الدعوة للإنتخابات، ورمت الكرة في ملعب مجلس النواب الذي تقع عليه مسؤولية التزام تطبيق القانون او التمديد لنفسه لأن ثمة كتل نيابية تدعو الى إرجائها والتي أعلن عنها وزير الداخلية أن الظروف الأمنية لا تسمح بها، كما أن كتلاً نيابية أخرى لاسيما المسيحية منها تدعو الى حصولها كلّ حسب ظروفه السياسية.
والكتل النيابية لم تصدر عنها مواقف واضحة حول الاستحقاق النيابي بل غموضاً، لأن كل كتلة تربط الإنتخابات بشروط، مثل إجراء الرئاسية قبل النيابية، حيث يُجمع الأطراف السياسيون على ضرورة انتخاب رئيس للجمهورية قبل النيابي، لأنه في حال حصلت الإنتخابات النيابية، فإن الحكومة تصبح مستقيلة حُكماً، وفي حالة الشغور الرئاسي، فمن سيقوم بالاستشارات النيابية الملزمة لتشكيل حكومة جديدة، ولا بدّ من أن تسبق الإنتخابات الرئاسية الأخرى النيابية، وهذا ما تؤكّد عليه «كتلة المستقبل»، وهي تلتقي مع دعوة البطريرك الماروني بشارة بطرس الراعي على ضرورة انتخاب رئيس للجمهورية، لأن المصلحة الوطنية تفترض وجود رأس للدولة، وأن هذا الموقع الماروني خاصة والمسيحي عامة، لا يجوز أن يبقى شاغراً، في زمن «هجرة المسيحيين من الشرق»، وما يصيبهم على يد التكفيريين الإرهابيين في العراق وسوريا ودول أخرى، كما في طردهم على يد الصهاينة من فلسطين المحتلة، لإفراغ مهد المسيح من المسيحية.
ففي العلن، لا أحد يتحدث عن التمديد لمجلس النواب، وهو الممدّد له 17 شهراً ولأسباب موجبة تتعلّق بالوضع الأمني، وهي ذاتها التي تقدّم بها النائب نقولا فتوش في اقتراحه الى مجلس النواب للتمديد له، حتى نهاية ولايته الثانية الممددة في 17 حزيران 2017 (عامان وسبعة أشهر)، وهو سيستخدم عند الضرورة، وفي اليوم الأخير أو بما قبله للتمديد للمجلس، كما حصل في المرة السابقة، ولكن قبل الوصول الى التمديد، لا بدّ من وضع شروط من كل طرف وربطها بمطالب لهذا الفريق السياسي وذاك، حيث يرفض الرئيس نبيه برّي التمديد لمجلس نيابي عاطل عن العمل، ومقفل أمام التشريع، ولم ينتج في فترة التمديد له، وأن أعضاءه يقبضون رواتبهم وهم لا يستحقونها، وهو أوصل رسالة الى «كتلة المستقبل» تحديداً والتي ترغب بالتمديد كما أكّد رئيسها فؤاد السنيورة، وحاول الرئيس سعد الحريري المزايدة على المسيحيين وكسبهم، أنه يقدّم الإنتخابات الرئاسية على النيابية لكنه أعلن أنه سيقبل بالتمديد كي لا يحصل الفراغ، وهو ما أبلغه الى الرئيس برّي الذي اشترط عليه، أن لا تقاطع كتلته جلسات مجلس النواب مما يعطّل أعمال الدولة ويشلّها، كما هو حاصل منذ اشهر وفي مواضيع اساسية وضرورية مثل سلسلة الرتب والرواتب للمعلمين والأساتذة والموظفين والعسكريين والأجراء، وهو ما تسبب بضرر كبير على التعليم والإمتحانات والطلاب، وأوقف العمل بإدارات الدولة، وهذا الوضع لا يمكن أن يستمر قال برّي للحريري، وإذا كنت أعلنت ومارست، بأن لا تعقد جلسة نيابية يغيب عنها مكوّن أساسي من مكونات المجتمع حفاظاً على «الميثاقية» التي أكّد عليها الدستور، فلا يعني ذلك إقفال مجلس النواب قال رئيسه لرئيس «تيار المستقبل» وللسنيورة، والأفضل في هذه الحال عدم التمديد لمجلس نيابي عاطل عن العمل حتى لو أدّى ذلك الى حصول فراغ فيه وانتهاء مهلة وجوده الدستورية، وليتم البحث عندها في صيغة النظام السياسي كلها قال برّي الذي أكّد، أنه كما لا يقبل أن لا تحصل إنتخابات رئاسة الجمهورية وتتعطّل ويصيبها الشغور فإنه يرفض التمديد لمجلس النواب الفارغ من مضمونه أيضاً.
وفي ظل هذا التباين حول التمديد لمجلس النواب وشروطه وظروفه، فإن النائب وليد جنبلاط يدعو الى انتخابات رئاسة الجمهورية، وفي الوقت نفسه لا يعارض التمديد لأسباب تقنية وليست سياسية، وأن تكون المدة قصيرة، لا كما يقترح فتوش أن يكمل المجلس ولايته الثانية الممدّدة، لأن الوضع الأمني لا يقنع اللبنانيين، لاسيما مجتمعهم المدني كما جمعياتهم التي تهتم بالإنتخابات وحصولها ديمقراطياً وتطوير قوانينها وشفافيتها ونزاهتها، بأن عدم الاستقرار الأمني، أو وجود بؤر أمنية في طرابلس وعرسال وبعض البقاع، وضغط مليون ونصف مليون نازح سوري، هو ما يمنع حصول الإنتخابات كما أعلن الوزير المشنوق واستند الى تقارير الأجهزة الأمنية إذ يرد عليه الداعون لإجرائها، بأن الحكومة أقرّت خطة أمنية لطرابلس والبقاع وقد نجحت بتطبيقها بنسبة عالية كما اكد رئيسها ووزراء قيها ، وفرضت إجراءات منعت حصول اشتباكات بين جبل محسن وباب التبانة، وأُدخل قادة المحاور الى السجن، وفرّ علي ورفعت عيد، كما أن عرسال حرّرها الجيش من المسلحين التابعين لـ «داعش» و«جبهة النصرة» ومجموعات أخرى، وباتت آمنة بنسبة عالية، ولا يوجد عذر أمني لعدم إجراء الإنتخابات التي قد تحصل في أكثر من يوم بتعديل القانون لضبط الأمن أكثر وهو مستقر في بيروت وجبل لبنان والجنوب وأجزاء كبرى في الشمال والبقاع، وأن دولاً فيها اضطرابات أمنية أكثر وأعمال إرهابية أوسع وتعيش حروباً، وحصلت فيها الإنتخابات كما في العراق وسوريا ومصر وليبيا واليمن والجزائر إلخ…، ويتباهى المسؤولون اللبنانيون أن لبنان مازال أفضل بين كل البلدان المحيطة به أمنياً، وهو يحاول أن يمنع الحريق من الامتداد إليه، وقد نجح في ذلك وتحديداً في عرسال التي هي على تماس مع الأزمة السورية وتأثّرت بتدفق مسلحين إليها هربوا من جبال القلمون وريف حمص.
فالتمديد بات أمراً واقعاً وتنقصه القوننة، وأن احتمال حصول إنتخابات نيابية يوازي حصول إنتخابات رئاسية، وفي الاستحقاقين تصرّ الكتل النيابية المسيحية مثل «الإصلاح والتغيير» برئاسة العماد ميشال عون و«القوات اللبنانية» و«الكتائب» والنواب المستقلين على ضرورة حصولهما، على أن تسبق الرئاسية النيابية، وإذا لم تحصل الأولى فلا مشكلة في أن تجرى الثانية وفق تأكيد هذه الكتل التي ترى كل منها ومن منظورها الإنتخابي، أن النتائج ستكون لصالح كل طرف، إذ يرى العماد عون أن الإنتخابات لو حصلت وفي ظل التطورات التي تعصف في المنطقة وما تعرض له المسيحيون من التكفيريين الذين كان أول مَن حذّر من خطرهم، فإن المناخ المسيحي معه، وسيزيد من كتلته النيابية في مناطق لم يفز مرشحوه فيها مع حلفائه، مثل الكورة وزحلة والبقاع الغربي – راشيا ودائرة بيروت الأولى، وفي هذه الدوائر سيؤمّن أكثرية نيابية له ولحلفائه، تمكّنه من التحكّم برئاسة الحكومة، كما في انتخابات رئاسة الجمهورية، وهو ما يدحضه رئيس القوات سمير جعجع الذي ووفق حساباته يعتبر عون ضعف شعبياً وتقدّم هو في المناطق المسيحية، وسيعدل هو وحلفاؤه النتائج لصالحهم، ولا يعود عون يمثل الكتلة النيابية المسيحية الأكبر، في وقت يسعى حزب الكتائب الى رفع تمثيله النيابي ليس بحجم «التيار الوطني الحر» و«القوات اللبنانية”، لكنه يفرضه أو يضعه «بيضة القبان» كما هو حال وليد جنبلاط بين 8 و14 آذار. فهذا الجدل البيزنطي حول الانتخابات النيابية، ليس سوى ملهاة للبنانيين الذين يخشون كما غيرهم من دول المنطقة من خطر وجودي حقيقي يمثّله الإرهاب التكفيري الذي يضرب في كل العالم، واصبح له دولة في العراق وسوريا، تحت مسمى «الدولة الإسلامية»، ويسعى أميرها ابوبكر البغدادي التمدّد باتجاه دول أخرى لإكمال «خلافته الإسلامية»، والتي أطلّت على لبنان من عرسال وجرودها، وكادت أن تنجح لولا تصدي الجيش البطولي لها، وتقديم شهداء وجرحى وأسرى، وارتفاع الوعي الوطني والسياسي لدى القوى السياسية والحزبية اللبنانية، وإدراك الخطر القادم، فإن التمديد أو إجراء الإنتخابات، أو سد الشغور في رئاسة الجمهورية، تبقى مسائل جانبية على أهميتها، في ظل ما يتهدّد الكيان في وجوده ونظامه، والحل الأمثل هو التوافق على رئيس للجمهورية كما حصل في العراق الذي يشبه نظامه السياسي لبنان والقائم على «فدرالية طائفية ومذهبية» بحيث ينتخب الأقوى مسيحياً رئيساً للجمهورية، وهذا ما أبلغه الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصرالله الى النائب وليد جنبلاط، بأن العماد عون هو المرشّح الأوفر إلا إذا تراجع عن الترشيح، كي ننصف المسيحيين، وشجّعناه على الحوار مع «تيار المستقبل» ورئيسه سعد الحريري، فلا يجوز التأخير، وقد تحصل الإنتخابات الرئاسية غداً، وقبل الإنتخابات النيابية في أيلول، التي يصبح استحقاقها طبيعياً سواء على القانون الحالي أو على أساس القانون المرسل من الحكومة السابقة، وتكون الصناعة لبنانية رئاسياً ونيابياً، ولا يحتاج لبنان إلى الإستعانة بصديق…
Leave a Reply