إن الله، جل وعلا، يمهل ولا يهمل.
كانت إسرائيل ترعب العالم، وخصوصاً أنظمة التقاعس العربي والردة، فتعيث فساداً وخراباً بالأرض والكرامة والحجر والبشر، وكانت إستخباراتها تصل إلى غرفة نوم أي “مسؤول” عربي في أية لحظة، ليلاً ونهاراً فقط، ذلك أن جهاز “الموساد” الجهنمي ودستة من اجهزتها الأمنية المرعبة، تعمل على مدار الساعة تخطط وتفكر وتنفذ بينما العرب نيام أو في حالة أحلام اليقظة، إلى أن أرسل عليهم سبحانه وتعالى حجارة من سجيل مقاومة وطنية لبنانية ملتزمة داست على اسطورتهم وبيت عنكبوتهم فجعلت تفوقهم الموهوم هباءً منثوراً.
العرض المنطقي المتسلسل والسلس الذي قدمه السيد نصرالله حول “الآفاق الجديدة” في التحقيق في جريمة إغتيال الرئيس رفيق الحريري، كان مذهلاً ومدهشاً ولم يترك زيادة لمستزيد، لكن فريق مسلسل “الدنيا هيك” كان مثل “شاهد ما شافش حاجة”!
عجيب أمر صغار “١٤ آذار”! حتى إسرائيل التزمت شبه صمت عن الكلام المباح (مع بعض الشتائم بعد فضيحة إختراق صور إستطلاع طائرات “أم ك”) لكن فريق “الدنيا هيك” تولى الرد عنها وحمايتها. بل قبل المؤتمر حاول هؤلاء تفريغه من مضمونه. وكالعادة، أدلى فتفت الخبير في شؤون الدفاع بتوزيع “الشاي السنيوري” والعلوش بدلوهما مشككين بصحة المعلومات الخطيرة ثم تبعه رحال الذي سخف ما قاله السيد ولحقه كبارة الساخر من الإطلالات التليفزيونية، هذا المحرض على الفتنة الذي قال يوماً “ان طرابلس عاصمة السنة”، كان عليه أن يشعر بالإعتزاز لنجاح المقاومة في إسقاط التفوق التكنولوجي الإسرائيلي بدل أن يتهكم على “فريق الإعداد والإخراج”. ليستحي هؤلاء من أنفسهم لأن حتى بلمار نفسه وصف الوقائع الواردة في المؤتمر الصحافي بالقرائن وطلب ايداعها لدى المحكمة التي لم يخطر في بالها البتة الفرضية الإسرائيلية!
البارز في “قرطة حنيكر” هذه المرة، أمين الجميل الذي وصف فيلم الإستطلاع الإسرائيلي الذي عرض في المؤتمر الصحافي بأفلام “جيمس بوند”! هذا الجميل يذكرني بـ”فرنكشتاين”، المخلوق المركب من أعضاء مختلفة ألفت إنساناً مسخاً كالسياسي المتكون من عناصر متضادة. هذا المخلوق وابنه “النعنوع”، الذي لم يفقس بعد من البيضة السياسية قبل أن يرث موقع أخيه، هما آخر من يحق لهما أن يتكلما بعد “مآثر” حزبهما وتيار “بشير حيةٌ فينا” في خراب البلد. من منا ينسى تصريحه “المشمئز” من حديث “أشلاء الجنود الإسرائيليين” الذين جمعوا بعد فشل عملية “أنصارية” التي أدت إلى تحرير باقي الأسرى والشهداء؟
كل الفضائيات، مع ملايين الناس في لبنان والعالم العربي، كانت مسمرة لسماع الخطاب الذي أحدث إنقلاباً ودوياً هائلاً في عالم الإستخبارات بسبب إمتلاك حركة تحرر لهذه الامكانات الهائلة التي تعجز عنها دول أشباه الرجال، حتى محطة “العبرية” التي مع “سقيفة” الشرق الأوسط السعودية إذا جرح عصفور في إيران وضعت خبره في صدر صفحتها الأولى، بثت المؤتمر الصحافي بثاً حياً، إلا محطة “المستقبل” التي تجاهلت الموضوع تماماً فموضوع المحكمة الدولية وإمكانية تورط إسرائيل غير مهم! لم لا ففي عز القلق الوطني وحادثة “العديسة” البطولية التي كادت أن تؤدي إلى حرب مع إسرائيل، سافر سعد الحريري إلى “سردينيا” ولم يقطع إجازة الإستجمام في حين يعيش المواطنون كالسردين في مناطق لبنان أيام الحار الشديد وإنقطاع الكهرباء عن المناطق الشعبية لا مناطق المصايف الممذهبة. كم من رجل دولة قطع إجازته عندما تحل حادثة صغيرة في بلده، إلافي “شبه الوطن” فالشواذ هو القاعدة.
إن موقف الحريري بأنه إذا رفضت إسرائيل التحقيق معها ستكون مدانة، غير كاف. فالكل يعلم أنها إستثناء دولي لا يطبق عليه القرارات وأن المحكمة أسست في الأصل من أجل تحقيق اهدافها هي وأهداف المؤامرة على المقاومة ثأراً منها. فهذه المحكمة منذ فيتزجرالد وحتى بلمار كانت موبوءة ومرصودة لهدف وحيد بسبب تهريبها من قبل السنيورة في ليلٍ مظلم ومن دون إجماع وطني. أي محكمة تعتمد على شهود زور ثم تتبرأ منهم من دون أن تحاكمهم أو توقف تداعيات “شهاداتهم”؟ لقد فقدت المحكمة مصداقيتها تماماً والكرة الآن في ملعب الحكومة اللبنانية التي عليها أن تعيد النظر في طريقة عملها وتتأكد أنها تسعى للحقيقة والعدالة، لا أن تترك فارس خشان وجوني عبدو وغيرهما يعبثون بها حسب الأهواء والنزوات (بالمناسبة كيف سمحت السلطات اللبنانية بدخول جوني عبدو إلى لبنان مع أنه مطلوب؟ ربما لأنه إستخدم مصادره المتعددة منذ كان رئيساً للشعبة الثانية؟).
لقد حققت المقاومة نصراً جديداً هذا الأسبوع على صعيد الخرق العسكري التقني مما سيؤدي إلى دحرجة رؤوس في إسرائيل، لكن الرؤوس الحامية من جماعة “شاهد ما شافش حاجة” ستبقى على مواقفها الجائرة حتى تدحرج الوطن برمته!.
Leave a Reply