فاطمة الزين هاشم
أليس الحنين مستوطناً فـي حنايا قلوبنا؟ أم أنّه يندثر مع اندثار الوفاء وانبراء العواطف الغامضة التي سرعان ما تظهر حقيقتها عند أوّل هبوب لها مهما كانت خفـيفة وبسيطة، إنّه شعور مخيف وموجع يظلّ ينخر فـي الداخل ليبقى ملازماً إن لم توقفه قوّةٌ خفـيّة تتيحها الإرادة.
كانت بالأمس تتفقّد بحواسّها كلّ ما يبدر من ذلك الرجل
من ملامح الحرص والمحافظة على الميلان نحو الكفّة الراجحة لديمومة العلاقة بها، حتّى جاءت تلك اللحظة التي أفقدته التوازن لتفقد معها
كلّ ثقة أو شعور بالأمان منحته إيّاه طيلة عمر مديد، إحساس غامض هو الآخر، كان يؤكّد لها ذلك دون أن تجد فـي الواقع حجّة عليه تثبت ظنونها وشكوكها.
وحين راحت تبحث فـي ملامح وجهه يائسة بعد تلك العاصفة، عن أيّ بارقة أمل فـي فرح ما أو سعادة ألفتها منه، كي تبرّر بحجّة قاطعة على أنّه كان الزوج الحبيب المخلص، أو انّها كانت حبيبته، لكنّها خلصت ببياض اليد حين أيقنت بأنّه لم يكن يبدو على وجهه أيّ شعور خاص غير النظرات القلقة التي فقدت بريقها المعهود.
ورغم كلّ ذلك راح يقابلها بحرارة فسّرتها على طريقتها بأنّها شعور بالذنب أو ربّما الندم أو العرفان بالامتنان لقاء تحمّلها نزواته الكثيرة والمتكرّرة طوال حياتها معه، بحيث ترسّخ لديها الشعور بأنّ شيئاً ما قد انكسر بينهما، ولم يعد هناك أمل فـي ترميمه، أصبح ليله بارداً، ولم يعد يذكّرها سوى بسنين الصقيع وخيبة المصير، فتركها واقفة لوحدها فـي مهبّ الريح! إلى أن أصبح جليد اللقاء يستفزّ أنوثتها وكبرياءها، لتهرع إلى المرآة، واقفة أمامها، وهي تخاطب نفسها قائلةً: إنّكِ لواهمة حين تطلّعتِ إلى ذلك الصرح الذي كم حاولتِ أن تجعلي من أسسه متينة وقويّة، لكنّ انهياره المحتوم يظلّ عرضة لمعول الظنون.
وها هو الأفق يتّسع أمام عينيكِ، وهو الكفـيل بإزاحة الحنين، فأنتِ لا زلتِ يحدوكِ الشباب، وما تزالين جميلة تشعّين نظارة وألقاً، فاحتفظي لنفسكِ بالأشياء الجميلة..صحّتكِ..جمالكِ وآمالكِ، لا تدعي الكبرياء يغيب عنكِ فتنطوين جريحة على نفسكِ بعيدة عن مصادر السعادة، لأنّ السعادة هي من صنع الإنسان، كما التعاسة من صنعه أيضاً، رغم أنّها فـي أغلب الأحيان تتأثّر بأجواء المحيط.
عندما ترين منظراً أو تسمعين كلاماً لا يعجبكِ شدّي على أزرار معطفكِ بالإ قفال من دون أدنى اكتراث، كي لا تصل مزعجاتها إلى قلبكِ النظيف، واندمجي فـي نشاط يلائم طبعكِ، وفّري لحياتكِ الارتواء من معين كلّ جميل، ولا تذرفـي ولو دمعة واحدة من عينكِ إذ ليس هناك من يستحقّها أو يستأهل قيمتها الثمينة، وجنّبي نفسكِ مظاهر المجتمع الكاذبة، لأنّها لا تضيف لكِ شيئاً.
مارسي العيش فـي هدوء وسكينة، كم هو رائع ذلك خاصّة حين نجهل ما يخبّئ لنا القدر، وقد يكون الغد أفضل من الحاضر، والآتي أفضل من الماضي، فلترتدين وشاح الأمل، وانسجي من خيوطه ثوب السعادة، وانفضي عن نفسك غبار الألم، فلربّما تحبّين ثانيةً ويملأ الحبّ حياتكِ حبوراً وانشراحاً، فالعمر لا يقاس بعدد السنوات، والشباب هو شباب القلب، وبما أنّ هذا القلب ينبض، فهناك أمل وحياة جميلة تنتظركِ.
Leave a Reply