في خطوة اعتبرها رئيس بلدية ديترويت مايك داغن، دليلاً إضافياً على ولادة ديترويت الجديدة، بدأت يوم الإثنين الماضي المرحلة الأخيرة من مشروع إزالة مجمع «بروستر- دوغلاس» السكني، والتي تتضمن هدم الأبراج الأربعة المهجورة، وهي آخر ما تبقى من المجمع الشعبي الذي يعود تاريخ إنشائه للعام ١٩٣٥.
وقال داغن إن إدارته تتباحث مع وزارة الإسكان الفدرالية عن أفضل السبل الممكنة للاستفادة من أرض المجمع المهجور، والتي تقع ضمن منطقة «براش» العريقة، مباشرة شمالي «الداون تاون».
ويحيط الطريق السريع «٧٥» بمنطقة منتزه براش من الجنوب والشرق، فيما يحدها من الشمال شارع ماك وشارع وودورد من الغرب، علماً بأن محيط الأخير يشهد نمواً سكانياً وازدهاراً تجارياً لافتاً، بما في ذلك منطقة «ميدتاون» حيث يقع حرم جامعة «وين ستايت». وبالتالي فإن الأراضي المملوكة للبلدية هناك ضمن منطقة «براش بارك»، لها أهمية حيوية في جهود إنهاض ديترويت، بحسب داغن الذي لم يحدد أية وجهة لمستقبل هذه المنطقة الحيوية، وسط مؤشرات على إمكانية إنشاء مجمعات سكنية جديدة مستقبلاً بسبب الطلب المتزايد على السكن في المنطقة.
والمعروف أن أحياء براش بارك تمتد على مساحة ٢٢ بلوكاً، وإضافة الى مجمع دوغلاس، فإنها تشمل منطقة «شرق وودورد التاريخية» التي تحظى بأهمية وطنية، حيث تحتضن مبانيَ ومنازلَ لها قيمة تاريخية نادرة ويعود بناء بعضها الى أواسط القرن التاسع عشر.
وقال رئيس بلدية ديترويت في مؤتمر صحفي عقده بمناسبة إطلاق المرحلة الأخيرة من أعمال الهدم التي بدأها سلفه دايف بينغ، إن «هذه الأبراج ظلت لسنوات طويلة رمزاً لانحدار وتدهور ديترويت». وتابع داغن وسط تحضيرات العمال لمواصلة أعمال الهدم بالقول «نحن لا نهدم من أجل الهدم، بل بهدف البناء من جديد».
ومن المتوقع الإنتهاء من أعمال الهدم في غضون شهرين وذلك تتويجاً لجهود بدأت في أيلول (سبتمبر) الماضي، بعد أن تلقت بلدية ديترويت مبلغ ٦,٥ مليون دولار من وزارة الإسكان الأميركي لإزالة جميع وحدات المجمع (٦٦١ وحدة) المنتشرة على كامل مساحة المشروع (١٨,٥ آيكر). وقد قامت إدارة بينغ بإزالة جميع المنازل المؤلفة من طابقين فيما تركت الأبراج للمرحلة الأخيرة، علماً بأن هذا المجمع مهجور تماماً منذ العام ٢٠٠٨.
وأشار داغن، الى أنه لن يتم هدم الأبراج عن طريق المتفجرات بسبب قربها من الطريق السريع «٧٥» ما قد يهدد سلامة السائقين. واستعيض عن ذلك باستخدام تقنية أخرى للهدم بواسطة معدات ثقيلة (أنظر الصورة).
وقد وقف الى جانب داغن في المؤتمر الصحفي مسؤولان فدراليان هما نائب وزير الخزانة الأميركي، دون غرايفز، وهو مبعوث الرئيس باراك أوباما لمساعدة ديترويت، وساندرا هنريك مساعدة وزير الإسكان، إضافة الى رئيس بلدية ديترويت السابق دايف بينغ الذي حصل على المنحة الفدرالية لهدم المجمع.
ولفتت هنريك الى أن الهدف من أعمال الهدم ليس فقط إزالة منظر الأبراج المزعج لنظر السائقين على الطريقين السريعين «٧٥» و«٣٧٥»، «بل هو وعد بإعادة الأمل لسكان ديترويت».
مجمع سكني شيد خصيصاً للسود
أطلق مجمع «بروستر-دوغلاس» المملوك لبلدية ديترويت بمبادرة من سيدة أميركا الأولى إليانور روزفلت استجابة للنمو السكاني المضطرد للأفارقة الأميركيين في ديترويت وكانوا جميعهم من محدودي الدخل، ليكون بذلك أول وأكبر مجمع سكني تبنيه الحكومة الأميركية «للعمال الفقراء».
وقد بلغ المجمع ذروته في الخمسينات حيث احتضن حوالي ١٠ آلاف شخص، غير أن أحواله بدأت بالتدهور في الستينات والسبعينات مع ارتفاع معدلات الجريمة وتخفيف الشروط المطلوبة للسكن فيه.
واستمر الإنحدار الى أن أقفل أمام السكان قبل حوالي سبع سنوات، وقد نهبت جميع محتوياته.
|
||
وقد شيدت جميع أبراج المجمع أوائل الخمسينات، إلا أنه تم هدم اثنين منها في العام ٢٠٠٣، في حين بدأت الإثنين الماضي إزالة الأبراج الأربعة المتطابقة (١٥ طابقاً) التي شكلت على مدى السنوات الماضية، منطقة لجذب العصابات وهواة الرسم على الحيطان (غرافيتي). |
وهذه الأبراج هي آخر ما تبقى من المجمع الذي له أهمية رمزية بالنسبة لتاريخ الأميركيين السود في المدينة. إذ أنه بين العام ١٩١٠ و١٩٤٠ شهدت مدينة ديترويت ارتفاعاً متصاعداً للسكان السود، ما دفع إدارة الرئيس فرانكلين روزفلت الى تمويل المجمع الذي افتتح في العام ١٩٣٨ وكان يضم ٧٠٠ وحدة سكنية، قبل توسعته في العام ١٩٤١ ليضم ٩٤١ وحدة، سكن بعضها عدد من مشاهير المجتمع الإفريقي الأميركي في ديترويت، بينهم المغنيتان ديانا روس وماري ويلسون. وقد أزيلت معظم الوحدات الأساسية في العام ١٩٩١ حيث تم استبدالها بـ٢٥٠ منزلاً هجرت جميعها لاحقاً.
ويحمل المجمع اسم فردريك دوغلاس (١٨١٨-١٨٩٥) وهو عبد سابق أصبح كاتباً وأحد دعاة التحرير من العبودية والدفاع عن حقوق السود.
باريس الغرب الأوسط
يذكر أن منطقة براش بارك الواقعة على الجهة الشرقية من شارع وودورد تضم ٢٢ بلوكاً سكنياً فيها عدد من أجمل المعالم التاريخية للمدينة. وبراش هو اسم عائلة ثاني رئيس بلدية لديترويت، إيليجا براش (١٨٠٦)، الذي قام ابنه لاحقاً بتطوير ممتلكات العائلة من الأراضي الواقعة الى الشمال من «الداون تاون»، حيث قرر إدموند براش تحويل جزء منها الى أحياء سكنية مخصصة للأثرياء ورواد المجتمع. وقد بدأ العمل على تشييد مباني ومنازل هذه المنطقة عام ١٨٥٠ وآخر منزل شُيِّد فيها يعود للعام ١٩٠٦، وهو منزل صممه وبناه لنفسه المهندس الألماني ألبرت كان، وهو من أشهر المعماريين في عصره ويعرف بـ«مهندس ديترويت» وقد توفي في منزله هذا سنة ١٩٤٢ عن عمر ناهز ٧٣ عاماً.
وتتميز هذه المنطقة الواقعة الى الشرق من شارع وودورد بجمال تصاميم منازلها ومبانيها، الأمر الذي أكسبها في فترة أواخر القرن التاسع عشر، لقب «باريس الغرب الأوسط» الأميركي حيث سكنها أثرى أثرياء البلاد، ومع التبدلات الديمغرافية التي شهدتها المدينة في بدايات القرن العشرين، وقرار الحكومة الفدرالية بإنشاء «مجمع دوغلاس» للسود الذي سيختفي قريباً من سماء ديترويت.
Leave a Reply