الحرب على سوريا في عامها السابع، سترسم خارطة جيوسياسية جديدة للمنطقة، كما كانت الحرب الأميركية على العراق، في العام 2003، والحرب الأميركية–الإسرائيلية في صيف 2006 على لبنان، إذ تدخل هذه الحروب ومن قبلها وبعدها ما يسمى بـ«الربيع العربي» ضمن مشروع «الشرق الأوسط الجديد» الذي وضعه رئيس الحكومة الإسرائيلية الأسبق شيمون بيريز، وسوّق له مع مؤتمر مدريد للسلام في العام 1991، لحل مسألة الصراع العربي–الإسرائيلي، وتحديداً الفلسطيني–الإسرائيلي، وبات يعرف فيما بعد بإسم «الشرق الأوسط الكبير» الذي تبنّاه الرئيس الأميركي جورج بوش الابن، وتيار «المحافظين الجدد» في الإدارة الأميركية، وهو مستمر اليوم وإن تغيّر الرؤساء في البيت الأبيض.
هلال شيعي أم مقاوم؟
الغزو الأميركي للعراق الذي أسقط نظام صدام حسين في نيسان (أبريل) 2003، وزرع الفوضى في بلاد الرافدين، مفسحا المجال أمام إيران للتوسع إقليمياً عبر بوابة الأحزاب السياسية والتيارات الدينية الحليفة لها، مما أعطاها ورقة نفوذ في المنطقة ازداد توسعاً ونفوذاً مع ثبات حلف المقاومة مع سوريا و«حزب الله».
ومنذ غزو العراق بدأ يصدر كلام عن أنظمة ملكية عربية لاسيما خليجية عن تمدد إيراني وُصف بـ«المشروع الفارسي» على حساب تضييع الهوية العربية ونشر المذهب الشيعي (الإثني عشري)، وهو ما سماه الملك الأردني عبدالله بن الحسين بـ«الهلال الشيعي» الذي يمتد من طهران إلى بيروت مروراً ببغداد ودمشق، إضافة إلى العلاقة المتنية مع فصائل المقاومة الفلسطينية مثل حركتي «حماس» و«الجهاد الإسلامي» ومنظمات أخرى.
في المقابل، رفعت الجمهورية الإسلامية الإيرانية شعار «الموت لإسرائيل» بوصفها غدة سرطانية يجب أن تقتلع من المنطقة، وأقامت «يوم القدس» في الجمعة الأخير من شهر رمضان كل عام، ودعمت المقاومة الفلسطينية بالمال والسلاح إلى جانب دعم المقاومة في لبنان، وتحديداً «حزب الله».
بدورها، سعت إسرائيل وبالتعاون مع أميركا على إسقاط «الهلال الشيعي» الذي هو «هلال المقاومة» في المنطقة، بحسب ما سماه الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصرالله.. فكان اغتيال الرئيس رفيق الحريري في 14 شباط 2005، كمقدمة للإجهاز على محور المقاومة عبر خلق فتنة سنّيّة–شيعية ثم العمل الدوؤوب على إذكائها وتحضير الأرضية الفكرية لها بالتوازي مع البدء بتنفيذها في الميدان العراقي.
صمود في لبنان
استعمل اغتيال الشهيد الحريري للضغط على سوريا و«حزب الله»، وإشغال المقاومة في صراعات داخلية، وعندما فشل المخطط الأميركي–الإسرائيلي، وصمدت المقاومة سياسياً وأجهضت مع حلفائها مشروع تحالف 14 آذار بالاستيلاء على مفاصل الدولة، فكان لابدّ من عدوان يدمّر قوتها العسكرية وينهي وجودها التنظيمي، فكانت الحرب الإسرائيلية في 12 تموز 2006، التي برّرتها الدولة العبرية، بأنها رد على استهداف دورية إسرائيلية وخطف ثلاثة جنود منها.
صمدت المقاومة مع الجيش والشعب، وانهزمت القوات الإسرائيلية بعد 33 يوماً من القصف البحري والجوي والتوغل البري الفاشل، فكانت النتيجة أن المقاومة استمرت بإمطار إسرائيل بالصواريخ والقذائف حتى صباح 14 آب 2006، وهو الموعد الرسمي لوقف العمليات العسكرية بناء لقرار مجلس الأمن الدولي 1701.
في الميدانين العراقي واللبناني، فشل الرئيس بوش بفرض مشروع «الشرق الأوسط الكبير» عسكرياً تحت شعار نشر الديمقراطية، فجاء بعد أوباما بحربه الناعمة على المنطقة عبر ما سمي بـ«ثورات الربيع العربي» عبر تفجير بركان الشعوب العربية ضد الاستبداد والتسلط، إلا أن ما حصل كان تعميم «للفوضى الخلاقة» التي هي نظرية بوش لتقسيم الشرق الأوسط بما يناسب تطلعات ودور إسرائيل في المنطقة.
لكن أوباما أيضاً لم ينجح. فرغم البداية القوية للمشروع في تونس ومصر، فشل «الربيع العربي» في قلب الأنظمة وإحلال «الإسلام السياسي» المتمثل بـ«الإخوان المسلمين» مكانها، فكانت النتيجة صعود القوى الظلامية التكفيرية الإرهابية، التي باتت تهدد الأمن والسلام العالميين.
صمود سوريا
عندما وصلت الموسى إلى رقبة دمشق، كان الربيع العربي قد قطع أشواطاً كبيرة في تحقيق أهدافه، حيث تزامن إندلاع الحرب على سوريا ربيع العام 2011، مع سقوط أنظمة في تونس ومصر وليبيا واليمن، إلا أن شعار «الشعب يريد إسقاط النظام» الذي زعزع معظم الأنظمة الجمهورية في العواصم العربية، تكسر على أسوار دمشق، بعد أن تعسكر الحراك الشعبي، وظهر «الإخوان المسلمون»، ومعهم تنظيم القاعدة بشقيه «جبهة النصرة» و«داعش»، وما تفرّع من «القاعدة» من «حركات إسلامية جهادية»، سعت إلى إقامة «الخلافة الإسلامية»، فسقط قناع «الديمقراطية» التي بشرّت بها أميركا، وانقلب السحر على الساحر، فتعولم الإرهاب ليضرب في كل مكان.
وبعد سبع سنوات من الحرب الضروس، صمدت سوريا بنظامها ودولتها وجيشها، فهل أسقطت فعلاً مشروع تقسيمها بعد أن تمكن الجيش السوري من فرض إيقاعه ميدانياً، باستعادة المناطق الحيوية تباعاً؟ من حمص إلى القلمون وصولاً إلى حلب، وصمود دمشق، ودحر الإرهابيين في تدمر، وتحصين حماه والسويداء واللاذقية، والحفاظ على درعا والقنيطرة، وحماية الحسكة وصولاً إلى صمود دير الزور الأسطوري.
لكن مع توسع النظام في السيطرة، وإسقاط مشروع تقسيم سوريا، واستمرار الجيش في اجتثاث جيوب الإرهاب، أطلّت إسرائيل برأسها، بعد أن فاجأها صمود الجيش السوري، وازدياد قوة «حزب الله»، والوجود القوي لإيران، حيث بدأت تتكون مقاومة في المناطق القريبة من الجولان وهي على خط تماس مع الكيان الصهيوني، حيث بدأ قادة العدو يتخوفون من نشوء مقاومة في الجولان المحتل، تكون امتداداً لتوأمها في لبنان، وسبق للأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصرالله أن تحدّث عن أن الجبهة واحدة ضد العدو الإسرائيلي من الناقورة إلى الجولان، ووضع هذا الشعار موضع التنفيذ، بحصول عمليات من الجولان ضد دوريات للإحتلال الإسرائيلي، كلما كانت إسرائيل تعتدي على المقاومة وتغتال قادتها، وهذا ما حصل بعد اغتيال جهاد عماد مغنية في القنيطرة، وسمير القنطار في جرمانا قرب دمشق، ومصطفى بدرالدين في محيط العاصمة السورية.
مشروع التقسيم قائم
المخطط الإسرائيلي يقوم على إقامة «حزام أمني» يبدأ من الحدود الأردنية–السورية وصولاً إلى القنيطرة مروراً بالسويداء أو جبل العرب، حيث تطالب «وثيقة عهد حوران» التي وقّع عليها ما يسمى «معارضون سوريون» برعاية أردنية وأميركية، بوضع دستور جديد لمنطقة حوران التي تضم محافظات درعا والسويداء والقنيطرة، ويقام في هذه المنطقة إقليم هو من اربعة أقاليم لسوريا واحد في الشمال ويعطى فيه الأكراد حكماً ذاتياً وهو قائم على غرار ما هو حاصل في العراق ويضمن مصالح أميركا، وإقليم من دمشق إلى الساحل السوري ويضمن مصالح روسيا واقليم من جرابلس إلى الباب ويؤمن مصالح تركية.
وهذه الأقاليم الأربعة التي يجري الحديث عنها، فإن ما تقصده إسرائيل يصب في الاتجاه الذي قصده الرئيس الأميركي دونالد ترامب، وهو «المناطق الآمنة».
وتستغل الدولة العبرية هذا التوجه لإقامة «حزام أمني» لها تبعد من خلاله المقاومة عن حدودها، وتقطع طريق طهران–بغداد–دمشق–بيروت، أو ما سُمي بـ«الهلال الشيعي» وتخسر المقاومة في لبنان عمقها الاستراتيجي في سوريا أولاً وصولاً إلى إيران التي تساعد الحشد الشعبي والجيش العراقي على استعادة والموصل من قبضة «داعش»، حيث جرى تحرير أراضٍ واسعة وصلت إلى الحدود السورية–العراقية التي يقابلها الجيش السوري الذي توغل في البادية لتأمين الحدود مع العراق في خطوة استباقية.
حشود في الأردن
وتحاول إسرائيل مع أميركا وبريطانيا والأردن ودول حليفة لها، إلى تحريك مجموعات مسلحة من الأردن تدرّبت فيه وتقدر بنحو خمسة آلاف مسلّح، نحو جنوب سوريا عبر درعا والسويداء، وهذه خطة أميركية سابقة جرت محاولات لتنفيذها عبر غرفة «موك» التي تشكّلت من قوات أميركية وبريطانية وأردنية وخليجية مما ما يسمى «جيش سوري حر»، لإقتطاع هذا الجزء من سوريا، ومحاصرة النظام في دمشق لإسقاطه، لكن هذه المحاولات فشلت، ويعاد إحياؤها من جديد، وهذه المرة بمشروع إسرائيلي، لحل سياسي لسوريا، يؤمن مصالح الدول فيها وهي أميركا وروسيا وإسرائيل وتركيا، وإخراج إيران و«حزب الله» منها، وبذلك يسقط محور المقاومة.
هذا السيناريو الإسرائيلي، جُرّب في لبنان «عبر الشريط الحدودي» ثم في إقامة حكم عميل للعدو الإسرائيلي، ومحاولة تطويع لبنان، إلا أن المقاومة أسقطت هذا المشروع وطردت الإحتلال، وهزمت القوات الأطلسية في العام 1983، ثمّ أفشلت إلحاق لبنان بـ«الشرق الأوسط الكبير»، وهو المشروع نفسه الذي يتكرّر لسوريا، التي أفشلت معظمه حتى الآن.
Leave a Reply