في التحذير الذي أعلنته وزارة الخارجية الأميركية قبل أسبوعين، حول عدم زيارة رعاياها إلى لبنان، أو امتناع مَن هم فيه إضطرارياً إلى عدم التجوّل أو زيارة الحدود الجنوبية مع الكيان الصهيوني، إضافة إلى الحدود الشرقية والشمالية مع سوريا، أو الإقتراب من مخيمات النازحين السوريين، إذ جرى التوقف أمام هذا البيان، والذي ليس بجديد بشأن حظر السفر للأميركيين إلى لبنان، إنما بتوقيته وأهدافه، وتعاطت معه القيادات الرسمية والسياسية اللبنانية، بقلة اهتمام كما في السابق، لأن الأمن في الداخل اللبناني ممسوك به بنسبة عالية، قياساً إلى دول أخرى، إنما جرى التنبّه أمام ما تمّت الإشارة إليه في التحذير الأميركي حول جنوب لبنان.
الجبهة الشمالية
ففي الأسابيع الأخيرة، كثرت الزيارات التفقدية لقادة العدو الإسرائيلي، للجبهة الشمالية لفلسطين المحتلة مع لبنان، وكذلك للمناورات العسكرية الإسرائيلية التي حصلت في هذه المنطقة ومحاكاة حرب قد تحصل على الجبهة الشمالية وتحديداً بمواجهة «حزب الله» الذي هو عدو وجودي بالنسبة لإسرائيل المهددة بترسانة الصواريخ التي باتت تمتلكها المقارمة، وزادت أضعاف ما كانت عليه في حرب تموز 2006. إذ تقدّر التقارير العسكرية الإسرائيلية مخزون «حزب الله» من الصواريخ ما بين 130 و150 ألف صاروخ، بحيث ارتفع عددها نحو عشرة أضعاف، وزادت نوعيتها، حيث يرى المسؤولون الإسرائيليون أن «حزب الله» بات تهديداً دائماً، ولم تنجح المغامرة العسكرية التي قام بها الجيش الإسرائيلي قبل 12 عاماً، في إضعاف المقاومة في لبنان، بل تضخّمت قوتها، وبات على الدولة العبرية أن تفتّش عما يردع «حزب الله»، ويطمئن المستوطنين الصهاينة.
طمأنة المستوطنين
منذ حرب 2006 التي شنتها إسرائيل على لبنان ومقاومته وجيشه وشعبه، فإن هَمّ قادة العدو الإسرائيلي وشغلهم الشاغل، هو كيفية طمأنة المستوطنين، المهددين بالنزوح والهجرة، أو الاختباء في الملاجئ، بعد أن كانوا في حروب سابقة مع الجيوش العربية، يمارسون أعمالهم بشكل طبيعي، ويرتادون الشواطئ والمقاهي والمطاعم، مطمئنين إلى أن جيشهم يدافع عنهم، وهو من يقوم باحتلال الأراضي، كما حصل في حرب عام 1967، ولقد وصلته أول إشارات التحول العربي، في حرب تشرين أول 1973، بأن الجندي العربي يقاتل، وهو ما حصل في الجولان وسيناء وقناة السويس، ثم كانت الحرب الإسرائيلية على لبنان في العام 1982، ووصول الجيش الصهيوني إلى العاصمة بيروت، وبزوغ مقاومة وطنية وإسلامية، إشارة سلبية للعدو الإسرائيلي، بأن الجيش الذي لا يُقهر، خرج من بيروت بالمقاومة، التي تصاعدت بتحرير الأرض اللبنانية بعد 22 عاماً من احتلالها، وسقوط المشروع الإسرائيلي في لبنان، بتقسيمه إلى دويلات طائفية، أو توحيده تحت سلطة متعاونة مع العدو الإسرائيلي، من خلال تنصيب بشير الجميّل رئيساً للجمهورية قبل اغتياله من أحد المقاومين، حبيب الشرتوني، الذي نفذ حكم الإعدام بحق عميل تعاون مع العدو الاسرائيلي الذي اجتاح لبنان ودمره وقتل شعبه.
تحدٍ إسرائيلي
القلق الصهيوني دائم، من أن الحرب المقبلة، إذا ما اندلعت مع لبنان، ستكون مكلفة جداً، بالرغم من تطمينات قادة العدو الإسرائيلي للصهاينة، بأن قوة الردع الإسرائيلية قادرة على منع «حزب الله» من تحقيق ما يصبو إليه، إذ أعلن قائد الدفاع الجوي للتصدي لصواريخ «حزب الله» الجنرال تسفيكا هيموفيتش، بأن محاولة «حزب الله» التوغل في الجليل، سيواجه بالقتال، ولن يعود أي مقاتل منه إلى لبنان.
هذا الوعد الصهيوني للشعب الإسرائيلي، بأن صواريخ مضادة نصبتها إسرائيل، قادرة على إسقاط نحو 60 بالمئة من صواريخ «حزب الله»، لا يعكس حقيقة الواقع الميداني وفق ما يؤكد ضباط إسرائيليون سابقون، ويعلمون بمجريات العمل العسكري، وخدموا على الجبهة الشمالية، إذ يتم الحديث عن أن أي حرب مقبلة مع لبنان لن يكون بوسعها إحراز أي نصر على «حزب الله» كما صرّح المسؤول الأمني الإسرائيلي السابق روني دنغور، الذي يرى أن الوضع تغيّر منذ عام 2006، إذ باتت جبهة لبنان وسوريا واحدة، بفعل تواجد «حزب الله» في سوريا، ووجود مقاومة في الجولان المحتل المحاذي لمناطق شبعا وكفرشوبا.
قوة «حزب الله»
يتوقف قادة العدو الإسرائيلي مطولاً عند القدرات العسكرية والقتالية لـ«حزب الله» الذي بات قوة تتعدى مساحة لبنان، وتحوّل إلى لاعب إقليمي، من خلال قتاله في سوريا، إلى تواجده العسكري الاستشاري والعملاني في اليمن، وعلاقته العضوية مع المقاومة الفلسطينية، في فلسطين المحتلة وتحديداً في غزة، وصولاً إلى دوره في العراق، بحيث بات يملك خبرة قتالية عالية، يضاف على هذه القوة تحالفه الثابت والدائم مع إيران التي كانت المساهم الأول في تسليحه وتدريبه وتمويله، حيث يقدر قادة العدو عديد مقاتلي «حزب الله» بحوالي 50 ألفاً، إلى نحو أكثر من عشرة آلاف مقاتل من النخبة، ويملكون إرادة القتال، على عكس ما هو واقع الحال في الجيش الإسرائيلي، وقد تابع قادة العدو ما أعلنه الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصرالله، بأن الإسرائيليين يرفضون التجند في الوحدات القتالية، لا سيما البرية، وهذا ما يضعف الجيش الإسرائيلي ويعطي قوة للمقاومة، وفق خبراء عسكريين إسرائيليين الذين يرون بأن «حزب الله» قادر على إطلاق ما بين 1500 و2000 صاروخ يومياً، مقابل 130 و180 صاروخاً في حرب 2006، مع ما تحمله هذه الصواريخ من قدرة على الوصول إلى نحو 300 كلم كما في الصاروخ «فاتح – 110» وهو من صنع إيراني، ويحمل رأساً حربياً بوزن 450 و500 كلغ.
كما تمتلك «المقاومة الإسلامية» صواريخ من نوع B302، سورية الصنع ويصل مداها إلى 100 كلم وتحمل رأساً حربياً بوزن 75 كلغ، كذلك يتردد عن أن المقاومة إمتلكت صواريخ مضادة للطائرات كما للبوارج الحربية، إضافة إلى طائرات من دون طيار، وقاذفات صواريخ ضد الآليات من نوع متقدم عن القاذف «كورنيت» الروسي الصنع.
هل تقع الحرب؟
وأمام تنامي قوة «حزب الله» وتواجده العسكري في سوريا، مع قوات إيرانية، فإن الهدف الإسرائيلي الاستراتيجي هو إخراج «حزب الله» وقوات «الحرس الثوري الإيراني» من سوريا وتحديداً جنوبها حيث تحاول إسرائيل منع تواجدهما قرب حدودها، وهي قامت بعدة عمليات عسكرية، لهذه الغاية، ومنها غارة في العام 2014 قتلت فيها جهاد مغنية نجل عماد مغنية القائد العسكري لـ «حزب الله» الذي أغتيل في دمشق قبل عشر سنوات، إذ تقوم الطائرات الحربية الإسرائيلية بغارات داخل سوريا، إذا ما وصلتها معلومات عن نقل سلاح إلى «حزب الله»، أو عن تواجد خبراء عسكريين إيرانيين، وهي تسعى مع روسيا المؤثرة في سوريا على إخراج إيران من سوريا ومعها «حزب الله»، لكن لم يحصل تجاوب روسي مع الطلب الصهيوني.
فالعدو الإسرائيلي، يسعى إلى فك ارتباط لبنان بسوريا لجهة وحدة «الجبهة العسكرية»، كما يقلقه أن ينضم العراق إلى هذه الجبهة، حيث لإيران حلفاء في العراق من «الحشد الشعبي» إلى أحزاب سياسية، فتشكل عندها «الجبهة الشرقية» من العراق إلى سوريا فلبنان وصولاً إلى فلسطين، بحيث يتقلّص المشروع الصهيوني من «إسرائيل الكبرى» إلى «إسرائيل الصغرى» عند حدود العام 1948 هي ترسم حدودها للمرة الأولى من خلال الجدار العنصري الذي تقيمه على طول حدود الضفة الغربية، وكذلك مع لبنان والجولان.
لذلك يدور صراع داخل الكيان الصهيوني، حول شن حرب استباقية على «حزب الله»، أم ترك الوضع كما هو عليه منذ 14 آب 2006، والقرار 1701، الذي جمّد العمليات العسكرية.
تمر إسرائيل في ظروف صعبة، وقرار الحرب لم يعد سهلاً عليها أن تتخذه وهي تتحضر لها ولا تخوضها في المدى القريب وفق مواقف قادة فيها.
Leave a Reply