نبيل هيثم
هل ما بعد هجوم القنيطرة غير ما قبله؟
هو السؤال الذي يلخص كل التساؤلات المطروحة من بيروت الى تل ابيب، مروراً بدمشق وطهران، وصولاً الى اروقة الديبلوماسية الغربية، خصوصاً ان الغارة الاسرائيلية التي استشهد فـيها المقاومون محمد احمد عيسى (ابو عيسى) وجهاد عماد مغنية (جواد) وعباس ابراهيم حجازي (السيد عباس) ومحمد علي حسن ابو الحسن (كاظم) وغازي علي ضاوي (دانيال) وعلي حسن ابراهيم (ايهاب)، الى جانب العميد محمد علي الله دادي، الذراع الايمن لقائد «فـيلق القدس» العميد قاسم سليماني، قد جاءت فـي توقيت اقليمي ودولي حساس، سواء فـي الميدان السوري، حيث تسابق جهود الحل السياسي حالة الكر والفر بين نظام الرئيس بشار الاسد ومعارضيه على اختلاف تلاوينهم، او فـي الميدان العراقي حيث الاستعدادات الاميركية-العراقية-الكردية لمعركة الموصل ضد «داعش» تواكب التدخل الايراني ضد التنظيم المتشدد، أو فـي جنيف، التي كانت تستضيف جولة جديدة من جولات التفاوض الحاسمة بين ايران ومجموعة «5+1» يوم وقوع الغارة – الجريمة.
هل فتحت إسرائيل جبهة جديدة من خلال اعتداء القنيطرة؟ |
لم يكن ما حدث فـي القنيطرة مفاجئاً، فالصراع بين اسرائيل ومحور المقاومة هو صراع مفتوح، وبالتالي فإنّ «حزب الله»، ومعه ايران وسوريا، ربما كان يضع فـي حسبانه هجوماً مشابهاً، ولا شك انه يملك ما يكفـي من خطط للتعامل مع السيناريوهات المترتبة على الرد، الذي يشي صمت المقاومة اللبنانية ازاء ما جرى بأنه لن يكون بعيداً.
وبالرغم من ان هجوماً كهذا كان متوقعاً، إلا أن شكل الضربة الاسرائيلية، التي وصلت الى حد الجنون، او «اللعب بالنار» و«رمي عود ثقاب على برميل متفجر»، على حد تعبير كبار المعلّقين الاسرائيليين، وطبيعة المستهدفـين توحي بأن ما جرى خطير للغاية، وربما لم يكن ضمن حسابات العدو الاسرائيلي، الذي لم يعترف حتى الآن رسمياً بما فعل.
وعلى العموم، فإن اعتداء القنيطرة «ليس تجاوزاً للخطوط الحمر بل تجاوز لكل الخطوط»، وهو التعبير الذي استخدمته قناة «المنار» فـي مقدّمة نشرتها الاخبارية بعد ساعات على وقوع الغارة، ويكاد يكون الموقف الاوضح الذي يتخذه «حزب الله»، والذي اعقبه صمت تام، يبدو انه نتيجة لتعليمات صارمة، بانتظار فصل الخطاب المرتقب من قبل السيد حسن نصرالله، او ربما الرد الميداني، الذي اتسعت ساحته من جنوب لبنان الى الجولان، وربما فـي الداخل الفلسطيني، او حتى فـي اماكن انتشار المصالح الاسرائيلية حول العالم.
ولعلّ «تجاوز كل الخطوط» يمكن تفسيره فـي توقيت هجوم القنيطرة وهدفه الجغرافـي والميداني.
ومن ناحية التوقيت، لا تبدو الغارة الاسرائيلية «روتينية»- على غرار استهداف مواقع الجيش السوري او قوافل السلاح الوافد الى «حزب الله» عبر الحدود خلال السنوات الماضية – فهي تأتي فـي وقت حساس، يسبق الانتخابات العامة فـي اسرائيل اولاً، بما يرافقها من جهود يبذلها رئيس الوزراء اليميني بنيامين نتنياهو لاستنفار الداخل، وايضاً المؤتمر السوري الذي تستعد روسيا لاستضافته لتقريب وجهات النظر بين النظام السوري ومعارضيه، بما يرافقه من تشويش اميركي، وكذلك المفاوضات النووية التي دخلت مرحلة الحسم، واختتمت آخر جولاتها المعقدة فـي جنيف يوم وقوع الغارة، بما يرافق هذه المفاوضات الدورية من تحريض اسرائيلي، بلغ فـي مرحلة ما حد تهديد الدولة العبرية بتوجيه ضربة عسكرية للجمهورية الاسلامية.
أمّا من ناحية الهدف الجغرافـي، فقد جاء الهجوم الاسرائيلي ليشكل خرقاً خطيرة قواعد فض اشتباك التي تم ارساؤها منذ حرب العام 1973، وذلك باعتراف الامم المتحدة، التي اكدت، على لسان المتحدث باسم امينها العام فرحان حق، ان الغارة الجوية «تمثل انتهاكا لاتفاقية فصل القوات» بين الإسرائيليين والسوريين الموقعة بين الجانبين عام 1974. وكذلك، فإن استهداف مجموعة لـ«حزب الله» والحرس الثوري الايراني فـي منطقة الجولان بالتحديد، تؤكد انخراط اسرائيل المباشر فـي الصراع السوري، وتحديداً لجهة دعم المنظمات الجهادية، التي تخوض معارك عنيفة فـي هذه المنطقة، على غرار «جبهة النصرة» المدرجة على لوائح الارهاب الاممية.
وأما من ناحية الهدف الميداني، فإن اغتيال المقاومين الستة ومعهم الذراع الايمن للجنرال قاسم سليماني – الذي كان طوال الاشهر الماضية حديث الغرب وتصدرت صورته الصفحات الاولى للصحف والمجلات العالمية تشكل استهدافاً مباشراً للجمهورية الاسلامية، وهو ما سيترتب عليه رفعاً فـي مستوى الرد، الذي قد يصل الى «عاصفة مدمّرة»، وفقاً لتعبير القائد العام للحرس الثوري الايراني اللواء محمد علي جعفري.
كل ذلك يوحي بأن الغارة الاخيرة احدثت تغييراً فـي «توازن الرعب» الذي ارساه «حزب الله» بعد حرب تموز العام 2006، ما يعني ان رد المقاومة الاسلامية على «الضربة الموضعية» لن يكون بـ«ضربة موضعية» مقابلة، بل يفتح المجال امام مروحة من الخيارات غير التقليدية التي لا يشككن احد فـي انها حالياً موضع بحث بين السيد حسن نصرالله والقيادتين السياسية والعسكرية لـ«حزب الله». هنا يقول احد قياديي «حزب الله» الكبار : «سنرد , وسنجعل اسرائيل تتألم , وسنجعلها تصرخ».
ومن ناحية ثانية، فإن الغارة الاسرائيلية قد تمثل نهاية للتفاهم الصامت الذي كان قائماً بين إسرائيل وإيران، فخلال السنوات الماضية، كانت الهجمات الإسرائيلية فـي سوريا تستهدف «حزب الله» فحسب، وكانت إيران تلتزم الصمت لانها كانت حريصة على النأي بالملف النووي عن الموضوع السوري والعراقي. اما وان العملية الاسرائيلية قد طالت الذراع الايمن للجنرال سليماني فإنّ هذا التفاهم الصامت قد بات وراء الجمهورية الاسلامية.
وربما هذا ما يفسر اسراع اسرائيل الى السعي لاحتواء الغضب الايراني، بلعبة خداع حين قالت، على لسان معلقيها العسكريين، ومن ثم على لسان «مصدر امني»، ان العميد دادي «لم يكن مستهدفا فـي الغارة»، وبأن «الهجوم كان يستهدف مقاتلين من ذوي الرتب المتدنية».
ويعكس حديث المصدر الامني، الذي نقلته وكالة «رويترز»، الحذر الشديد الذي تبديه اسرائيل، ومستوى قلق مسؤوليها السياسيين والعسكريين ازاء تداعيات «لعبة النار»، وذلك من خلال الزعم بأنها «لم تتكهن بمكانة القتلى، لاسيما الجنرال الإيراني»، وبأنها «كانت تظن انها ضربت وحدة ميدانية كانت فـي طريقها لتنفـيذ هجوم عند السياج الحدودي»، ناهيك عن قولها بأنها كانت عملية تكتيكية محدودة من وجهة نظرنا.
ولكن محاولات احتواء رد فعل ايران واستطراداً «حزب الله» قد لا تؤتي ثمارها هذه المرّة، خصوصاً ان اسرائيل تدرك جيداً بوجود ضباط إيرانيين يقومون بالتنسيق وبالتخطيط لنقل قوات اضافـية من «حزب الله» الى هضبة الجولان، فـي سياق التصدي لـ«جبهة النصرة»، وبأن قائد قوات «رضوان» للتدخل السريع أبو علي طبطبائي (الذي تردد بداية انه كان من بين المستهدفـين فـي الغارة)، «كان مسؤولاً فـي السابق عن منطقة القلمون»، و«من المحتمل انه اصبح مسؤولاً عن جبهة الجولان»، وبأنه «كان يعمل تحت امرة العميد دادي مباشرة»، وفقاً لتعبير المراسلين العسكريين الاسرائيليين انفسهم.
ومع ذلك، فإن الرد الايراني، سواء فـي مستواه او فـي ميدانه، يبقى مرتبطاً بجملة اعتبارات، تتجاوز بالتأكيد الإطار العسكري، وتدور حكماً حول سبل احباط الاهداف السياسية التي سعت اسرائيل الى تحقيقها من خلال الغارة، وهي: محاولة تخريب التقارب الاميركي-الايراني فـي المفاوضات النووية والتعاون الامني، بعدما ايقنت من حرص الادارة الاميركية على التعاون الاستراتيجي مع الجمهورية الاسلامية فـي ظل الحرب ضد تنظيم «داعش»، وسعي رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى تعزيز شعبيته قبل شهرين من الانتخابات الإسرائيلية، وإعادة الإعتبار إلى القوات الإسرائيلية بعد البلبلة التي أحدثها كلام السيد حسن نصرالله بشأن الاسلحة النوعية للمقاومة ومحور الرد. انطلاقاً من ذلك، فإن رد ايران و«حزب الله» على جريمة القنيطرة لا بد ان يراعي بالدرجة الاولى اجهاض الاهداف السياسية الاسرائيلية، ليبنى على الامر مقتضاه لجهة تحديد بنك الاهداف العسكرية.
وانطلاقاً من ذلك، فإن الحديث عن «حرب شاملة» قد يبدو سابقاً لأوانه، ذلك ان حرباً جملة كهذه تبقى عوامل سياسية وعسكرية، قد لا تكون متوافرة فـي الوقت الحالي.
ومن الواضح ان تدهور الأوضاع فـي المنطقة الى مثل هذا الحد مرتبط بما ستؤول اليه المفاوضات النووية، التي اقفلت على تقدم محدود، و لكنها ارجئت الى موعد قريب، ما يعني ان اي ردود فعل عسكرية خارجة عن المألوف تبقى مرتبطة بهذا المسار. ومن الواضح كذلك، ان «حزب الله» ليس فـي وارد المخاطرة بفتح جبهتين، واحدة ضد الجماعات التكفـيرية فـي سوريا، وثانية ضد إسرائيل، وفـي ظل جبهة داخلية غير محصنة. وحتى فـي حال جاء الرد قاسياً من قبل «حزب الله» او ايران، فإن اسرائيل بدورها لن تجازف فـي شن عدوان ضد «حزب الله»، خصوصاً ان قادة جيشها ما زالوا مصدومين بهزيمتهم فـي حرب غزة الاخيرة، فـيما موارد ميزانيتها العسكرية فـي تضاؤل مستمر تحت ظل الازمة الاقتصادية الحادة التي تشهدها الدولة العبرية هذه الايام، بحسب ما كشفت عنه مجلة «ذي ماركر» الاقتصادية الاسرائيلية، علاوة على ان لا مصلحة لنتنياهو بإغضاب الرئيس باراك أوباما، فـي حال شنَّ حرباً واسعة وأطاح التقارب بين واشنطن وطهران.
ربما يفسر كل ذلك أن سيناريوهات ما بعد غارة القنيطرة يبقى رهناً بحسابات دقيقة تحكم التوازن العسكري، وبالمعارك الاخرى، سواء المعارك العسكرية على جبهات سوريا والعراق واليمن، أو المعارك السياسية المرتقبة إن فـي مفاوضات الحل السلمي للنزاع السوري فـي موسكو، او فـي مفوضات الحل الديبلوماسي للملف النووي فـي ميونيخ الشهر المقبل.
أزمة الميزانية وخيارات الحرب
برغم ما قد تثيره الغارة الاسرائيلية على القنيطرة من ردود فعل كارثية، فإن الضائقة المالية الشديدة التي يواجهها الجيش الاسرائيلي، والتي ستقود إلى تقليص نشاطاته العملياتية بنسبة النصف فـي أيار المقبل، بحسب خبراء عسكريين، تعكس ان ما جرى فـي الجولان كان مغامرة محفوفة بالمخاطر.
ويعود جانب من الضائقة المالية إلى نفقات الحرب الأخيرة على قطاع غزة والأثمان الباهظة للذخائر المستخدمة، وهي تتفاقم برغم الزيادات الكبيرة التي تم ضخها فـي الميزانية العسكرية على حساب التعليم والصحة.
وبحسب ما نقلت مجلة «ذي ماركر» الاقتصادية الاسرائيلية عن مسؤول كبير فـي الجيش الإسرائيلي فإن القوات الاسرائيلية قد توقف التدريبات فـي أيار المقبل، بسبب مشاكل ميزانية، كما سبق وفعل فـي العام 2014.
وتشير «ذي ماركر» أن الميزانية المخصصة للنشاط العملياتي للقوات الاحتياطية تراجعت من 1.1 مليار شيكل (حوالي 280 مليون دولار) فـي العام 2014، إلى 448-500 مليون شيكل (حوالي 127 مليون دولار) فـي العام 2015.
وبحسب المسؤول العسكري، فإن واقع عدم إقرار ميزانية العام 2015، واضطرار الجيش إلى مواصلة التصرف وفق ميزانية العام 2014، وهي ميزانية شهدت عجزاً كبيراً، يمكن أن يؤثر على الخطط والبرامج العسكرية.
إيران: لتترقب إسرائيل الصواعق المدمرة
قال القائد العام للحرس الثوري الإيراني محمد علي جعفري إن الحرس الثوري «سيقف حتى النهاية من أجل انهيار الكيان الصهيوني، كما برهنت الحروب الماضية»، مضيفا أنه يتعين «على الصهاينة أن يترقبوا الصواعق المدمرة». وقال جعفري، فـي بيان، تعليقاً على الاعتداء الإسرائيلي الذي أدى إلى استشهاد ستة من كوادر «حزب الله» والعميد فـي الحرس الثوري الإيراني محمد علي الله الدادي فـي القنيطرة السورية، إن «الحرس الثوري، وكما اثبت فـي الحروب السابقة فـي لبنان وفلسطين، سيقف حتى النهاية من أجل انهيار الكيان الصهيوني، وسيستمر فـي دعمه للمجاهدين المسلمين فـي المنطقة، حتى إزالة جرثومة الفساد، أي الكيان الصهيوني من الجغرافـيا السياسية للمنطقة» .
وأضاف الجعفري أن «جميع الشباب فـي العالم الإسلامي اليوم هم جهاد مغنية، وجميع حراس الثورة هم محمد علي الله دادي، وان هذه التضحيات تؤكد عدم ضرورة الابتعاد عن الجهاد، وأن على الصهاينة أن ينتظروا الصواعق المدمرة، فقد رأوا غضبنا فـي المرات السابقة» .
واعتبر القائد العام للحرس الثوري الإيراني أن «استشهاد أبناء الإسلام فـي القنيطرة منطلق آخر للانهيار القريب للكيان الصهيوني الإرهابي المنحوس والظالم»، مشيراً إلى أن «تركيبة الشهداء الذين استشهدوا فـي هذا الهجوم تظهر أن الثورة الإسلامية تخطت الحدود الجغرافـية وان الجبهة الإسلامية الموحدة تشكلت».
أبرز ما قاله محللون إسرائيليون
انشغلت الصحافة الإسرائيلية بتقديم تحليلات حول أبعادها وتداعياتها، فوصفها بعض المعلقين بأنها «لعبة نار» و «مجازفة خطيرة». المراسل العسكري لصحيفة «هآرتس» عاموس هارئيل : العملية «حدث دراماتيكيّقد يقود إلى تصعيد شامل. وقيادة الجيش الإسرائيلي ترى أن «حزب الله» سوف يرد وإن كان ليس معلومًا بعد مستوى الرد».
نائب رئيس الأركان سابقا والمرشح الأمني على قائمة «كلنا»، الجنرال يؤآف غالانت: هناك شبهات بأن ثمة دوافع انتخابية خلف الغارة.
عاموس هارئيل: الغارة كانت مفاجئة، وقد تؤدي إلى تصعيد حقيقي فـي الشمال.
المعلق العسكري لصحيفة «يديعوت أحرونوت»، أليكس فـيشمان: إن المواجهة ستحصل، ولكن متى؟
المعلق العسكري للقناة الإسرائيلية العاشرة ألون بن دافـيد: «ليست هنالك إمكانية لأن يستوعب «حزب الله» ضربة كهذه من دون رد».
المعلق الأمني فـي «معاريف الأسبوع» يوسي ميلمان: مجازفة خطرة نرجو ألا يندم من اتخذ القرار.
Leave a Reply