غزة – تجتمع الجامعة العربية ليل نهار ويتحرك وفود ووزراء وامراء المنظومة الخليجية بين البلدان العربية والأجنبية مطالبين بدعم “الثورة السورية” لبناء “دولة ديمقراطية”. أما العدوان على غزة الأسبوع الماضي، فلم يدفع لا الجامعة ولا دول الخليج التي تسيطر عليها، لتحرك ساكناً وتشجب الاعتداءات الإسرائيلية على القطاع المحاصر.
وطوال الأسبوع الماضي واصل الاحتلال الإسرائيلي عدوانه على قطاع غزة، والذي وصفته مصادر اسرائيلية بأنه مدبّر وقد بلغت حصيلته (حتى صدور هذا العدد) 18 شهيداً، في وقت دخلت القاهرة على خط التهدئة، حيث تردد أن اتصالات تجريها القيادة المصرية مع إسرائيل وفصائل المقاومة الفلسطينية لاحتواء الموقف، والحيلولة دون تطور التصعيد، وخصوصاً بعد سلسلة التهديدات التي أطلقها المسؤولون الإسرائيليون ضد غزة، ومضي الفصائل المقاومة في الرد على العدوان بقصف المستوطنات الإسرائيلية.
وبدا أن هذا التصعيد، حسب معلقين اسرائيليين، كأنه اشبه بكمين نصبته اسرائيل لاختبار منظومة “القبة الحديدية”، وهو ما شجع قادتها السياسيين والعسكريين على إطلاق العنان لسيل من التهديدات ضد قطاع غزة، يستهدف فرض أمر واقع على الأرض يسمح لها بمواصلة سياسة الاغتيالات لقادة المقاومة، كما يهدف الى احراج القاهرة، من خلال رفض محاولة بذلها الوسطاء المصريون لوقف العدوان، الذي تصدت له فصائل المقاومة، وخصوصاً سرايا القدس (الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي) وألوية الناصر صلاح الدين (الجناح العسكري للجان المقاومة الشعبية) وأمطرت المدن الإسرائيلية بنحو 150 صاروخاً أصاب أحدها منزلاً وألزمت الإسرائيليين الملاجئ.
من جهتها، ذكرت صحيفة “هآرتس” أن صاروخين من طراز “غراد” أطلقتهما المقاومة الفلسطينية من غزة ضربا مدينة بئر السبع، مشيرة إلى أن أحدهما سقط على سيارة متوقفة وسط أحد الأحياء السكنية، فيما ضرب الصاروخ الثاني مبنى مدرسة خاليا من الطلبة لعدم انتظام الدراسة فيها بسبب الأحوال الأمنية السائدة، وأعلنت “سرايا القدس” مسؤوليتها عن قصف مدينة أسدود جنوب فلسطين المحتلة بستة صواريخ من طراز “غراد”، بالإضافة إلى موقع عسكري إسرائيلي بثلاث قذائف هاون من العيار الثقيل. وبدا أن المقاومة تسعى بدورها إلى منع فرض أمر واقع ميداني جديد في غزة، ولهذا فقد لاحظت وسائل الإعلام الإسرائيلية أن ردها على الغارات الإسرائيلية يتسع كلما استمر التصعيد. وقال رئيس بلدية أسدود يحيئيل لاسري إن المدينة تتعرض لقصف لم يسبق له مثيل، في وقت ذكرت مصادر في الجيش الإسرائيلي أن صواريخ المقاومة أدت إلى جرح أربعة أشخاص بينهم ثلاثة عمال تايلانديين وطلبت السلطات الإسرائيلية من السكان البقاء قرب الملاجئ، وأغلقت كل المؤسسات التعليمية.
من جهته، قال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو “لقد أمرت بضرب جميع من يخططون لشن هجمات علينا… مضيفاً إن العمليات في غزة ستتواصل ما دام ذلك ضروريا”. وكرر نتنياهو أنه سيتم نشر بطارية جديدة مضادة للصواريخ ضمن نظام “القبة الحديدية ولفت نتنياهو إلى أن تصفية الأمين العام للجان المقاومة الشعبية زهير القيسي في غزة، أدى إلى تشويش الاستعدادات التي قامت بها عناصر فلسطينية لارتكاب عملية إرهابية على الحدود بين إسرائيل ومصر”.
ولفت إلى “أننا لا نزال على أهبة الاستعداد لاحتمال وقوع مثل هذه العملية”، مشيراً إلى أن الجيش الإسرائيلي “يقوم بضرب المخربين في القطاع بمنتهى القوة. وإنه سيواصل القيام بذلك كلما اقتضت الضرورة”. بدوره، قال رئيس الأركان في الجيش الإسرائيلي الجنرال بيني غانتس “نحن لا نسعى إلى تصعيد (العنف) ونحمّل حماس مسؤولية ما يحصل في قطاع غزة”، لكنه أشار إلى أن “الجيش الإسرائيلي رد بقوة وعزم على الصواريخ التي استهدفت إسرائيل وسيواصل القيام بذلك”.
وذكرت “الإذاعة الإسرائيلية” “أن غانتس اصدر أوامره بتصعيد عمليات الاغتيال ضد مقاومين فلسطينيين”. “وتزامنت هذه التصريحات مع مساع مصرية لتثبيت التهدئة في القطاع، لم تسفر عن جديد. فقد كثّف الوسطاء المصريون، وبخاصة في جهاز المخابرات العامة، تحركاتهم في محاولة لاحتواء الموقف، وذلك خشية تدهور الأوضاع في غزة، بعد ما ظهر أنه رفض من تل أبيب ومن غزة لمبادرتهم الأولى بتثبيت التهدئة.
وقال السفير المصري لدى السلطة الفلسطينية ياسر عثمان في مقابلة مع “إذاعة صوت فلسطين”: “لا استطيع الآن الكلام عن ردود أو عن مواقف… هذا يتم في سرية تامة، وحتى لا نؤثر على جهود التهدئة، ولكن مصر تعمل على مدار الساعة ونأمل في ان نستطيع تثبيت التهدئة في الساعات المقبلة إن شاء الله”.
وقال رئيس الوزراء الفلسطيني المقال إسماعيل هنية إلى أن مصر تعمل على مدار الساعة من أجل وقف العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة. ووصف هنية موقف الفصائل الفلسطينية بـ”الايجابي”، مشددا على أن الشعب الفلسطيني “عصي على الكسر… وعلى الاحتلال وقف عدوانه فورا”.
وكان المتحدث باسم الجهاد داود شهاب قال إن “لا جديد” في مساعي التهدئة، مشيراً إلى أن “التصعيد الإسرائيلي مستمر والاستهداف مستمر وبالتالي نتعامل مع التصعيد. ولا اتصالات طالما العدوان الإسرائيلي متصاعد ويوقع ضحايا ولا مجال للحديث عن تهدئة في ظل العدوان”.
وعلى خط مواز، قام الرئيس الفلسطيني محمود عباس بمحاولات لتهدئة الوضع، وذلك عبر اتصالات مباشرة أجراها مع رئيس مكتب “حماس” السياسي خالد مشعل والأمين العام لحركة “الجهاد الإسلامي” رمضان شلح، وكذلك مع إسرائيل عبر وسطاء مصريين وأردنيين. وبحسب وكالة الأنباء الفلسطينية “وفا” فإن مشعل وشلح أبلغا عباس حرصهما على عدم التصعيد في قطاع غزة والالتزام بالتهدئة.
وأعرب المحلل العسكري لصحيفة “يديعوت أحرونوت” أليكس فيشمان عن قناعته بأن التصعيد الجاري حاليًا في قطاع غزة هو “أمر مدبر إسرائيليا وليس صدفة غير متوقعة مسبقًا”. وكتب فيشمان إن “الجيش الإسرائيلي نصب بالفعل كمينا واستعد له عدة أيام بانتظار حدوث التصعيد، وإذا ما تجاوز إطلاق الصواريخ من غزة درجة التحمل التي حددتها إسرائيل لنفسها، فسوف يصادق المستوى السياسي على توسيع العمليات ضد القطاع بما في ذلك عمليات برية”.
ومن ناحيتها، أعلنت وزارة الخارجية الأميركية أنها “قلقة جدا” ازاء تجدد العنف في غزة، لكنها اكتفت بـ”إدانة” قصف إسرائيل بالصواريخ من القطاع. كما أعربت روسيا عن قلقها إزاء التوتر في غزة، وجاء في بيان لوزارة الخارجية الروسية “إننا ندعو جميع الأطراف إلى ضبط النفس وبذل كل جهد ممكن لاستعادة الهدوء وضمان الظروف التي تسهم في استئناف المفاوضات الفلسطينية-الإسرائيلية القائمة على الأسس القانونية الدولية المقبولة على نطاق واسع”. وبدورها وصفت إيران الغارات الإسرائيلية على قطاع غزة بأنها “جرائم حرب” ضد الشعب الفلسطيني الأعزل، داعية إلى إدانة دولية لتلك الغارات.
Leave a Reply