بعد قمة عربية إسلامية هزيلة رداً على قصف المفاوضات في الدوحة
التقرير الأسبوعي:
بعد قمة عربية إسلامية هزيلة اكتفت بإدانات كلامية للعدوان الإسرائيلي على الدوحة ودعوات إلى مراجعة العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية مع دولة الاحتلال، باشر الجيش الإسرائيلي –بأمر من حكومة بنيامين نتنياهو وضوء أخضر أميركي– عملية اجتياح مدينة غزة في محاولة حثيثة لدفع مئات آلاف الفلسطينيين إلى النزوح جنوباً في إطار المخططات الصهيونية لتهجير سكان القطاع المنكوب بذريعة القضاء على حركة «حماس»، رغم المخاطر المحدقة التي تمثلها العملية البرية الموسعة على حياة من تبقى من الأسرى الإسرائيليين، والفاتورة الباهظة التي قد يتكبدها جيش الاحتلال في عديده وعتاده.
وبينما كانت آلة القتل الإسرائيلية تكثف عمليات القصف والتوغل في غزة، وقفت واشنطن –مرة جديدة– سداً منيعاً أمام الجهود الدولية لإنهاء الحرب، حيث استخدمت المندوبة الأميركية –يوم الخميس الماضي– حق النقض (الفيتو) ضد مشروع قرار يدعو إلى وقف فوري ودائم لإطلاق النار وإنهاء القيود على دخول المساعدات والإفراج الفوري وغير المشروط عن الأسرى.
وتقدم بمشروع القرار جميع الدول العشر غير دائمي العضوية بمجلس الأمن، في محاولة جديدة لإنهاء الحرب الوحشية المستمرّة منذ أكثر من 23 شهراً، ورغم تضمن المشروع بنداً يطالب بتحرير المختطفين الإسرائيليين، وهو المطلب الذي يكرره دائماً الرئيس الأميركي دونالد ترامب عند سؤاله عن غزة، جاء الفيتو ليؤكد مجدداً –بما لا يدع مجالاً للشك– تواطؤ وشنطن في العدوان المتواصل على القطاع الذي يعاني سكانه من المجاعة، بحسب الأمم المتحدة.
وحصل مشروع القرار على دعم 14 من الدول الأعضاء، بما فيها الدول العشر المنتخبة لمدة عامين، لكن استخدام واشنطن «الفيتو» أسقط المشروع.
وسبق للولايات المتحدة أن رفضت خمس مشاريع قرارات مشابهة طُرحت للتصويت في مجلس الأمن منذ اندلاع حرب غزة، وكان آخرها في حزيران (يونيو) الماضي عندما استخدمت حق النقض لحماية كيان الاحتلال.
وقالت ممثلة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة مورغان أرتاغوس، خلال جلسة التصويت الأخيرة، إن بلادها ترفض المشروع لأنه «يساوي بين إسرائيل وحركة حماس، ولا يعترف بالواقع على الأرض»، وفق تعبيرها.
وزعمت أن إسرائيل قبلت بشروط إنهاء الحرب، وأن «حماس» هي التي ترفض ذلك، مضيفة أن «حماس» يجب أن تفرج عن المحتجزين لديها و«تستسلم فوراً»، محملة إياها مسؤولية عدم وصول المساعدات إلى محتاجيها في غزة، واستخدام المدنيين كأدوات لتحقيق أهدافها.
وانتقدت روسيا ودول أخرى، الفيتو الأميركي، مشيرة إلى أن القرار كان يمكن أن يوقف المأساة في غزة. كما قالت ممثلة الدانمارك كريستينا ماركوس لاسن في كلمة ألقتها نيابة عن عدة دول إن المجاعة في غزة حقيقة واقعة، وأضافت أن هذه الدول تطالب بإدخال المساعدات للقطاع فوراً.
تصعيد كلامي في قمة الدوحة
وسط تغيب معظم زعماء مجلس التعاون الخليجي، لم ينبثق عن القمة العربية الإسلامية بالدوحة، الاثنين الماضي، أية مندرجات عملية للرد على الاعتداء الإسرائيلي الفاشل الذي استهدف اغتيال وفد «حماس» التفاوضي في العاصمة القطرية يوم العاشر من سبتمبر الجاري، حيث اكتفى البيان الختامي للقمة بإدانة كلامية «للعدوان الغاشم» «المقوّض لفرص تحقيق السلام بالمنطقة».
وشدد البيان على أن العدوان على مكان محايد للوساطة يقوض عمليات صنع السلام الدولية، مشيداً «بموقف قطر الحضاري والحكيم في تعاملها مع الاعتداء الغادر»، ورافضاً محاولات تبرير العدوان الإسرائيلي على الدوحة تحت أي ذريعة، بما في ذلك، تهديد إسرائيل المتجدد بإمكانية استهداف قطر مرة أخرى.
كما أدان البيان الختامي سياسات إسرائيل التي أحدثت كارثة إنسانية غير مسبوقة بغزة، محذراً من أي قرار إسرائيلي بضم أراضٍ فلسطينية محتلة، واعتبره انتهاكاً للقانون الدولي ونسفاً لجهود السلام.
كذلك، أكد البيان على الوقوف ضد مخططات إسرائيل لفرض واقع جديد بالمنطقة، وإدانة أي محاولات إسرائيلية لتهجير الفلسطينيين بأي ذريعة، مشدداً على ضرورة تنسيق الجهود الرامية إلى تعليق عضوية إسرائيل بالأمم المتحدة.
وأشار البيان إلى أن «العدوان الإسرائيلي الغاشم على قطر، واستمرار الممارسات الإسرائيلية العدوانية، بما في ذلك جرائم الإبادة الجماعية، والتطهير العرقي، والتجويع والحصار، والأنشطة الاستيطانية والسياسية التوسعية، يقوّض فرص تحقيق السلام والتعايش السلمي في المنطقة ويهدد كل ما تمّ إنجازه على طريق إقامة علاقات طبيعية مع إسرائيل، بما في ذلك الاتفاقات القائمة والمستقبلية».
وكان العدوان الإسرائيلي على سيادة قطر قد أثار إدانات عربية ودولية، مع دعوات إلى ضرورة ردع تل أبيب لوقف الاعتداءات التي تنتهك القانون الدولي، وسط تنصل الرئيس ترامب من الهجوم الذي فشل في اغتيال وفد «حماس» المفاوض بقيادة رئيس الحركة بغزة خليل الحية، في حين استشهد مدير مكتبه جهاد لبد، ونجله همام الحية، وثلاثة مرافقين فلسطينيين وعنصر من قوى الأمن الداخلي القطري.
وفي كلمته بافتتاح القمة، وصف العاهل القطري العدوان بأنّه «سافر وغادر وجبان»، مشدّداً على أنّ «من يعمل بشكلٍ مثابر ومنهجي لاغتيال الطرف الذي يفاوضه، إنّما يقصد إفشال المفاوضات».
وقال أمير قطر تميم بن حمد آل ثاني إن حكومة الكيان تحلم بجعل المنطقة العربية منطقة نفوذ إسرائيلية، مؤكداً أنّ بلاده «عازمة على فعل كلّ ما يلزم ويتيحه القانون الدولي للحفاظ على سيادتها ومواجهة العدوان الإسرائيلي».
واعتبر أنّ تحرير الأسرى «ليس من أولويات العدو»، بل إنّ المفاوضات بالنسبة لإسرائيل «مجرد جزء من الحرب، تكتيك سياسي يرافقها ووسيلة لتعمية الرأي العام الإسرائيلي»، مضيفاً: «ما تريده فعلاً هو جعل غزة غير صالحة للعيش الإنساني تمهيداً لتهجير سكانها».
وأشار إلى أنّ نتنياهو، «يؤمن بما يسمى أرض إسرائيل الكبرى، ويستغل الحرب لتوسيع المستوطنات وتغيير الوضع القائم في الحرم القدسي الشريف، والتضييق على السكان في الضفة الغربية، فضلاً عن التخطيط لضمّ أجزاء منها».
ولفت بن حمد إلى أنّ «هذا الاعتداء الغادر على سيادتنا كشف أنّ رئيس الحكومة الإسرائيلية الذي يتباهى بأنّه غيّر وجه الشرق الأوسط، يقصد فعلياً فرض دخول إسرائيل إلى أيّ مكان تشاء ومتى تشاء».
وحذّر من أنّ حكومة المستوطنين المتطرفين «تحلم بجعل المنطقة العربية منطقة نفوذ إسرائيلية، إلى حدّ أن يصبح إرسال سلاح الطيران الإسرائيلي لقصف بلدان المنطقة أمراً معتاداً»، كما يحصل حالياً في لبنان وسوريا واليمن.
كذلك، تميزت كلمات بعض الزعماء العرب الذين حضروا القمة بـ«رفع النبرة» بوجه إسرائيل، حيث أكد رئيس الوزراء العراقي، محمد شياع السوداني، إدانة بلاده للاعتداءات الإسرائيلية التي تستهدف أمن واستقرار المنطقة، مشدداً على «ضرورة ردع الكيان المحتل الذي يتحدث علناً عن تغيير الحدود الدولية بالقوة، وهو ما سيؤدي إلى مزيد من عدم الاستقرار».
بدوره، اعتبر العاهل الأردني، الملك عبد الله الثاني، أنّ الحكومة الإسرائيلية «تتمادى في هيمنتها»، لافتاً إلى أنّ «العدوان على قطر دليل على أنّ التهديد الإسرائيلي ليس له حدود».
أما الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، فوصف إسرائيل بـ«العدو» لأول مرة منذ توليه السلطة، مطالباً بإنشاء آلية عربية–إسلامية للتنسيق والتعاون.
من جانبه، أكّد الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، وجوب أن يكثّف العالم الإسلامي جهوده الدبلوماسية لزيادة العقوبات على إسرائيل، واصفاً الكيان بأنه يتحرك في إطار «عقلية إرهابية تتغذى على الفوضى والدم».
ورأى الرئيس الإيراني، مسعود بزشكيان، أن «العدوان الوقح الأخير على قطر كان هجوماً مخطّطاً له مسبقاً من قبل الكيان الصهيوني، هدفه القضاء على الجهود الدبلوماسية المبذولة لإنهاء الإبادة الجماعية في غزة».
وأضاف بزشكيان أنّ «هذا العدوان على الدبلوماسية لا يعدّ مجرد جريمة، بل إعلان علني وفاضح بأن القوة العسكرية هي المحدد وليس القانون».
وفي أعقاب القمة العربية الإسلامية، عقد مجلس الدفاع المشترك لدول مجلس التعاون الخليجي اجتماعاً أدان فيه «بأشد العبارات» الاعتداء العسكري الإسرائيلي «الخطير» على دولة قطر. وقال الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي جاسم محمد البديوي إن مجلس الدفاع المشترك قرر جملة من الإجراءات أبرزها زيادة تبادل المعلومات الاستخبارية عبر القيادة العسكرية الموحدة وتسريع أعمال فريق العمل المشترك الخليجي لمنظومة الإنذار المبكر ضد الصواريخ الباليستية.
وفي السياق أيضاً، استقبل ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، في قصر «اليمامة»، الأمين العام للمجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني السيد علي لاريجاني والوفد المرافق لبحث مستجدات الأوضاع الإقليمية.
كما بحث وزير الدفاع السعودي، الأمير خالد بن سلمان، مع لاريجاني، العلاقات السعودية الإيرانية وتطورات الأوضاع الإقليمية والجهود المبذولة لتحقيق الأمن والاستقرار.
كذلك، وقعت السعودية وباكستان في الرياض على اتفاقية دفاع استراتيجي مشترك، تنص على «أن أي اعتداء على أي من البلدين هو اعتداء على كليهما». وقد أعلن ولي العهد السعودي مع رئيس وزراء باكستان الزائر شهباز شريف في بيان مشترك أن الجانبين وقعا على الاتفاقية.
ويأتي التحرك السعودي، بعدما لمست دول الخليج خطر الجموح الإسرائيلي في المنطقة عقب استهداف الدوحة التي من المفترض أن تكون مشمولة بالحماية الأميركية.
وكان نتنياهو قد لوح باستهداف قطر مجدداً، مبرراً ذلك بدور الدوحة في تمويل «حماس». وقال نتنياهو خلال مؤتمر صحافي «قطر على ارتباط بحماس، فهي تؤويها وتموّلها. لديها أدوات ضغط قوية، لكنها اختارت عدم استخدامها». وأضاف «لذلك، كان تحركنا مبرراً تماماً».
العين على غزة
لم تكد قمة الدوحة أن تنهي أعمالها، حتى أعلن جيش الاحتلال الإسرائيلي، الثلاثاء الماضي، توسيع عملياته العسكرية في مدينة غزة شمالي القطاع، ضمن عملية «مركبات جدعون 2»، حيث توغلت قوات الاحتلال في أطراف المدينة في إطار مساعيها للسيطرة عليها وطرد السكان نحو الجنوب.
وقال الجيش إن قواته، بتوجيه من جهاز الشاباك والاستخبارات العسكرية، يشن غارات على «مستودعات أسلحة لحركة حماس»، بينما تواصل الفرقتان 162 و98 عملياتهما في مدينة غزة، فيما تشن «فرقة غزة» (143) عمليات في خان يونس ورفح.
وذكرت صحيفة «معاريف» أن الجيش الإسرائيلي يستعد لتكثيف قصفه المدفعي وغاراته الجوية على المدينة بهدف دفع السكان إلى إخلائها.
ويلوذ مئات الألوف من السكان بالمدينة، ويحجم كثيرون عن الانصياع لأوامر إسرائيل بالتحرك جنوبا بسبب المخاطر على امتداد الطريق والظروف الصعبة ونقص الغذاء في المنطقة الجنوبية والخوف من النزوح الدائم.
وتسيطر القوات الإسرائيلية على الضواحي الشرقية لمدينة غزة، وقد قصفت في الأيام الأخيرة منطقتي الشيخ رضوان وتل الهوى، اللتين ستنطلق منهما، بحسب «رويترز»، للتقدم نحو المناطق الوسطى والغربية حيث يحتمي معظم السكان.
وأعلنت إسرائيل، الأربعاء الماضي، انطلاق المرحلة الرئيسية من هجومها البري، مشيرة إلى أنها ستفتح طريقاً إضافياً للخروج من المدينة لمدة 48 ساعة، وحثت المدنيين على التوجه جنوباً.
وتشير بيانات وكالات الإغاثة الدولية إلى أن أكثر من 55 ألف شخص فرّوا من شمال غزة بين الأحد والأربعاء الماضيين، لكن أكثر من نصف مليون شخص لم يغادروا، وفقاً للتقديرات الإسرائيلية والفلسطينية.
وتعرضت أغلب المناطق في مدينة غزة للدمار في بداية الحرب في خريف 2023، لكن نحو مليون فلسطيني عادوا إلى هناك لمنازلهم المدمرة وسط الأنقاض. وسيعني إجبارهم على الخروج حصر أغلب سكان القطاع المكتظ في مخيمات في الجنوب تتكشف فيها أزمة جوع طاحنة.
ونددت الأمم المتحدة ووكالات إغاثة وحكومات أجنبية بالهجوم الإسرائيلي وما يترتب عليه من نزوح جماعي.
وخلصت لجنة تحقيق تابعة للأمم المتحدة الثلاثاء المنصرم إلى أن إسرائيل ارتكبت إبادة جماعية في قطاع غزة، فيما وصفت إسرائيل تلك النتيجة بأنها «شائنة» و«مزيفة».
وأفادت وزارة الصحة في غزة بارتفاع حصيلة ضحايا العدوان الإسرائيلي منذ بداية الحرب إلى أكثر من 65 ألف شهيد ونحو 166 ألف مصاب. كما أعلنت شركة الاتصالات الفلسطينية في بيان لها أن خدماتها انقطعت «بسبب العدوان المستمر واستهداف مسارات الشبكة الرئيسية». وفي الوقت نفسه، حذّر المدير العام لمنظمة الصحة العالمية، تيدروس أدهانوم غيبريسوس، من أن الهجوم البري الإسرائيلي ترك المستشفيات المكتظة أصلاً على شفا الانهيار، مطالباً بإنهاء هذه الظروف اللاإنسانية.
وكتب غيبريسوس على منصة «أكس»: «إن التوغل العسكري وأوامر الإخلاء في شمال غزة تُسبب موجات جديدة من النزوح، ما يُجبر العائلات المفجوعة على النزوح إلى منطقة تتقلص باستمرار ولا تفي بالكرامة الإنسانية».
بدورها، توعدت حركة «حماس»، إسرائيل بحرب استنزاف تدفع فيها ثمناً باهظاً في مدينة غزة.
وقالت «كتائب القسام» –في بيان عبر تطبيق تلغرام– إنها أعدت «جيشاً من الاستشهاديين» وآلاف الكمائن والعبوات المتفجرة للقوات التي تحاول اجتياح المدينة.
وأضافت «نقول لقيادة العدو إن غزة لن تكون لقمة سائغة لجيشكم ونحن جاهزون لإرسال أرواح جنودكم لجهنم»، متوعدة بأن غزة ستكون «مقبرة للجنود الإسرائيليين الذين يحاولون التوغل داخلها».
وأكد البيان أن الاحتلال يدخل في حرب استنزاف ستكلفه أعداداً إضافية من القتلى والأسرى، مشيراً إلى أن الجرافات الإسرائيلية ستكون أهدافا لمقاتلي «القسام» وسبباً لزيادة أعداد الأسرى لديها.
كما قالت «القسام» إن بدء العملية البرية في مدينة غزة وتوسيعها يعني أن إسرائيل لن تحصل على أي أسير حي أو ميت، موضحة أن الأسرى الإسرائيليين موزعون داخل أحياء مدينة غزة، وأن المقاومة لن تكون حريصة على حياتهم طالما قرر نتنياهو قتلهم.
وعلى وقع لغة الحرب، قال المتحدّث الرسمي باسم وزارة الخارجية القطرية، إنّ استئناف المفاوضات «لا يبدو واقعياً» في ظل استمرار الاحتلال في قصف «المفاوض» ودولة الوساطة، فيما رأت حركة «حماس»، في بيان آخر، أن توسيع الاحتلال لعملياته العسكرية ضد سكان مدينة غزة وتصعيده «الهمجي وغير المسبوق»، «ليس إلا فصلاً جديداً من فصول حرب الإبادة الجماعية والتطهير العرقي الممنهج بحق شعبنا الفلسطيني، وتعميقاً للكارثة الإنسانية» في القطاع. وأضافت الحركة أن «هذه الجرائم، التي تجاوزت كل الأعراف والقوانين الدولية، تجري تحت غطاء سياسي وعسكري مكشوف من الإدارة الأميركية، التي تتحمّل المسؤولية الكاملة عن نتائج هذا العدوان، وتُعتبر شريكاً أساسياً في الإبادة الجماعية والتطهير العرقي الجاري في غزة».
وفي أبرز عمليات المقاومة خلال الأسبوع المنصرم، أقر جيش الاحتلال، الخميس الماضي، يمقتل أربعة ضباط أحدهم برتبة رائد وإصابة ثلاثة جنود، في انفجار عبوة ناسفة في رفح جنوبي القطاع. كما أعلن الجيش مقتل جندي وضابط في إطلاق نار تلاه طعن على الجانب الإسرائيلي من معبر اللنبي الحدودي مع الأردن، في حين أكدت عمّان أن مُنفذ الهجوم سائق أردني يعمل في إيصال المساعدات إلى غزة.
إخضاع دول الجوار
في استمرار لمسلسل الضغوط الأميركية لمحاصرة قوى المقاومة في المنطقة ودفعها إلى إلقاء السلاح، أعلنت واشنطن، الأسبوع المنصرم، إدراج «حركة النجباء»، و«كتائب سيد الشهداء»، وحركة «أنصار الله الأوفياء»، و«كتائب الإمام علي» على قائمة «التنظيمات الإرهابية الأجنبية»، في خطوة وصفت بأنها تأتي في سياق محاصرة «الحشد الشعبي» لتفكيكه، فيما يتمسّك الأخير بسلاحه كضمانة للأمن العراقي وركيزة لمحور المقاومة.
وقالت الخارجية الأميركية، في بيان، إن «هذه الجماعات شاركت في أنشطة إرهابية تهدد أمن القوات الأميركية وشركائها في المنطقة، وتعمل بشكل وثيق مع الحرس الثوري الإيراني–فيلق القدس، المصنف هو الآخر منظمة إرهابية». وبرّرت الخارجية هذا القرار بأنه في إطار جهود واشنطن «لمواجهة النفوذ الإيراني في الشرق الأوسط، والحد من تهديد الجماعات المسلحة المدعومة من طهران ضد المصالح الأميركية».
وذكّر بيان الخارجية بتصنيفات سابقة شملت «جماعات مشابهة» مثل «كتائب حزب الله»، التي صُنفت «منظمة إرهابية» عام 2009، و«عصائب أهل الحق»، المصنفة منذ 2020، وكلتاهما شاركتا في هجمات ضد القوات الأميركية في العراق، وفق البيان الأميركي.
أما في سوريا، فقد هدأت وتيرة الاعتداءات الإسرائيلية، نسبياً خلال الأيام الماضية، على وقع اقتراب دمشق وتل أبيب من اتفاق أمني محتمل في ظل المساعي الأميركية المكثفة لردم الهوة بين الجانبين.
وتضع الولايات المتحدة لمساتها الأخيرة على الاتفاق الأمني، بهدف تحقيق إنجاز يمهّد الأرض أمام التفرّغ لملف «قوات سوريا الديمقراطية» (قسد) في شرق البلاد، لاسيّما بعد أن قامت بتقسيم ملفّ سوريا إلى شطرَين، عزلت عبرهما مسألة السويداء –التي مُنحت إدارة ذاتية– تمهيداً لإخضاع الجنوب لسلطة مباشرة وغير مباشرة للاحتلال الإسرائيلي.
وكان الرئيس السوري الانتقالي، أحمد الشرع، قد اعترف بالعلن –مؤخراً– بالمفاوضات المباشرة مع إسرائيل التي قال إنها قد تسفر عن نتائج ملموسة خلال الأيام القليلة المقبلة، أي قبل توجهه إلى نيويورك للمشاركة في أعمال الجمعية العمومية للأمم المتحدة.
وكشف موقع «أكسيوس» الأميركي أن إسرائيل قدمت لسوريا مقترحاً مفصلاً لاتفاق أمني جديد، يستند في خطوطه العريضة إلى تجربة اتفاقية كامب ديفيد الموقعة مع مصر عام 1979.
ويقترح الجانب الإسرائيلي تقسيم المنطقة الواقعة جنوب غربي دمشق وحتى الحدود الإسرائيلية إلى ثلاث مناطق أمنية، مع فرض مستويات مختلفة من نزع السلاح، بما فيها، حظر طيران ومنع تمركز القوات العسكرية الثقيلة في الشريط القريب من الحدود، مع السماح بوجود الشرطة وقوات الأمن الداخلي فقط في مناطق أخرى.
ونقل الموقع عن مسؤول إسرائيلي كبير أن بلاده متمسكة بالاحتفاظ بوجودها في جبل الشيخ ضمن أي اتفاق مستقبلي، على عكس ما يطالب الشرع، مشيراً إلى أن الهدف الأساسي للاقتراح هو تأمين «ممر جوي» مفتوح يسمح لإسرائيل بتنفيذ ضربات محتملة ضد أهداف إيرانية في المستقبل.
وأوضح الشرع خلال تصريح صحفي في دمشق، أن أي اتفاق أمني يجب أن يضمن انسحاب القوات الإسرائيلية من المواقع التي سيطرت عليها بعد 8 كانون الأول 2024، وخصوصاً جبل الشيخ، مضيفاً أن سوريا كانت قريبة جداً من التوصل إلى تفاهم أمني في تموز (يوليو) الماضي، لكن أحداث السويداء «عطّلت المسار».
وفيما يشبه التنازل عن الجولان المحتل، أفاد الشرع بأنه «قضية كبيرة ومعقدة» لا يمكن مناقشتها حالياً، مستدركاً بأن أي حديث عن اتفاقيات سلام أو تطبيع شبيه باتفاقيات «أبراهام» غير مطروح في «المرحلة الراهنة».
أما في لبنان، وفي الذكرى الأولى لبدء العدوان الكبير في أيلول (سبتمبر) 2024، نفّذ جيش الاحتلال الإسرائيلي، سلسلة غارات على جنوب البلاد مؤكداً الاستمرار في سياق المعركة نفسها ضدّ لبنان، وأنه غير مهتمّ بكل النقاش السياسي الجاري بين اللبنانيين أو مع الوسيط الأميركي حول مستقبل الوضع في الجنوب، بينما اكتفى رئيس الحكومة نواف سلام بالتمسك بالمسار الدبلوماسي للرد على العدوان مع الاستمرار في مسار نزع سلاح «حزب الله».
وينتظر لبنان عودة مورغان أورتاغوس، يوم الأحد المقبل، في زيارة تقتصر على لقاء ضباط الجيش من دون لقاءات مع السياسيين في إطار مساعي واشنطن المستمرة لزج الجيش في مواجهة سلاح المقاومة، عبر استغلال قرار الحكومة بهذا الصدد.
من جانبه، اعتبر رئيس مجلس النواب، نبيه بري، أن الاعتداءات الإسرائيلية المكثفة التي استهدفت الجنوب اللبناني، مساء الخميس المنصرم، هي عدوان على كل لبنان، داعياً إلى العمل من أجل ترسيخ وحدة الموقف في مواجهة العدوانية الإسرائيلية.
في المقابل، شهدت جبهة الإسناد اليمنية هدوءاً نسبياً خلال الأسبوع الماضي حيث لم تسجل هجمات متبادلة بين الحوثيين والإسرائيليين على عكس الأسابيع السابقة التي شهدت تصعيداً ملحوظاً.
Leave a Reply