ليست هي المرة الأولى التي تهدد فيها اسرائيل لبنان وتتوعد مقاومته، بل هي عادة درجت عليها حتى الافراط، فأصبحت تهديداتها وعدمها سيان بالنسبة للمقاومة التي لا تنتظر تهديدا من هنا أو هناك حتى تستنفر قواتها وتستدعي احتياطها، لأن التأهب والاستعداد واليقظة هي أمور روتينية بالنسبة لها. ولكن اللافت في الأمر هذه المرة هو الاعلان الاسرائيلي عن حيازة “حزب الله” لصواريخ “سكود” بعيدة المدى عبر سوريا، وهو اعلان تبنته الادارة الأميركية وزادت عليه بأن حجم ترسانة الأسلحة التي يمتلكها حزب الله يفوق ما تمتلكه معظم الحكومات في العالم. فما الذي يدفع اسرائيل الى توجيه ضربة معنوية لجيشها وشعبها من خلال “تبشيرهما” بأنهما أصبحا في مرمى أسلحة الدمار الشامل؟
واذا كان السيد حسن نصر الله حذر اسرائيل من مغبة الاعتداء على لبنان واضعا معادلة جديدة للردع بأن “مطار بن غوريون” سيدمر اذا ما قصفت اسرائيل “مطار رفيق الحريري الدولي” وعملت اسرائيل على التعتيم المقصود على خطاب السيد نصر الله لتجنب الآثار السلبية التي تؤثر على معنويات الجيش والشعب، فما الذي جعل اسرائيل هذه المرة تبادر الى اثارة ما يفوق كلام نصر الله خطورة واهمية من دون مراعاة مخاوف شعبها؟
أن يحصل “حزب الله” على صاروخ “سكود” (700 كلم) يعني استطاعة الحزب اصابة وبشكل دقيق أي موقع عسكري ومدني في اسرائيل حتى في اقصى جنوبها حيث مفاعل “ديمونا” النووي مع قدرة تدميرية عالية تصل الى 500 كيلوغرام من المتفجرات المضادة للأفراد، اضافة الى القدرة التدميرية “محطمة المدرجات” من خلال حمله لأربعين من القنابل العنقودية، مع متوسط حجم يبلغ 11 متراً وهو حجم معقول مقارنة بغيره من الصواريخ بعيدة المدى، ما يجعل أمر حيازته من الأمور المقبولة من الناحية التقنية.
قد تكون التصريحات الاسرائيلية بشأن صواريخ السكود نتيجة معلومات استخبارية أو نتيجة تخمينات معطوفة على تحليلات سياسية، والأرجح أنها محض تحليلات سياسية لم تجد بدا من اثارة مسألة الـ”سكود” عندما عجزت خلال درسها لخطاب السيد نصر الله عن الاجابة عن السؤال التالي: كيف سيدمر “حزب الله” مطار بن غوريون وما هو السلاح الذي سيصل الى أي موقع في اسرائيل مدنيا كان أو عسكريا أو صناعيا أو كيميائيا؟ فلم يكن أمامها الا مطابقة كلام نصر الله مع الادوات المتاحة للتنفيذ: صاروخ متوسط الحجم (11 مترا بقطر 88 سنتيمترا) يصل مداه الى اكثر من 700 كيلومتر بقوة تفجيرية عالية مضادة للأفراد ومحطمة للمدرجات (مطار بن غوريون)، يصيب هدفه بدقة عالية ويمكن اطلاقه من لبنان. فوقع الاختيار على تبني صاروخ “السكود” لما يحمله من بعد سيكولوجي في الذاكرة الإسرائيلية الجماعية إبان قصف صدام حسين لتل أبيب في العام ١٩٩١، وتم منحه دور البطولة على المسرح اللبناني لحيازته على دفتر الشروط الكاملة لأداء مهمة تدمير مطار بن غوريون.
بالمحصلة فقد اعلنت اسرائيل من حيث لا تدري “حزب الله” دولة اقليمية عظمى تصعب مهاجمتها، ويضرب لها ألف حساب، ومنحت خصمها هدية مجانية وقعت في اسرها من خلال التساؤل: “حزب الله” يمتلك صواريخ “سكود” البالستية التكتيكية، ما هو التالي؟ الانتظار حتى يحوز سلاحا مضادا للطائرات؟ أم شن الحرب الاستباقية المجهولة النتائج أم التعايش مع الواقع الجديد للمقاومة؟
Leave a Reply