وفيقة إسماعيل – «صدى الوطن»
لوّحت سلطات الاحتلال الإسرائيلي مؤخراً بمواصلة الاعتقال الإداري لعدد من الأسرى الفلسطينيين المضربين عن الطعام مما ينذر بعودة هذا الملف إلى الواجهة ومعه احتمالات التصعيد العسكري التي قد تلجأ إليها فصائل المقاومة مجدداً كما فعلت في الربيع الماضي.
إسرائيل تذرعت بتحسن صحة الأسير مقداد القواسمة المضرب عن الطعام وقررت إعادته إلى الاعتقال، وفق ما نقله محامي الأسير الذي حمّل الاحتلال كامل المسؤولية عن هذه الخطوة، مطالباً بالتحقق من التقارير الطبية الصادرة عن مستشفى إسرائيلي، والتي أقرت باحتمال تعرض الأسير القواسمة للموت المفاجئ في أية لحظة.
كذلك، أكدت والدة القواسمة لوسائل الإعلام أن ابنها يعاني من آلام حادة وتشوّش في الرؤية وضغط في الصدر، مناشدةً العالم الوقوف إلى جانبه. ويستمر الأسير القواسمة في إضرابه عن الطعام بالرغم من صدور قرار بتجميد اعتقاله، وذلك حتى إلغاء الاعتقال الإداري بالكامل.
وكانت قوات الاحتلال قد عمدت في 28 تشرين الأول (أكتوبر) المنصرم أيضاً إلى تجديد الاعتقال الإداري بحق الأسير المضرب عن الطعام كايد الفسفوس، وإلى تقييده بالسرير رغم حالته الصحية المتهالكة! الفسفوس يواصل إضرابه عن الطعام منذ أكثر من مئة يوم، وهو يخضع للمراقبة في مستشفى «برزيلاي» الإسرائيلي في عسقلان وقد مُنع محاميه من زيارته. خالد الفسفوس أكد أن شقيقه الأسير كايد صلبٌ، وأن رسالته هي الاستمرار في إضرابه إما حراً وإما شهيداً.
وفي السياق عينه، أعلن «نادي الأسير الفلسطيني» في بيان له بتاريخ 4 تشرين الثاني (نوفمبر) 2021، عن مواصلة ستة أسرى إضرابهم المفتوح عن الطعام احتجاجاً على اعتقالهم الإداري، وهم: كايد الفسفوس (مضرب لليوم 113) ومقداد القواسمة (106)، وعلاء الأعرج (89)، وهشام أبو هواش (80)، وعياد الهريمي مضرب لليوم (43). إضافة إلى لؤي الأشقر (25).
التضامن مع الأسرى
وعلى مدى الأسابيع الماضية، وبنحو شبه يومي، يقيم الفلسطينيون في غالبية أنحاء الضفة الغربية المحتلة وقطاع غزة فعاليات التضامن مع الأسرى المضربين عن الطعام في السجون الإسرائيلية رفضاً لاعتقالهم الإداري.
وفي ظل الأنباء المتواترة عن تدهور الوضع الصحي للأسيرين القواسمة والفسفوس، وفي خطوة تضامنية، دعت شبكة الأسرى المحررين إلى الإضراب عن الطعام ليوم واحد، وإلى الخروج في مسيرات تضامنية بعد صلاة الجمعة (مع صدور هذا العدد) في كل القرى والمدن والمخيمات.
كذلك، أطلق ناشطون في مواقع التواصل الاجتماعي حملة دعم وإسناد للأســرى المضربين عن الطعام في سجون الاحتلال، ودعوا إلى مشاركة واسعة من خلال التغريد على وسم #أنقذوا_الأسرى.
وقال الناطق باسم مؤسسة «مهجة القدس»، إن الأوضاع الصحية المأسوية للأسرى المضربين عن الطعام، ولا سيما الأسيرين كايد الفسفوس ومقداد القواسمة، تنذر «باستشهاد أحدهم خلال الساعات المقبلة».
ونصبت لجنة الأسرى التابعة لائتلاف «القوى الوطنية والإسلامية الفلسطينية» في قطاع غزة، الأربعاء الماضي، خيمة لمناصرة الأسرى المضربين عن الطعام داخل السجون الإسرائيلية.
وأعلن عدد من المشاركين في الفعالية، التي أُقيمت أمام مقر اللجنة الدولية للصليب الأحمر في مدينة غزة، إضرابهم عن الطعام لمدة يومين، تضامناً مع الأسرى.
وفي مدينة البيرة، وسط الضفة الغربية، شارك عشرات الفلسطينيين، يوم الثلاثاء الماضي، في وقفة أمام مقر اللجنة الدولية للصليب الأحمر، دعما للأسرى المضربين عن الطعام في السجون الإسرائيلية ورفعوا صور المضربين عن الطعام، ولافتات تطالب بالإفراج عنهم، كما عبّر رئيس «نادي الأسير الفلسطيني»، قدورة فارس، عن مخاوفه من استشهاد أحد المضربين عن الطعام.
مطالب الأسرى
تنحصر مطالب الأسرى المضربين عن الطعام بإلغاء الاعتقال الإداري بحقهم والإفراج عنهم. ويوجد في السجون الإسرائيلية نحو540 معتقلاً بموجب قرارات اعتقال إدارية من بين نحو 4,700 أسير. وقد بلغ عدد قرارات الاعتقال الإداري منذ عام 1967 أكثر من 54 ألف قرار، ما بين قرار جديد وقرار بتجديد الاعتقال الإداري.
والاعتقال الإداري يعود لقانون الطوارئ البريطاني لعام 1945، وتستخدمه إسرائيل لاعتقال فلسطينيين وسجنهم من دون محاكمة، لفترات مختلفة قابلة للتجديد تلقائياً. ويعتمد السجن الإداري على ملفات تتذرع الأجهزة الأمنية الإسرائيلية بأنها سرية، ولا يجوز الاطلاع عليها.
ويقضي الاعتقال الإداري بالسجن بأمر عسكري، من دون تهمة، ويمتد ستة أشهر قابلة للتمديد.
المقاومة تهدد
في ظل التعنت الإسرائيلي، يؤكد القيادي في حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، إسماعيل رضوان، أن المقاومة تراقب عن كثب ما يجري مع الأسرى في سجون الاحتلال، وأنها لن تصمت طويلاً على هذه الممارسات خاصة في حال حدوث أي مكروه لهم.
ويضيف رضوان، في كلمته التي ألقاها باسم القوى الوطنية والإسلامية خلال فعالية الخيمة التضامنية، إن على الاحتلال الإسرائيلي التقاط رسائل المقاومة الفلسطينية والاستجابة لمطالب الأسرى المضربين عن الطعام رفضاً لسياسة الاعتقال الإداري الظالمة.
أما القيادي في حركة «الجهاد الإسلامي»، أحمد المدلل، فقد شدد على استعداد حركته للذهاب بعيداً من أجل نصرة الأسرى في سجون الاحتلال، ولاسيما المضربين منهم عن الطعام، حتى وإن وصل الأمر إلى خوض معركة جديدة من قطاع غزة.
حيّ الشيخ جراح والتسوية الملغومة
تحت ذريعة قانون أملاك الغائبين، تواصل سلطات الاحتلال شن حملة مصادرات لأراضي حي الشيخ جراح جنوب شرقي القدس المحتلة، فضلاً عن إخطارها أصحاب حوالي ثلاثين منزلاً بالهدم والإخلاء سعياً منها إلى تهويد الحي بالكامل، وتحويل مساحات كبيرة من أراضيه إلى مواقف للسيارات ومراكز لخدمة المستوطنين، وهو ما يندرج ضمن إطار سياسة التضييق الممنهجة على أهالي الحي الأصليين من الفلسطينيين بهدف تهجيرهم.
لكن تلك الإجراءات التعسفية رغم قسوتها، لم تثنِ أهالي الحي عن الاستمرار في نضالهم أمام محاكم الاحتلال الإسرائيلي الذي عرض عليهم تسوية ملغومة، مفادها البقاء في منازلهم مقابل دفع إيجار ومبالغ كبيرة للجمعيات الاستيطانية، وهذا ما رفضه الأهالي بالإجماع، واعتبروه اعترافاً ضمنياً بملكية المستوطنين للمنازل وأصدروا بياناً أملوا من خلاله «مؤازرة كل الشعب الفلسطيني لهم في تبعات موقفهم الرافض والتي يعلمون أنها ستكون ثقيلة ولا يصدها إلا التكاتف الشعبي» بحسب بيان الأهالي، وأن هذه التسوية المزعومة ستجعل منهم «مستأجرين محميّين» لدى الجمعية الاستيطانية «نحلات شمعون»، وهي تمهد تدريجاً لمصادرة حقهم في أراضيهم.
وحمّل الأهالي حكومة الاحتلال المسؤولية الكاملة عن سرقة بيوتهم، كما حملوا المسؤولية بالتوازي للسلطة الفلسطينية، ووكالة غوث وتشغيل اللاجئين (الأونروا) وللمملكة الأردنية الهاشمية، التي بنت حي الشيخ جراح كمشروع لإسكان اللاجئين عام 1956، وأعطتهم الحق الكامل في ملكية الأرض.
وزارة شؤون القدس أكدت من جهتها أن قضية حي الشيخ جراح سياسية بامتياز، وأن محاكم الاحتلال ليست سوى أداة في خدمة المؤسسة الحكومية الإسرائيلية لتنفيذ مخططاتها في دولة فلسطين بشكل عام، ومدينة القدس المحتلة بشكل خاص.
وشددّت الوزارة في بيان لها، الثلاثاء الفائت، على التمسك بالحقوق الفلسطينية، ورفض مخططات التهجير العرقي والاستيطان.
وكان العشرات قد توافدوا إلى حيّ الشيخ جراح للتعبير عن دعمهم ومساندتهم لأهله المهددين بالتهجير من منازلهم، قبل أن تعتدي عليهم قوات الاحتلال وتفرقهم بالقوة، فيما داهمت تلك القوات منزل عائلة الكرد ومنازل أخرى مجاورة، واعتقلت شابين. وكان مستوطنون متطرفون قد دخلوا حي الشيخ جراح في القدس المحتلة وهاجموا الأهالي في مشهد متكرر بشكل شبه يومي.
الغطرسة الإسرائيلية
قصص عذابات الأسرى وعائلاتهم والتهديد الذي يعيشه أهالي حي الشيخ جراح صورة مصغرة عن العقاب الجماعي والغطرسة الإسرائيلية اللذين تمارسهما قوات الاحتلال يومياً بحق الشعب الفلسطيني الذي يرفض الإذعان والخضوع.
لكن هل تجرؤ إسرائيل على التمادي في غطرستها رغم احتمال تدحرج الأمور نحو الانفجار على شكل هبّة شعبية أو انتفاضة أو ربما عمليات عسكرية تشنها المقاومة فتجد نفسها في أزمة أمنية واقتصادية وسياسية جديدة؟
Leave a Reply