غزة – في تمام الساعة السابعة من صباح الجمعة 24 تشرين الثاني (نوفمبر) الجاري، وبعد جولة قصف عنيف ومجازر جديدة ارتكبها جيش الاحتلال المثخن بخسائره على يد ضربات المقاومة الفلسطينية، دخلت الهدنة في قطاع غزة حيز التنفيذ، لمدة أربعة أيام، لتكرّس انتصاراً فلسطينياً صريحاً تمثل بإذعان إسرائيل لشروط حركة «حماس» بتبادل جزئي للأسرى، وفق ما أعلن الناطق باسم الحركة، أبو عبيدة، في إطلالة سبقت تطبيق الهدنة بساعات، حرص خلالها على توجيه التحية إلى الضفة الغربية ولبنان واليمن والعراق، لمساندتهم المقاومة مع غزة.
وعلى رغم ثقل الحصيلة البشرية للهجوم الوحشي الإسرائيلي، والتي زادت عن 15 ألف شهيد، بينهم أكثر من 6,150 طفلاً وأربعة آلاف امرأة، ورغم الدمار الذي أتى على نصف مباني القطاع، واصلت «حماس» وفصائل المقاومة الفلسطينية عملياتها العسكرية حتى اللحظة الأخيرة قبل سريان الهدنة، مؤكدة استعدادها لمواصلة القتال فور انتهاء مدة الاتفاق الذي تم التوصل إليه بوساطة قطرية–مصرية–أميركية.
أما على الجانب الإسرائيلي، فاضطر رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو إلى تجرع «سم الهدنة»، الذي قد يقضي على مستقبله السياسي في ظل صعوبة استئناف القتال، بعد أن أجبرته الخسائر الفادحة التي لحقت بجيش الاحتلال في غزة والمخاوف الأميركية من توسع الصراع مع تصعيد أذرع محور المقاومة لوتيرة عملياتها العسكرية في المنطقة وصولاً إلى تهديد الملاحة عبر مضيق باب المندب، على التخلي عن أهداف الحرب المعلنة، بالقضاء على «حماس» والتهجير واستعادة جميع الأسرى من دون اتفاق.
وفي اليوم الـ48 للمعركة، خرج «أبو عبيدة» في خطاب انتصار أجمل فيه ما أنجزته المقاومة، معلناً أن «كتائب القسام» دمّرت 335 آلية إسرائيلية منذ بدء الحرب، بينها 33 آلية خلال 72 ساعة، ومؤكداً أن «ما تمّ الاتفاق عليه بشأن الهدنة هو ما عرضته المقاومة قبل بدء التوغل البرّي ورفضته إسرائيل، وزعمت أنها ستحقّقه بالقوة العسكرية». ووجّه التحية إلى شعب الضفة الغربية المحتلة، كما حيّى لبنان واليمن والعراق «الذين يحاصرون العدوّ ويدكّون حصونه، بعدما حرّكتهم صرخات غزة ونداءات مقاومتها». وكذلك، دعا أهل الأردن إلى تصعيد كلّ أوجه التحرّك الشعبي ضدّ الاحتلال، قائلاً: «أنتم يا أهل الأردن كابوس الاحتلال الذي يسعى ويجتهد لتحييده وعزله عن قضيته».
في المقابل، تعهدت إسرائيل بـ«مواصلة حربها» ضد حماس بعد انتهاء الهدنة، حسبما نقلت «فرانس برس» عن الحكومة الإسرائيلية.
وقال نتنياهو، إنه سيتم إطلاق سراح الرهائن على مراحل، مشيراً إلى أن الرئيس الأميركي جو بايدن ساعد في تحسين الاتفاق ليشمل المزيد من الرهائن المحتجزين لدى «حماس».
وأضاف نتنياهو خلال انعقاد الحكومة للتصويت على اتفاق الرهائن إن «القيادات الأمنية تدعم القرار بالكامل، وتقول إن الاتفاق سيسمح للجيش بالاستعداد لمواصلة القتال».
ويعتقد أن حماس تحتجز أكثر من 200 شخص اقتادتهم إلى غزة عندما تسلل مقاتلوها إلى إسرائيل في السابع من أكتوبر، وشنوا هجوما أسفر عن مقتل 1200 شخص وفقا للإحصائيات الإسرائيلية.
تفاصيل الصفقة
أعلن الناطق باسم وزارة الخارجية القطرية، ماجد الأنصاري، فإن تسليم الدفعة الأولى من الأسرى لدى المقاومة الفلسطينية والمكوّنة من 13 امرأة وطفلاً، إلى الجانب الإسرائيلي، سيتمّ عند الرابعة من بعد الظهر، بعدما أكد مكتب نتنياهو تلقّيه قائمة بأسماء المنوي الإفراج عنهم وإبلاغه عائلاتهم. وإذ لم يحدّد الأنصاري عدد الأسرى الفلسطينيين الذين سيفرَج عنهم، فإن الاتفاق ينصّ على أنه مقابل كلّ إسرائيلي، يتمّ إطلاق ثلاثة فلسطينيين، أيضاً من النساء والأطفال، وهذا ما أعلنته حركة «حماس» في بيان تأكيد موعد بدء سريان الهدنة. كذلك، سيفرَج عن عدد من الأسرى الإسرائيليين من النساء والأطفال وكبيرات السن، كلّ يوم من الأيام الأربعة للهدنة، حتى الوصول إلى عدد 50. كما ستُجمَع معلومات عن باقي الأسرى الذين يدخلون ضمن هذه الفئة. إلا أن الصفقة لا تشمل الإفراج عن أيّ عسكري إسرائيلي.
وبحسب «اللجنة الدولية للصليب الأحمر»، سيتم نقل الأسرى الإسرائيليين إلى مصر عن طريق معبر رفح، ثمّ يجري نقلهم من هناك إلى إسرائيل. وأعربت اللجنة عن الأمل «بأن يساهم وقف القتال في توفير المساعدات لكامل قطاع غزة».
وكانت حركة «حماس»، قد أصدرت بياناً يوم الأربعاء الماضي، كشفت فيه عن تفاصيل ما وصفته باتفاق «التهدئة» مع إسرائيل. وتضمن البيان: «توصلنا إلى اتفاق هدنة إنسانية ووقف إطلاق نار مؤقتاً لمدة أربعة أيام بجهود قطرية ومصرية حثيثة».
وإلى جانب تبادل الأسرى، جاء في بيان «حماس» أنه تم الاتفاق على وقف إطلاق النار من الطرفين، وكل الأعمال العسكرية للجيش الإسرائيلي في جميع مناطق قطاع غزة، ووقف حركة آلياته العسكرية المتوغلة في القطاع. وإدخال مئات الشاحنات الخاصة بالمساعدات الإنسانية والإغاثية والطبية والوقود، إلى كل مناطق قطاع غزة، بلا استثناء شمالاً وجنوباً.
كذلك تضمن الاتفاق، وقف حركة الطيران فوق جنوب غزة على مدار الأربعة أيام. ووقف حركة الطيران فوق الشمال لمدة 6 ساعات يومياً من الساعة 10:00 صباحاً حتى الساعة 4:00 مساء.
خلال فترة الهدنة تلتزم إسرائيل بعدم التعرض أو اعتقال أحد في كل مناطق قطاع غزة، بالإضافة إلى ضمان حرية حركة الناس (بين الشمال والجنوب) على طول شارع صلاح الدين.
من جانبه، رحب الرئيس الأميركي، جو بايدن، بالاتفاق عبر منشور على منصة «أكس»، أعرب فيه عن تقديره لالتزام نتنياهو لدعم تنفيذ هذه الصفقة بالكامل.
وأضاف بايدن «منذ اللحظات الأولى لهجوم حماس الوحشي، عملنا أنا وفريقي بشكل وثيق مع الشركاء الإقليميين لبذل كل ما في وسعهم لتأمين إطلاق سراح مواطنينا»، مشيراً إلى أن «صفقة اليوم ستعيد المزيد من الرهائن الأميركيين إلى الوطن».
وتابع: «كرئيس ليس لدي أولوية أعلى من ضمان سلامة الأميركيين المحتجزين كرهائن في جميع أنحاء العالم. ولن أتوقف حتى يتم إطلاق سراحهم جميعاً».
وكان مسؤول كبير في البيت الأبيض قد أعلن أن ثلاث أميركيات، إحداهن طفلة عمرها 3 سنوات، ستفرج عنهن «حماس» في إطار الاتفاق الذي أبرمته مع إسرائيل.
مخاوف أميركية
يرى المراقبون أن إذعان إسرائيل لشروط «حماس»، جاء تحت ضغوط أميركية حثيثة لمنع توسع الحرب في الشرق الأوسط، لاسيما بعد تصعيد عمليات «حزب الله» عبر الحدود اللبنانية، وتنفيذ صنعاء لتهديداتها باستهداف السفن الإسرائيلية في البحر الأحمر، ومواصلة الفصائل العراقية لاستهداف القوات الأميركية في العراق وسوريا.
فقد أعلنت نائبة المتحدث باسم البنتاغون، سابرينا سينغ، أن القوات الأميركية في العراق وسوريا تعرضت لـ66 هجوماً منذ 17 أكتوبر، مما أدى إلى إصابة 62 عسكرياً.
وقالت صحيفة «واشنطن بوست» إن بعض المسؤولين في البنتاغون محبطون من تصاعد الهجمات على القوات الأميركية في العراق وسوريا، لافتة إلى أن «المسؤولين المحبطين داخل وزارة الدفاع يعتبرون أن البنتاغون اعتمد استراتيجية غير متماسكة لمواجهة وكلاء إيران»، مشيرة إلى أن بعض المسؤولين يعتبرون أن «الضربات الجوية الانتقامية المحدودة» التي وافق عليها الرئيس بايدن، «فشلت في وقف العنف».
أما على الجبهة اللبنانية، فتصاعدت حدة المواجهة بشكل ملحوظ خلال الأسبوع الماضي، حيث نفذ «حزب الله» يوم الخميس الماضي أوسع استهداف لمواقع جيش الاحتلال وثكناته وتجمعاته على طول الحدود، منفذاً 22 عملية استهدفت تجمعات لجنود ودبابة ميركافا وقوة مشاة.
وجاء تصعيد الحزب إثر سقوط عدد من الشهداء، من بينهم الزميلان في «الميادين» فرح عمر وربيع معماري، إضافة إلى استهداف أربعة كوادر من حركة «حماس» في قصف استهدف سيارة مدنية كانت تقلّهم جنوب صور.
وشيّع «حزب الله» المزيد من الشهداء خلال الأسبوع الماضي بينهم عباس محمد رعد، نجل رئيس كتلة الوفاء للمقاومة في البرلمان،
وذكرت تقارير إعلامية إسرائيلية أن الرئيس بايدن طالب نتنياهو، في اتصال هاتفي، بالعمل على تهدئة الجبهة الشمالية خلال فترة الهدنة. وأضافت أن نتنياهو لم يعط أي التزام محدد في هذا الشأن.
ووصف معهد أبحاث الأمن القومي في تل أبيب، وهو من المراكز الأساسية التي ترفد حكومة العدو بتوصيات تؤخذ في الاعتبار في عملية صنع القرار، ما يجري على «الجبهة الشمالية» بأنه «حرب مصغّرة»، مشيراً إلى أنه «منذ بداية الأحداث، بعد يوم من السبت الأسود (7 تشرين الأول)، نرى مساراً تصاعدياً من جهتهم (المقاومة) ومن جهتنا، ونتدحرج إلى تصعيد»، لافتاً إلى أن «الأمور في الشمال مرتبطة بتطورات المعركة في غزة، إضافة إلى كيفية رد إسرائيل على تبادل النيران مع حزب الله».
تصعيد يمني
رفعت صنعاء، بشكل كبير، مستوى المؤازرة للمقاومة الفلسطينية في غزة، والردّ على المجازر الإسرائيلية بحق الفلسطينيين، من خلال احتجاز أول سفينة إسرائيلية في البحر الأحمر –وعلى متنها 22 بحاراً– وسحبها إلى شواطئ اليمن. تطوّرٌ نوعي حاول العدو الإسرائيلي استغلاله للتجييش العالمي بالقول إن ما جرى يؤثر على الملاحة العالمية، وهو ما نفته «أنصار الله» عبر التأكيد أن عملياتها في البحر الأحمر تستهدف حصراً السفن الإسرائيلية. ووفقاً لأكثر من مصدر مطّلع في صنعاء، فإن السفينة «غالاكسي ليدر» كانت تتعمّد التمويه وترفع علم الباهاما، فيما تجاهَل طاقمها تحذيرات القوات البحرية اليمنية، فتمّ احتجازها «تنفيذاً لتوجيهات القيادة». وأوضحت المصادر أن عملية الاحتجاز جرت بواسطة طائرة عمودية هبطت على سطح السفينة وأجبرت طاقمها على الاستسلام، وذلك بعد التأكّد من أنها تابعة لإسرائيل.
وشدد المتحدث الرسمي باسم القوات المسلّحة اليمنية، العميد يحيى سريع، شدّد على أن العملية لا تهدّد الملاحة الدولية، وأن «عمليات صنعاء محدّدة باستهداف سفن العدو»، مشيراً إلى أن «الكيان الصهيوني هو من يهدّد أمن المنطقة»، وداعياً المجتمع الدولي إلى «إيقاف جرائم الاحتلال بحق الفلسطينيين». وقال سريع، في بيان، إن القوات البحرية اليمنية «استولت على السفينة الإسرائيلية واقتادتها إلى الساحل اليمني»، لافتاً إلى أن قواته «تتعامل مع الطاقم الملاحي وفقاً لتعاليم الدين الإسلامي»، ومؤكداً «استمرارنا في العمليات العسكرية ضد العدو الصهيوني حتى توقّف العدوان على الشعب الفلسطيني في قطاع غزة».
كذلك، اعتبر المتحدث باسم حركة «أنصار الله»، محمد عبد السلام، أن «احتجاز السفينة الإسرائيلية خطوة عمليةٌ تثبت جدية القوات المسلحة اليمنية في خوض معركة البحر مهما بلغت أثمانها وأكلافها». وأشار عبد السلام، في منشور على منصة «إكس»، إلى أن هذه العملية «تُعدّ البداية»، مشدّداً على أن «أي حرص على عدم اتساع الصراع يكون بوقف العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة».
Leave a Reply