كمال ذبيان – «صدى الوطن»
لا تمر فترة زمنية إلا ويخرج العدو الإسرائيلي بمزاعم حول لبنان، مرتبطة بـ«حزب الله»، لتكون ذريعة لشن حرب عليه. وقد كثّف قادة الاحتلال مؤخراً من فبركة معلومات كاذبة حول سلاح الحزب، كما كانوا يفعلون في كل مرة يخططون فيها لعدوان، وهذا ما حصل في حروب سابقة، في زمن وجود المقاومة الفلسطينية في لبنان، منذ أواخر ستينيات القرن الماضي.
مصانع الأسلحة
قبل أكثر من عام، ادّعى رئيس حكومة العدو الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، بأن «حزب الله» أقام مصانع للأسلحة، في منطقة الأوزاعي، قرب مطار بيروت، وقدم صوراً أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، للتأكيد على ادّعائه، في مشهد ذكر المراقبين بما فعله وزير الخارجية الأميركية الأسبق كولين باول، عندما زعم أن العراق يمتلك أسلحة دمار شامل لتبرير الحرب عليه، ليكشف باول نفسه بعد سنوات، بأنه وقع في أكاذيب، واصفاً ما قاله لسانه بـ«العار». وهو ما يتبيّن أيضاً في المعلومات المفبركة التي أظهرها نتنياهو حول مصانع الأسلحة التي لم يظهر لها وجود في الأماكن التي أشار إليها رئيس الحكومة الإسرائيلية، في محيط «ملعب الغولف» بمنطقة الاوزاعي بضاحية بيروت الجنوبية التي زارها سفراء دول، دعاهم وزير الخارجية جبران باسيل لمعاينة المكان ليكتشفوا الخدعة الإسرائيلية بأنفسهم، فطوي الكلام عن مصانع للأسلحة، التي أكّد الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصرالله في خطاب له بـ«يوم القدس» بأنه «من حقنا أن نمتلك أي سلاح ونصنع أي سلاح للدفاع عن أنفسنا، ولو لدينا أي مصنع للصواريخ الدقيقة اليوم، كنت أعلنت عن ذلك، وإذا بقي الأميركي يفتح هذا الملف سأقول لكم نحن لدينا القدرة الكاملة للتصنيع وسنؤسس مصنعاً للصواريخ الدقيقة في لبنان».
المرفأ والمطار
وموضوع الصواريخ الدقيقة لم ينكر السيد نصرالله امتلاك المقاومة لها، بالعدد الكافي، وتستطيع أن تغيّر وجه المنطقة والمعادلة، وهذا ما يقلق إسرائيل وحليفته أميركا، التي تخشى في صراعها مع إيران، أن يستخدم «حزب الله» هذه الصواريخ التي تأتيه من إيران، وهو لا يخفي ذلك، مما دفع بمندوب الكيان الصهيوني في الأمم المتحدة داني دانون، إلى أن يعرض لصور يدّعي أنها مأخوذة من المطار والمرفأ، عن قدوم أسلحة لـ«حزب الله» عبرهما، كما عبر الحدود البرية، التي أعلنت إسرائيل أنها استهدفت قوافل سلاح لـ«حزب الله» في سوريا قادمة إلى لبنان، سواء عند الحدود، أو في أماكن أخرى.
وتهديد المندوب الإسرائيلي، ردّت عليه مندوبة لبنان لدى الأمم المتحدة السفيرة أمال مدللي، واعتبرت اتهاماته بأنها تهديدات مباشرة للسلام والبنية التحتية المدنية، كما أن السيد نصرالله أعلن نفيه القاطع لادّعاء المندوب الإسرائيلي، بأن «حزب الله» يستخدم ميناء بيروت كما المطار لنقل السلاح أو مكونات صنع سلاح إلى لبنان، وأن هذا الادّعاء يهدف للوصاية على المرفأ والمطار والحدود، لتحقيق ما عجزوا عن تحقيقه في حرب لبنان الثانية التي هدف العدو من ورائها إلى ضرب سلاح المقاومة لاسيما صواريخها التي استمرّت تتساقط على الكيان الصهيوني، لمدة 33 يوماً، فكان وقف الأعمال العسكرية بموجب قرار مجلس الأمن الدولي 1701، الذي كانت أميركا وحلفاء لها، يريدونه أن يقع تحت الفصل السابع، إلا أن صمود المقاومة عسكرياً وسياسياً منع حصول ذلك، كما لم يسمح بنشر قوات دولية على الحدود مع سوريا التي تعتبر عمق المقاومة الاستراتيجي وطريقها إلى طهران او في المرافىء لاسيما مرفاء بيروت والمطار.
والادّعاء الإسرائيلي عن مطار بيروت، كما المرفأ، وتحضير الأجواء لعملية عسكرية ضدهما، هو ما حصل في العام 1968، عندما هاجمت فرقة كومندوس مطار بيروت ونسفت طائرات تابعة لطيران الشرق الأوسط، تحت ذريعة أن فدائيين فلسطينيين يستخدمونه للسفر لتنفيذ عمليات من قبل عناصر في المقاومة ضد أهداف أو أشخاص إسرائيليين في دول أوروبية وغيرها، إضافة إلى أن خطف طائرات قامت بها فصائل فلسطينية، لاسيما من «فتح» و«الجبهة الشعبية»، انطلق أفرادها من مطار بيروت، وهي المزاعم التي تعود إليها قيادة العدو الإسرائيلي، لتنفيذ هجوم على مطار ومرفأ بيروت، وقد توعّد السيد نصرالله بالرد على مطارات إسرائيلية، ومنها مطار بن غوريون في تل أبيب، ومرفأ حيفا ومرافق أخرى، وهو ما يخشاه الإسرائيليون الذين فشلوا في تسويق مزاعمهم، لأن لبنان ملتزم بتطبيق القرار 1701، الذي ينص في أحد بنوده على انتشار قوة بحرية ألمانية تراقب الشاطئ اللبناني ويشمل المرفأ كما المطار، فسقط ادّعاء دانون كما قبله مزاعم نتنياهو.
الأنفاق
مزاعم مصانع الأسلحة التي أعلنت إسرائيل عنها أعقبت اكتشاف أنفاق للمقاومة عند الحدود مع لبنان، وهي بحدود الأربعة، التي تمّ الإعلان عنها، ولم ينفِ «حزب الله» وجودها منذ فترة بعيدة، وأنها إحدى الوسائل التي كانت ستستخدم في أي عمل تقوم به المقاومة في الجليل المحتل، وهو ما هدّد به السيد نصرالله الذي تحدث منذ أعوام عن أن المعركة المقبلة ستكون داخل فلسطين المحتلة، وهو ما أربك قادة العدو، الذين بدأوا البحث والتنقيب عن وجود أنفاق قد يستخدمها «حزب الله»، وهي التجربة التي نجحت فيها المقاومة الفلسطينية في غزة لاسيما حركتي «حماس» و«الجهاد الإسلامي» بحفر الأنفاق الهجومية أو أنفاق تهريب السلاح التي ساهمت في حصول تحوّل نوعي في المواجهة على الجبهة الجنوبية لإسرائيل، لصالح المقاومة في غزة.
تهديد بالحرب
من مزاعم مصانع الأسلحة، إلى ادعاء استخدام مطار ومرفأ بيروت لنقل السلاح، لاسيما الصواريخ الدقيقة، مروراً بالأنفاق، تحاول إسرائيل جمع أوراقها أمام العالم مطلقة تهديداتها ضد لبنان عبر «بنك أهداف» معلن، يتضمن في رصيده العاصمة بيروت، التي كانت خارج عدوان صيف 2006، والمقرات الحكومية ومراكز الجيش وثكناته. كما يهدد الإسرائيليون بتحويل الضاحية الجنوبية إلى كومة دمار، وإعادة لبنان إلى العصر الحجري، من دون طرقات ومياه وكهرباء واتصالات…
لكن في المقابل لدى المقاومة أيضاً، «بنك أهداف» أوسع، سبق للسيد نصرالله أن أعلن عنه كاشفاً أن ما حصل أثناء عدوان 2006، بوصول صواريخ المقاومة إلى العمق الصهيوني وتكريس معادلة «تل أبيب مقابل بيروت»، ليس إلا جزءاً مما قد يحصل في الحرب المقبلة، لو تجرأت إسرائيل على شنّها، مؤكداً أن صواريخ «حزب الله» تطال كل بقعة من أراضي فلسطين المحتلة.
ففي السابق، كانت إسرائيل تستبيح السيادة اللبنانية، فاحتلت الجنوب ثم غزت بيروت، وقبل ذلك اغتالت ثلاثة من قادة المقاومة الفلسطينية في 1973، وفجرت طائرات في مطار بيروت، وخطفت لبنانيين، أما اليوم فقد بات قادة الاحتلال يفكرون كثيراً وطويلاً، قبل الإقدام على أية مغامرة عسكرية، بعد الأثمان الباهظة التي تكبدتها إسرائيل جراء حرب 2006، والتي انتهت لصالح المقاومة التي أثبتت جهوزيتها لصد أي عدوان، وهي باتت بعد 13 سنة من تلك الحرب، أقوى بكثير مما كانت عليه، خصوصاً من جهة التسليح، حيث يقدر أن الحزب بات يملك صواريخ دقيقة تطال مسافات متوسطة وطويلة، ومنظومة «أس–300» الدفاعية الروسية، وصواريخ «فاتح» الإيرانية، إلى جانب دخول سلاح الطيران المسيّر في أية مواجهة مقبلة، عدا عن القذائف المضادة للدروع والتي كانت حاسمة في صد الاجتياح البري خلال عدوان 2006، وهو ما تحسب له تل أبيب ألف حساب قبل الخوض بأية مواجهة مقبلة مع «حزب الله» الذي يقول إنه يستبعد الحرب ولكنه مستعد لها.
وأمام موازين قوى الردع القائمة، قد لا تملك إسرائيل إلا مواصلة الضغوط السياسية على الحكومة اللبنانية عبر بوابة واشنطن، وربما تلقى مزاعم إسرائيل حول سلاح المقاومة، مَن يوافقها سياسياً في لبنان، تحت شعار «قرار الحرب والسلم» يجب أن يكون في يد الدولة اللبنانية، والسلاح بيد الجيش حصراً، في وقت تدرك فيه المقاومة أن سلاحها هو الأقوى والأنجع لكبح الانتهاكات الإسرائيلية… وها هو قد غيّر موازين القوى مع إسرائيل.
Leave a Reply