ما أن بدأت الحرب في سوريا تشارف على نهايتها، وفق توصيف أكثر من مسؤول في دول شاركت في المؤامرة عليها، ومن هؤلاء السفير الأميركي السابق في دمشق روبرت فورد، واعترافه بهزيمة المعارضة وانتصار النظام السوري بقيادة الرئيس بشار الأسد، حتى باشر الكيان الصهيوني البحث عن علاقات لهواجسه في سوريا، لاسيما العسكرية والأمنية منها، إذ يخشى قادته من بقاء إيران و«حزب الله» في سوريا، وما يسببانه من قلق على أمن إسرائيل، مع ورود معلومات لقادة الدولة العبرية، بأن طهران والمقاومة في لبنان، أقاما قواعد عسكرية، ودربوا عناصر بما يسمى «المقاومة الشعبية» في الجنوب السوري الممتد من درعا إلى السويداء فالقنيطرة والجولان.
من جنوب لبنان إلى جنوب سوريا
والحذر الإسرائيلي من وجود مقاومة في جنوب سوريا، نابع من أنها ستكون امتداداً لجنوب لبنان، لاسيما عند مزارع شبعا وتلال كفرشوبا والجزء الشمالي من مدينة الغجر، وهي الواقعة تحت الاحتلال الإسرائيلي، ولم تقم القوات الدولية، بفرض تنفيذ القرار 1701، وسحبت قوات الاحتلال منها، مما سيعطي للمقاومة الحق باستردادها بالقوة المسلحة وتحريرها كما حصل في الجنوب عام 2000، وقبله من أراضٍ لبنانية احتلت في العام 1982.
فالتحام الجبهتين السورية واللبنانية، هو ما يضع إسرائيل أمام مشهد جديد للمقاومة التي قد تتوسع مع أي تطور عسكري نحو الناقورة، وهو ما تحدث عنه الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصرالله مرات عدة في خطبه، عن وحدة الجبهة من الناقورة إلى الجولان، وكيف إذا تمددت نحو غزة، ودخل عليها العامل العراقي، فتقوم عندها «الجبهة الشرقية» التي تحدث عنها الخبراء العسكريون عن ضرورة إقامتها، بعد الهزيمة التي لحقت بالأنظمة العربية وجيوشها في 5 حزيران 1967.
إسرائيل قلقة
لذلك لجأت إسرائيل عبر رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو وقادة عسكريين وأمنيين بحركة نحو واشنطن وموسكو، للبحث مع قادتهما حول تأمين مصالحها الأمنية، وطرد إيران و«حزب الله» من جنوب سوريا، لكن الاتصالات الإسرائيلية مع كل من الرئيسين الأميركي دونالد ترامب والروسي فلاديمير بوتين لم تلقَ الرد الذي يطمئن قادة العدو، والجواب كان من روسيا بأن إيران و«حزب الله» شريكان في محاربة الجماعات الإرهابية في سوريا وأنها في موقع الحليف معهما، وهو ما لم يفرح نتنياهو الذي جاءه موفدوه من أميركا بالرد التقليدي، أن أميركا تحفظ أمن إسرائيل.
رسائل نتنياهو
وأمام ما تلقاه رئيس الحكومة الصهيونية من أجواء روسية وأميركية، تميل إلى السلبية إلى حد ما، قرر أن يوجه رسائله هو، الأولى بإجراء مناورات حربية، لم تحصل منذ نحو عشرين عاماً، وتركزت على المنطقة الشمالية، التي تشمل ليس لبنان فقط بل الجولان أيضاً، وإن كان ما أعلنه قادة العدو، بأنها تحاكي حرباً مع «حزب الله» الذي لم تعد قواعده في جنوب لبنان، بل في جنوب سوريا أيضاً، حيث سبق للعدو الإسرائيلي أن اغتال في القنيطرة جهاد مغنية نجل عماد مغنية، أحد قادة المقاومة الذي اغتيل في دمشق في شباط 2008 وهو كان مكلفاً بإنشاء خلايا للمقاومة في القنيطرة والمناطق المحاذية للجولان المحتل، كما اغتالت إسرائيل سمير القنطار في مدينة جرمانا إحدى ضواحي دمشق، وكان مكلفاً أيضاً بإعداد مجموعات للمقاومة في جنوب سوريا.
أما الرسالة الثانية التي وجهتها إسرائيل، فكانت الغارة التي نفّذتها بقصف مركز للبحوث العلمية يقع في وادي «جهنّم» على مقربة من مدينة مصياف في محافظة حماة، إذ قامت الطائرات الإسرائلية بالإغارة على المركز، باختراق الأجواء اللبنانية فوق جبيل، والتوجه نحو الهدف الذي دمرته وقتلت جنديين سوريين كانا يحرسانه، واعتبرت إسرائيل أن المركز المستهدف رصدته طائراتها الاستطلاعية، وتبين أنه مصنع للصواريخ الإيرانية، يزوّد «حزب الله» منه.
الغارة على مصياف
وأتبعت إسرائيل غارتها على مصياف، وبعد يومين، بخرق جدار الصوت فوق صيدا، وهي رسالة إلى لبنان، بأنه إذا لم يوقف تسلح «حزب الله» وفرض قراره على حكومته، فإن الوضع القائم سيتغير، لكن مسؤولين في «حزب الله» قللوا من تهديدات العدو الإسرائيلي ومناوراته، وهو ليس في موقع مَن يشن حرباً ثالثة على لبنان، أو أولى تشمل الجبهة الشمالية من الجنوب اللبناني إلى الجولان السوري.
ويبدو أن المناورة التي تشارك فيها وحدات من الجيش الإسرائيلي وتقدر بنحو 40 ألف عسكري، إضافة إلى الآليات المدرعة والبحرية والطائرات والصواريخ، فهي وحسب خبراء عسكريين تضع الكيان الصهيوني، وللمرة الأولى في تاريخه في موقع الدفاع، وليس الهجوم بعد أن كان جيشه يتوسع في الأراضي الفلسطينية التي احتلها بالكامل في حربَي العامين 1948 و1967، ثمّ هضبة الجولان السوري وجبل الشيخ الذي يعتبر خزان مياه تستغله إسرائيل وترفض الإنسحاب منه، وقد حاول الجيش السوري استرداده في حرب تشرين 1973، وحقّق تقدماً، مع تحرك الجيش المصري في سيناء وتدمير خط «بارليف»، وبدء نهاية أسطورة الجيش الذي لا يقهر، لتتدخل أميركا وتقوم هي بالحرب إنابة عن العدو الإسرائيلي، واستدراج الرئيس المصري أنور السادات إلى فخ السلام، فأوقف الحرب، وتُرك الجيش السوري منفرداً فيها.
المناورة الصهيونية
فالمناورة الصهيونية، سبقتها سبع مناورات للجبهة الداخلية، بعد حرب تموز 2006، وإلحاق المقاومة هزيمة بالجيش الإسرائيلي، إلا أن حجمها العسكري يطرح السؤال حول أهدافها، فهل لشن حرب جديدة لم تعد نزهة لجيشها الذي ومنذ عقود وهو يصاب بنكسات بفعل المقاومة في لبنان وفلسطين، إذ هو شن أربعة حروب على غزة منذ العام 2007، لكنه فشل في التقدم نحو القطاع الذي فرض على الجيش الإسرائيلي الانسحاب منه ومنع عليه العودة إليه.
ففي المناورة العسكرية التي يقوم بها الجيش الصهيوني، فهو يعمل على صد أية محاولة يقوم بها «حزب الله» للدخول إلى الجليل الأعلى المحتل والذي سبق لأمينه العام السيد حسن نصرالله، أن هدّد بنقل المعركة إلى داخل المستوطنات القريبة من الحدود مع لبنان، إذا ما أقدم العدو الصهيوني على عدوان جديد، وقد أخذ قادته تهديد السيد نصرالله على محمل الجد، وقد جرّبوه، وهو كان صادقاً في كل عبارة نطق بها ووعد وأعلن عنه، وهو سمى عملية خطف جنود إسرائيلين في 12 تموز 2006، لمبادلتهم بأسرى وعلى رأسهم سمير القنطار، بـ«الوعد الصادق».
إخلاء المستوطنات
ففي المناورة تركيز على إخلاء مستوطنات، حيث جرت بالقرب من إحداها وتدعى «يوشاف» وتبعد نحو 15 كلم عن الحدود مع لبنان، كما تضمنت المناورة، إقتحام نفق لـ «حزب الله» الذي يعتقد قادة العدو أنه شق عدداً منه قرب الخط الأزرق باتجاه المستوطنات لتكون ممراً له إلى داخل الجليل المحتل.
وتقوم الخطة الإسرائيلية على إخلاء مستوطنات ذات كثافة سكانية، حيث تمّ إجراء مناورة تقوم على إخلاء مستعمرتي كريات شمونة وسيدريت وهي تضم ما بين 40 و50 ألف مستوطن، كما أنشأ الجيش الصهيوني ما سماه «السرايا الحُمر»، وهي تشبه تنظيم المقاومة، وتكون مهامها بالتحرك داخل المستوطنات وإطلاق الصواريخ، كما تفعل المقاومة في جنوب لبنان خصوصاً.
الحرب واقعة
وتتعاطى إسرائيل مع المناورة، وكأن الحرب واقعة، وأن «حزب الله» قد يباغتها في شن هجوم والقيام بعمليات داخل المستوطنات، وهذا ما وضعها في حالة الدفاع لا الهجوم، وهو ما إنعكس على المستوطنين الذين لم يعتادوا طيلة وجود دولتهم المغتصبة أن يكونوا عرضة لحرب خارجية، إذ كان جيشهم هو الذي يأخذ المبادرة، إلا أن «حزب الله» قلب المعادلة، وبات هو مَن يحدد ساعة المعركة، ويعتبره الخبراء العسكريون الإسرائيليون بأنه لم يعد منظمة عسكرية، بل جيش له حجم الجيوش النظامية وقتالها وتدريبها، وبات يمتلك خبرة قتالية وعسكرية إكتسبها من الميدان السوري، إذ هو قاتل في المدن وما أكثرها، وفي الصحراء أو البادية، وفي الجبال والجرود، والتحم مع مقاتلين مدربين أشداء انتحاريين كإرهابيي «داعش» و«النصرة» وغيرهما، وهو ما ليس موجوداً لدى الجندي الإسرائيلي المتفوق تكنولوجياً، والمفتقد لإرادة القتال، إذ كشف تقرير إسرائيلي عن نسبة فرار كبيرة في صفوف الجنود وبعض الضباط من الجيش الإسرائيلي، لاسيما في الجبهة مع لبنان، حيث يتم إغراؤهم مالياً من قبل قادتهم العسكريين.
سلاح «حزب الله»
فالمناورة الإسرائيلية التي تحاكي حرباً مع «حزب الله»، تكشف عن أن الكيان الصهيوني، بات في موقع الضعف لا القوة، وإن شنّ غارات على قافلات أو مواقع أعلن قادته أنها بلغت المئة خلال السنوات الخمس الأخيرة، للإشارة إلى أنه مازال يملك المبادرة بالهجوم، إلا أنه لا يعرف ماذا ينتظره لو شنّ أي عدوان، إذ تذكر تقاريره الاستخبارية والعسكرية بأن «حزب الله» يمتلك نحو 150 ألف صاروخ من كل الأنواع والأعيرة، ولديه صواريخ أرض–بحر، وأرض–جو، وتتحدث عن طائرات من دون طيار وأخرى هجومية، إضافة إلى امتلاكه غواصات، والأخطر من كل ذلك، أن بنك أهداف المقاومة يطال كل مساحة الكيان الصهيوني من شماله إلى جنوبه ووسطه، وكل إحداثيات صواريخ المقاومة موجهة نحو الداخل الإسرائيلي في ثكناته ومرافئه ومطاراته، وأهمها مفاعل ديمونا وخزانات الأمونيا في حيفا.
Leave a Reply