سيرة العربي الأميركي الذي بدأ شبابه متمرداً على الواقع السياسي والاجتماعي
في رحلته التي ابتدأت كعامل على متن سفن النقل التي تجوب العالم، الى نشاطه الاجتماعي في ديربورن ومن ثم السياسي المطلبي في النقابات في مصانع السيارات، وصولا الى تأسيسه وآخرين المركز العربي للخدمات الاقتصادية والاجتماعية (أكسس)، بلغ اسماعيل أحمد قناعة مهمة: «حتى ننهض بالجالية العربية ويكون لنا حضور مؤثر، علينا ان نبدأ من الاسفل، من الأساس.. وقبل بناء احزاب سياسية او مؤتمرات، علينا البدء بتقديم الخدمات للناس، والدفاع عن مصالحهم الجارية».
اسماعيل أحمد |
وفي تعليقه على هذا التعيين البارز قال إسماعيل أحمد «إنه لفخر لي أن تمنحني حاكمة الولاية هذه الفرصة لتأدية هذا الدور الهام. إن دائرة الخدمات الإنسانية تقدم بالكثير لتوفير المساعدة إلى المواطنين المحتاجين، وكمدير لهذه الدائرة أتطلع للعمل من خلالها ومع شركائها في المؤسسات الحكومية لتقليص الفقر وتحسين مستوى حياة الأطفال والراشدين من ذوي الأوضاع المحتاجة إلى رعاية ودعم في ولايتنا». وأضاف أحمد «إنني سأكون مهتماً بصفة خاصة ببناء وتمتين أواصر التعاون على مستوى الولاية والمستويات المحلية، التي أطلقتها المديرة السابقة ماريان يوداو».
النشأة وتكوّن الوعيترعرع احمد في جنوب شرق ديربورن. عمل في مطلع عشرينياته على متن بواخر للنقل فمنحه ذلك فرصة السفر والتعرف على اماكن كثيرة من العالم، ليدرك شيئا فشيئا معاناة الطبقات الفقيرة بعيدا عن الارض التي ترعرع فيها. يقول: «زرت في احدى المرات ليبيريا، الدولة الافريقية، وشاهدت كيف تعيش الطبقات الفقيرة من ابناء الشعب في ربقة الفقر المدقع، ولاحظت ان هناك طبقة منعمة قليلة تنتمي الى العالم المخملي، والتي ترتبط بمصالح مع الشركات الكبرى، فنمى وعيي السياسي وادركت اشياء جديدة في الحياة».وتعمق ادراك احمد السياسي اكثر عندما زار كوريا الجنوبية ليرى نفس المعاناة باختلافات طفيفة. لكن ملاحظات احمد ذهبت ابعد من ذلك، فقد لاحظ وجود الجيش الاميركي والذي يمتلك امتيازات اكبر بكثير مما يمتلكها ابناء الشعب ليردد متسائلا: «ماذا نفعل نحن الاميركيون هناك، ولماذا لدينا تلك القواعد العسكرية، ولماذا نقف موقفا معاكسا لرغبة الشعب الكوري».دفع ذلك احمد ليعي العالم الحقيقي، بأم العين، بعيدا عن وساطة وسائل الاعلام وليطرح على نفسه اسئلة مفصلية عن غايات السياسات الخارجية للدول الكبرى واستغلالها للشعوب الفقيرة. انعكست افكار احمد الفتي، والذي لم يتجاوز بعد العشرين، في غضب من موقف الولايات المتحدة في كوريا والفيتنام وانخرط في صفوف الاميركيين المطالبين بوقف الحرب الفيتنامية. كان لديه سبب آخر لموقفه، هو معاناة شخصية لمس من خلالها سوء الحروب، فأخوه كان قد مرض بسبب تعرضه لكيماويات رشها الجيش الاميركي على فيتنام اثناء الحرب ليتوفى من بعدها بسنوات.كانت حصيلة تجربته ان اصبح منخرطا في النشاطات الاجتماعية التي عملت على المطالبة بحقوق العرب. عمل في اللجنة الاجتماعية لجنوبي شرق ديربورن بعد ان قررت الحكومة اخلاء المنازل هناك لبناء منطقة صناعية. اسفر النشاط الذي قام به الفتية العرب الاميركيون بعد ان نظموا تظاهرات ووصل الامر الى القضاء عن ربح القضية وتم الحصول على امر قضائي بمنع اعمال الهدم.ونظم العمال النشطاء انذاك اضرابا ضد شركات السيارات التي اشترت سندات خزينة من اسرائيل. كان ذلك اثناء عمله في شركات السيارات وبقي عاملا حتى بعد ان تخرج من جامعة ميشيغن واشتغل في التدريس الذي لم يستسغه لأنه أحب الاحتكاك اليومي مع الحياة.
ولادة «أكسس»كان العمل الاجتماعي في الجالية العربية الاميركية يتمحور حول مسائل بسيطة كتعبئة استمارات غير قارئي الانكليزية، في محاولة لمساعدتهم ليواجهوا العنصرية التي كانت تنخر في بعض المؤسسات الرسمية. فالفقر والامية اعداء الحقوق المدنية والمبتلى بهما لن يبلي بلاء حسنا في كسب حقوقه.الا ان الحصيلة النهائية لهذا العمل الاجتماعي اسفر عن مولود جديد: مؤسسة «أكسس» للخدمات الاجتماعية والاقتصادية، في اول السبعينيات، والتي كانت كما يقول احمد «المؤسسة الاجتماعية الوحيدة للعرب الاميركيين على مدى عشر سنوات». ورغم تواضعها (ايجار مبناها كان 250 دولار) وطراوة عظمها وقلة عدد متلقي الخدمات (حوالي 125 شخص) وقلة اعداد العاملين فيها (اسسها 12 ناشطا اجتماعيا)، الا انها ملأت فراغا ملحوظا على ساحة الجالية.ونمت «أكسس»، وبلغ اعداد متلقي الخدمات 4000 شخص، حتى وصلت اليوم الى 900 الف خدمة سنويا.الا ان نقلة نوعية حدثت في البنية الداخلية لقيادات المؤسسة عندما انضمت اليها امرأة عربية هي علية حسن، جدة اسماعيل احمد لأمه، بعد قدومها من نيويورك حيث كانت قيادية مسلمة عملت مع الافريقيين الاميركيين ومالكوم أكس وكانت من الذين نظموا رحلته الى العالم العربي. وكان انضمامها فاتحة للعمل النسائي وهو ما تمتاز به المؤسسة اليوم من طغيان الكوادر النسائية عليها وهو امر يشير الى تطور في ذهنية العمل الاجتماعي.
مستقبل العمل الجالويالى جانب عمله في «أكسس» يشغل احمد اليوم منصب نائب رئيس الحزب الديمقراطي في ميشيغن. ومن هذه التجربة يرى ان العمل في اي جالية يجب ان يبدأ من القاعدة الشعبية. فالجالية الاكثر تعلما تنتج كوادر عديدة، فليس الهدف هو انتظار القائد الاوحد الفريد لكي تتحسن احوال الشعوب، انما بناء المؤسسات التي تستمر بعد انتهاء دور المؤسسين والاستمرارية في انتاج القيادات. يقول احمد: «الآن في الحزب الديمقراطيي هناك ثلاثة عرب اميركيين في اللجنة التنفيذية، وثلاثة آخرين في اللجنة المركزية، وهذا تطور جيد.. هنا في أكسس نحاول ان نخلق قيادات كي تستمر المؤسسة». و يشغل احمد حاليا منصب المدير التنفيذي لمؤسسة «أكسس» منذ العام 1983.
ادارة الخدمات الانسانية فـي ميشيغنلكن اختيار احمد ليكون مديرا لإدارة الخدمات الانسانية في ميشيغن سينهي مسيرة 32 عاما من العمل في «أكسس» وسيكون دوره من الآن وصاعدا قيادة ثاني اكبر الادارات الرسمية في الولاية والتي تحتضن 10 آلاف موظف، وتصل ميزانيتها الى اكثر من 4 مليارات دولار. وهذه الادارة هي المسؤولة عن الخدمات الى تقدم الى العائلات والاطفال وتهتم بتنظيم الحضانة، التبني، تأهيل الاحداث، العنف الاسري، وبرامج العناية الطبية للاطفال. وكما قالت الحاكمة غرانهولم في سبب اختيارها له إن «خبرته في مجال الخدمات الانسانية ليس ببعيد عن دوره في «أكسس» فتاريخ ادارته السابق يعكس طريقة عمله، وهو نموذج عن القيادات التي تطمح الولاية للاستفادة منها».ويعبر احمد عن تشرفه باختياره لهذا المنصب ويرسم سياسته في عمله الجديد بقوله انها فرصة ليشارك «في الخدمة العامة، ومحاربة الفقر، واعادة صياغة نظام معونة الاطفال في الولاية». والى جانب ما تقدم، سوف يركز احمد في ادارته على «اسكان اللاجئين، مواضيع الهجرة، وحقوق السكان الاصليين». وأمامه ثلاث سنوات ونصف كي يُعمل منهجيته في مواجهة تلك المشاكل. وسيكون الوضع الاقتصادي في الولاية «تحديا كبيرا» أمام خطته الادارية، لكنه، وكما فعل في تجربته مع «أكسس» سوف يكرس كل وقته لتحقيق رؤيته. إلا ان كل ذلك يتوقف على تصديق مجلس شيوخ الولاية على قرار الحاكمة تعيينه على رأس الادارة، «فالذين يحاولون الوقوف في وجه العرب الاميركيين في كل مكان» لكنه رغم ذلك يتوقع ان يتم التصديق على تعيينه.
مستقبل «أكسس»من الخطط المستقبلية للمؤسسة ان يتم اجراء اصلاح قيادي عبر حملة «اختيار جيل جديد من مديري المؤسسة ووضع آلية لتأمين استمرارية في التغيير لأن اغلب القيادات فيها لم تتغير منذ مدة». ثانيا، وكما يقول احمد سيقام «حملة لاعادة تقييم الخدمات المقدمة لتأمين نوعية خدمات عالية». بالاضافة الى «تمتين دور المتحف العربي الاميركي عبر حملة تبرعات يجب ان تصل الى خمسة ملايين دولار خلال السنة القادمة، فصيت المتحف في نمو ونخطط لكي يصبح المتحف على مستوى المتاحف الوطنية، والتمويل مهم لأن اشتراكات الاعضاء ليست تكفي لتغطية التكاليف».وكشف احمد لـ«صدى الوطن» عن مشروع حملة قريبة لإعادة اعمار مبنى مؤسسة «أكسس»، على تقاطع شارعي ديكس وفيرنر في اقصى جنوب ديربورن. حيث سيتم اضافة بناء جديد للشبيبة بتكلفة حوالي الخمسة ملايين دولار تم جمع نصفها . كما سيتضمن المبنى كل انواع الرياضات.اما آخر المشاريع المستقبلية لـ«أكسس» فهي تمتين عمل «الشبكة الوطنية للجاليات العربية الاميركية» والتي تضم 15 منظمة انسانية في 11 ولاية على طول البلاد تنسق فيما بينها، حيث سيتم انضمام ما بين ستة او ثمانية منظمات جديدة الى الشبكة وهو مشروع مهم جدا لربط نشاطات وقضايا الجالية العربية الاميركية على طول الولايات المتحدة.
مساهمات أخرىمن مساهمات إسماعيل أحمد إشتراكه في تأليف كتاب «العرب في أميركا: أوهام وحقائق» ويعتبر خبيراً على المستوى الأميركي في شؤون الهجرة وإصلاح قانون الرفاه الإجتماعي (ولفير) وقضايا عربية أميركية. وقدم ورقة لـ«مؤسسة وودرو ولسون» للنشر بعنوان «المشاركة السياسية للعرب الأميركيين في الولايات المتحدة».ويحمل إسماعيل أحمد شهادة البكالوريوس في التربية والتعليم الثانوي من جامعة ميشيغن العام 1975 مع إختصاص فرعي في العلوم الإجتماعية. ويقيم أحمد مع زوجته مارغريت وأولاده الخمسة وحفيد واحد في مدينة ديربورن.
Leave a Reply