مريم شهاب
1- تعرفت على مارلين في أحد اللقاءات خلال عملي في حملة التوعية الصحية العامة، في فندق «هنري» بديربورن. كلامها معي زاد في ثقتي وقناعتي بأن فينا -نحن العرب والمسلمين وتحديداً اللبنانيين- الخير الكثير، وأن التعميم والميل إلى وصفنا بأننا شعوب فاسدة وغير قابلة للتحضر، كما يروّج البعض، هو أمر مرفوض ومردود على قائليه.
سيدة أنيقة تقدمت مني قائلة: إسمي مارلين، أنا موظفة في حكومة ميشيغن، هل أنتِ من لبنان؟
خفق قلبي بسرعة وقلت: يا ساتر يا ربّ! هل ستطلب مني أن أصبح عميلة للمخابرات الأميركية؟ ثم بذكاء ومرح على الطريقة الأميركية قالت ببساطة: لدي حاسة لا تخيب وأستطيع تمييز اللبنانيين، لأنهم مميزون بالكرم والشهامة. عندما كنت طالبة جامعية في أوائل السبعينات، قررت الجامعة ابتعاثي إلى بيروت لدراسة تاريخ الشرق لمدة سنة. وعندما وصلت إلى بيروت سألني صاحب الفندق: أيتها الفتاة هل يعرف أهلك أين أنتِ الآن؟ كانت الاتصالات وقتذاك معقدّة ومكلفة جداً. وبذل الرجل جهدا كبيرا في إجراء اتصالات هاتفية حتى تمكنت من التحدث إلى والديَّ على خط الهاتف وطمأنتهما عن أحوالي.
وظلَّ ذلك الرجل، صاحب الفندق، يشرف على تحركاتي وتنقلاتي. ولن أنسى له استقبالي لعدة أيام في بيته. شعرت بالألفة والود معهم، كانوا عائلتي. وجدت نفسي محاطة بكتيبة من أصحابه المثقفين الذين ساعدوني أكاديمياً واجتماعياً. وبعد عدة سنوات كبرت وقررت دراسة الماجستير في الدراسات الشرقية بالجامعة الأميركية في بيروت. واتصلت بصاحب الفندق الذي استقبلني في المطار. وقال لي: سوف تعيشين هذه المرة معنا في البيت. أنا لن أقبل لإبنتي العيش في فندقٍ بعد اليوم.
تابعت مارلين حديثها بالقول: كان ذلك في بداية الحرب الأهلية في بيروت وقد تحمّل معي الرجل وعائلته الكثير من المجازفة ومخاطر التنقل بين بيروت الغربية والشرقية، ثم قررت الانتقال إلى مصر وإكمال دراستي في فرع الجامعة بالقاهرة، تولى الرجل أمر انتقالي وتولى تسهيل مهمتي بالإتصال بأحد معارفه هناك حيث وفروا لي كل وسائل الراحة وسبل البحث للحصول على الشهادة.
لم أسألها عن إسم الرجل ولا عن عائلته، لكن مارلين فاجأتني بقولها: على فكرة زوجته تشبهكِ، تضع نفس حجابكِ الأبيض! وأنا لدي حاسة لا تخيب وأستطيع تمييز اللبنانيين لأنهم بالفعل يتميزون بالنبل والسخاء والشهامة.
2- خلال عودتنا من مشوار سياحي إلى جزيرة سانت أوغسطين التاريخية في فلوريدا، أمطرت السماء بغزارة، وأرخى الليل سدوله على الطريق السريع إلى أورلاندو، حيث بيت ابنتي.
قررت إبنتي أن نمضي الليلة في أحد الموتيلات، فترتاح من السواقة ونق الأولاد وإزعاجهم. وقادتنا الصدفة إلى موتيل على قدّ الحال. تفاجأت جداً عندما استقبلنا مدير الفندق ببشاشة ولطفٍ زائدين، رغم أخبار السوء التي تنقلها وسائل الإعلام. بعد أن دخلنا الغرفة، أنا وابنتي وأولادها، جاء العامل ليدعونا إلى النزول للكافتيريا بطلب من المدير، قلت في سرّي: أكيد غيّر رأيه وندم على استقبالنا كوني محجبة، والأخبار الملتهبة عن الإرهاب و«داعش» تسيطر على الأجواء.
نزلنا من الغرفة فوجدنا مدير الفندق وقد حضَّر لنا طاولة من الطعام الشهي و«السناك» للأولاد. شكَرَته إبنتي قائلة: عفواً نحن لم نطلب هذا الطعام! ابتسم الرجل وقال بالعربية: هذه لقمة أهلاً وسهلاً. أنا لبناني يهودي.. هاجر أهلي من بيروت عام 1960 إلى إسرائيل ثم هاجرت أنا إلى أميركا. عندي حنين إلى حي «أبو جميل» وإلى الجيران الطيبين. ولن أنسى جارنا أبو فوزي الذي كان يحمل أسطوانة الأوكسجين التي كان والدي غير قادر على التنفس بدونها. عندما رأيتكم الليلة وخصوصاً والدتك أعادت إلى ذهني صورة لبنان الجميلة التي لن تهزها كل «البلاوي» التي أسمعها في الأخبار..
Leave a Reply