غالباً ما يشتكي مواطنو ميشيغن من أن أحوال البنية التحتية تختلف اختلافاً كبيراً بين المدن الفقيرة والميسورة من حيث جودتها وصيانتها، لكن هذا التفاوت يبدو مثيراً للاستغراب حقاً عندما يكون ضمن المدينة الواحدة، كما هو الحال في ديربورن.
ففيما تخط البلدية طريقها «لقيادة المدينة نحو المستقبل» بالإعلان عن إنفاق فائض الموازنة على تطوير «الداونتاون الغربي» للاستفادة من توسع شركة «فورد» ومشاريعها التطويرية في المنطقة، تعيش معظم الأحياء الشرقية من المدينة حالة مزرية من تردي البنى التحتية، بما فيها الأزقة التي ظلت طي النسيان لعقود طويلة حتى أصبحت اليوم في حالة دفعت الكثيرين من أبناء المدينة إلى السؤال: من يملك هذه الأزقة وهل من يفكر في إصلاحها يوماً؟
التفاوت بين الأحياء الشرقية والغربية في ديربورن يبدو واضحاً لكل عابر سبيل. غالباً الفرق شاسع من حيث جودة الأرصفة والمماشي والشوارع، ولكن الفرق يبدو فاضحاً في حال التعمق أكثر ومقارنة الأزقة في المنطقتين.
في الشرق، لا تزال بعض الأزقة تغطيها الحصى والرمال، والبعض الآخر يبدو وكأنه من دول العالم الثالث.. أما في ديربورن الغربية فلا تجد شيئاً من هذا القبيل. وكأنك في مدينة أخرى أكثر ثراء.
الشرق المنسي
«صدى الوطن» تفقدت عدة أزقة في أنحاء المدينة استجابة للشكاوى المتزايدة من السكان الذين يضطرون إلى سلوكها لبلوغ مصالحهم التجارية ومرائب منازلهم، وقد تبين أن بعضها مهمل منذ زمن بعيد جداً، بشكل يتعارض مع حالة الأزقة في الجزء الغربي من المدينة.
«تبدو أسوأ من أسوأ منطقة في لبنان» قال أحد السكان وهو ينظر حانقاً إلى حفرة عميقة وسط الزقاق الواقع خلف بيته. وأكد المواطن الذي لم يرد الإفصاح عن إسمه، «كل يوم علي أن أقود السيارة محاولاً تفادي الحفر لأصل إلى بيتي. نحن لا نطلب إجراء صيانة تجميلية، إنها حالة ملحة».
مواطن آخر هو جميل الموسى أعرب عن نفس الإحباط بسبب عدم التفات البلدية قط للاعتناء بالحي الذي يقطنه.
وأضاف أنه كان راضياً عن نوعية الحياة منذ هجرته من لبنان إلى ميشيغن في عام 2000، ولكنه لاحظ «تدهوراً كبيراً» في البنى التحتية خلال السنتين الماضيتين و«تقصيراً فادحاً» من البلدية من حيث أداء واجبها بالاعتناء بنظافة وصيانة الأحياء.
وأشار الموسى إلى كتل الأسفلت المبعثرة على الزقاق الفاصل بين بيته ومتجره قائلاً «هناك أزقة أسوأ في الجوار.. لعضها غير معبد ومليء بالحصى، مما يجعلها مسارات غير سالكة وغير آمنة للسيارات».
وأضاف متسائلاً «لماذا نحن منسيون في الشرق؟».
ماذا تقول البلدية؟
استراتيجية البلدية في التعاطي مع تدهور أحوال الأزقة في المدينة، تقوم على إعطاء الأولوية للمناطق التجارية الحيوية، يليها تعبيد وإصلاح معظم الأجزاء التالفة في الأزقة، و«وضع مشروع بعيد الامد لتحديث الأزقة جنباً إلى جنب مع البنية التحتية»، بحسب ما أفاد رئيس بلدية ديربورن جاك أورايلي لـ«صدى الوطن»، دون الكشف عن مزيد من التفاصيل.
ومن ناحيتها، أشارت كريستينا شيبارد– ديسياس، المديرة التنفيذية لـ«هيئة تطوير الدوانتاون الغربي». إلى أهمية تحديث الأزقة في الوسطين التجاريين (الشرقي والغربي) نظراً إلى أن الأرصفة والأزقة الجميلة تشجع الزوار على المشي والتنزه كما تلعب دوراً هاماً في الحفاظ على وجه المدينة وسمعتها كمقصد للترفيه والتجارة.
وأضافت شيبارد–ديسياس «أن دائرة الهندسة في البلدية تحاول تحديد أنجع السبل القصيرة والطويلة الامد لإصلاح الأزقة»، على الرغم من أن التمويل لا يزال السبب الحاسم وراء تأخير البدء بها حتى الآن. فبمجرد توفير التمويل للمباشرة بالإصلاحات، فإن الأمر لن يستغرق سوى أشهر قليلة لاختيار الأزقة ذات الأولوية ووضع مواعيد لإصلاحها وتأجير المقاولين لإطلاق ورش الإصلاح.
وعلمت «صدى الوطن» أن دائرة الهندسة أنجزت مسحاً شاملاً لتقييم حال الأزقة في كافة أنحاء المدينة، لكن لم يتم حتى الآن تحديد أي جدول للإصلاحات بسبب عدم توفر التمويل من قبل البلدية.
ويستثنى من ذلك الأزقة في الداونتاون الشرقي (تقاطع ميشيغن أفنيو وشايفر) التي سيتم ترميمها في وقت لاحق من العام الجاري، وفقاً لمايك بويك، مدير «هيئة تطوير الدوانتاون الشرقي»، وتحديداً الأزقة المحاذية «للمتحف الوطني العربي الأميركي» وأسواق «ديربورن فريش» ومركز «ميدويست» الطبي.
موازنة شبه معدومة
ولكن ماذا عن الأزقة الأخرى في أنحاء شرق ديربورن؟ وهل يمكن أن يتم إصلاحها وتحديثها قريباً؟ أم أنها ستبقى طي النسيان رغم الفائض المالي في ميزانية بلدية ديربورن التي تلقت في كانون الثاني (يناير) الماضي دفعة بقيمة 9 ملايين دولار من حكومة الولاية بدل فائض في الميزانية؟
مجلس بلدية ديربورن أقر ميزانية السنة المالية القادمة في جلسة عقدت يوم ٢٣ أيار (مايو) الماضي، وقرر تخصيص اعتماد بقيمة نصف مليون دولار فقط لإصلاح الأزقة في الداونتاون الشرقي وديربورن وترقيع الحفر في باقي الأزقة المتهالكة.
عضو المجلس مايك سرعيني أكد لـ«صدى الوطن» أن البلدية كانت تخصص سابقاً ميزانية سنوية لصيانة الأزقة في المدينة قبل أن تتوقف عن ذلك قبل بضع سنوات بداعي التقشف، لافتاً إلى أن البلدية كانت تستخدم جزءاً من ميزانية الشوارع للقيام بالإصلاحات الضرورية وترقيع الحفر حسب الحاجة.
وأفاد سرعيني أن الحكومة الفدرالية فرضت قانوناً يلزم البلديات بمنع تسرب مياه الصرف الصحي إلى الأنهار والمسطحات المائية الطبيعية، مما يعني أن البلدية بحاجة إلى فصل أنابيب الصرف الصحي عن مجاري مياه الأمطار، وهذا يتطلب تمويلاً ولا يمكن تجاوزه عند إصلاح الأزقة و«هذا مشروع مكلف ويتطلب وقتاً طويلاً».
المشكلة تحت الأزقة!
من ناحيتها استفاضت ماري لاندروش، مديرة العلاقات العامة في البلدية، بأنه «لا يمكن على الفور اصلاح معظم الأزقة بسبب الحاجة إلى تجديد شامل لكل الأنابيب التحتية – وهي عبارة عن شبكة خطوط الصرف الصحي والمجاري المائية – وهي مدفونة تحت الأزقة والشوارع».
واستطردت «لا معنى من حفر وإعادة تعبيد وتحديث الأزقة لكي نكتشف لاحقاً ان علينا ان نعود ونحفرها من جديد».
وفي الوقت الحالي تختصر المشكلة في أن مياه الصرف الصحي الصادرة عن المنازل والشركات التجارية تمر عبر قنوات صغيرة وتلتقي مع انابيب أكبر منها وتجري كلها تحت الأزقة والطرق. ثم يتم جمع كل هذا الصرف الصحي وإرساله إلى مصنع ديترويت لمعالجة المياه الصحية العامة، حيث تقوم المضخات بتنقيتها قبل صبها في نهر ديترويت.
هذه الطريقة مكلفة جداً ولكن عملية فصل فعالة لمياه المجاري يمكن التوصل اليها من خلال تغيير الأنابيب والقنوات القديمة واستبدالها بأخرى جديدة مختلفة ومصممة خصيصاً لنقل مياه الصرف الصحي أو مياه الأمطار، كما شرح مدير قسم الهندسة في البلدية يونس باتيل.
ومضى يقول إن القانون الفدرالي الذي تم وضعه منذ أكثر من عشر سنوات ترك معظم المدن تبحث عن الموارد المالية المطلوبة لتحديث بنيتها التحتية، لافتاً إلى أنه إذا تمكنت ديربورن من توفير التمويل اللازم، فإن إصلاح كامل البنى التحتية في المدينة وفق قانون ٢٠٠٩ قد يستغرق حتى عام 2025. أي –ببساطة– إن تحديثاً شاملاً للأزقة في ديربورن غير وارد في غضون السنوات العشر القادمة على الأقل.
وأضاف أن ميزانية السنة المالية ٢٠١٨ لإصلاح الأزقة، والتي أقرت بقيمة نصف مليون دولار، تكفي لإصلاح مساحة 6000 قدم مربع من الإسفلت المتآكل. «على سبيل المثال، يمكن أن تقوم البلدية بترقيع 200 قدم مربع هنا و400 هناك، مع إعطاء الأولوية للأجزاء المهملة والرديئة جداً وذلك في وقت لاحق من هذا العام وفي العام 2018».
عقود طويلة من الإهمال
ولكن هذا لا يجيب على السؤال المطروح: لماذا أزقة غرب ديربورن أفضل حالاً من شرقها؟
باتيل أجاب باختصار «لأن أزقة شرق ديربورن بنيت قبل عقود طويلة من أزقة غرب ديربورن التي بنيت في الأربعينيات والستينيات في حين أن معظم أزقة شرق ديربورن بنيت في العشرينيات، أي قبل اندماج المدينتين، وبعضها لا يزال على حاله.
يذكر أن الجزء الشرقي من ديربورن، كان مدينة مستقلة باسم فوردسون (سبرينغولز سابقاً) قبل اندماجها مع ديربورن بموجب استفتاء أجري عام ١٩٢٨.
وأضاف باتيل «الأسفلت يمكنه البقاء سليماً لمدة 12 سنة فقط، ولكن عادة يتدهور بسرعة أكبر نتيجة عوامل مناخية قاسية ورش الملح»، مشيراً إلى أن البلدية قامت بتطوير بعض الأزقة في شرق المدينة فيما يزال بعضها تغطيه الحصى.
ولفت باتيل إلى أنه بإمكان السكان المطلة عقاراتهم على أزقة غير معبدة أن يجمعوا المال المطلوب لتقوم البلدية بتعيين المقاول المناسب لتنفيذ المشروع.
ومن الآن وحتى تجد البلدية حلولاً لأزقة الشرق المتهالكة، على المقيمين ألا يتوقعوا أكثر من أعمال ترقيع وردم للحفر الناشئة والطارئة. ويمكن الإبلاغ عن الحفر عبر الاتصال بقسم الأشغال العامة في البلدية على الرقم التالي: 3139432107.
Leave a Reply