دخل ألف وخمسمائة أسير فلسطيني في إضراب عن الطعام منذ أكثر من أسبوع، وهم يرفضون تناول الغذاء في محاولة الهدف منها تحسين ظروف الاعتقال الصعبة التي يواجهها ما يربو على 6500 فلسطيني، يقبعون الآن في أسر سلطات الاحتلال الإسرائيلي.
وقبل يوم واحد من الإضراب، نشر زعيم ذلك الحراك، مروان البرغوثي، مقالة افتتاحية في صحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية. وكشف البرغوثي في مقالته، التي كُتبت بمهارة كبيرة، ظروف الأسر في إسرائيل ومطالب المضربين عن الطعام. وتشمل مطالبهم، مزيداً من الزيارات الأسرية، ورعاية صحية أفضل، وإنهاء الحبس الانفرادي، والاعتقال الإداري، وهي من الممارسات التي تسجن السلطات الإسرائيلية بموجبها الفلسطينيين لفترات طويلة، من دون اتهامات أو محاكمات. ومن المطالب الأخرى أيضاً وضع هواتف عامة، يتمكّن من خلالها الأسرى من إجراء اتصالات بأسرهم، تخضع للمراقبة.
وبدأ البرغوثي مقاله بالإشارة إلى أنه قد قبع في السجن 15 عاماً، موضحاً أنه: «أثناء تلك الفترة، كنت شاهداً وضحية لإجراء الاعتقالات الجماعية غير القانوني في إسرائيل، وسوء معاملة الأسرى الفلسطينيين»، واختتم مقاله بفقرة رأي قال فيها: «بعد استنفاد كافة الخيارات، قررت أنه لا يوجد خيار آخر سوى مقاومة تلك الانتهاكات بخوض إضراب عن الطعام».
وبصفتي أحد مؤسسي حملة «حقوق الإنسان الفلسطينية»، لطالما اطلعت على «نظام عدالة» الاحتلال الإسرائيلي! ولأن معظم الأسرى الفلسطينيين تتم إدانتهم استناداً إلى اعترافات يتم الحصول عليها تحت التعذيب، دأبت منظمات حقوق الإنسان الدولية على إدانة الانتهاكات الإسرائيلية للقانون الدولي، وغياب الإجراءات الملائمة للتعامل مع الأسرى. وما يزيد على 80 بالمئة من كافة المعتقلين الفلسطينيين يُحرمون من حق الحصول على محام قبل أن يتم استجوابهم لفترات طويلة، كثيراً ما تشوبها انتهاكات.
وفي مقاله، وصف البرغوثي تلك الانتهاكات التي تعرض لها هو والأسرى الآخرون، مشيراً إلى أن ما يناهز 40 بالمئة من الرجال الفلسطينيين خاضوا تجربة الأسر القاسية في سجون إسرائيل. بيد أن رد المسؤولين الإسرائيليين على المقال والإضراب، في حد ذاته، عكس بصورة واضحة طريقة عملهم.
ولأن «التايمز» وصفت في البداية البرغوثي بعضو البرلمان والقيادي الفلسطيني، شنّت السلطات الإسرائيلية حملة لإجبار المحررين على تغيير وصفهم، والإشارة إلى أن البرغوثي تمت إدانته في جريمة قتل، والانتماء إلى منظمة إرهابية.
ولكن ما لم تذكره السلطات الإسرائيلية حقيقة هو أن عملية اعتقال ومحاكمة البرغوثي شجبها «اتحاد البرلمانات»، الذي يتخذ من سويسرا مقراً له، باعتبارها «انتهاكاً للقانون الدولي»، ولـ«عدم استيفائها المعايير». وخلُص «اتحاد البرلمانات» إلى أنه «لم يثبت ارتكاب البرغوثي لأي جرم».
ولكن عندما تخوض السلطات الإسرائيلية معركة تحاول فيها مواجهة الانتقادات، فإن الحقائق لا تهُم، فبدلاً منها، تلجأ إلى التهديدات المتنمّرة لإجبار المنتقدين على الإذعان. وقد وصمت الافتتاحية بـ«إرهاب صحفي»؛ واتهمت «التايمز» بـ«الإرهاب الإعلامي». وفي نهاية المطاف، رضخت «التايمز» وغيرت وصفها للبرغوثي تلبية للمطالب الإسرائيلية!
وفي تعليقه على حملة التنمّر الإسرائيلية، وصف «تشيكي ساليف»، الكاتب في صحيفة «هآرتس»، الأمر برمته بأنه «إحدى شعائر الإلهاء والإنكار»، موضحاً أنه بالتركيز على وصف البرغوثي، دون محتوى المقال، تمكنت إسرائيل من إبراز أمر ثانوي، والتعتيم على جوهر المقال.
وأما بالنسبة للمضربين عن الطعام، فقد تعهدت السلطات الإسرائيلية برد قاسٍ، وعدم إجراء مفاوضات، وتم وضع البرغوثي وقياديين آخرين قيد الحجز الانفرادي. وقال أحد الوزراء الإسرائيليين، إنه ينبغي «إعدام البرغوثي».
وبينما يجري في الوقت الراهن سنّ قانون يسمح للحكومة بإطعام الأسرى قسراً، اعتبر وزير الخارجية المتطرف «ليبرمان» أن الحكومة ينبغي أن تكون حاسمة، حتى إذا كان ذلك يعني ترك الأسرى يموتون. وعلى إسرائيل أن تدرك أنه مثل «حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات»، فإن الإضراب الجماعي عن الطعام من قبل الأسرى احتجاج سلمي، وحق أصيل.
Leave a Reply