سامر حجازي – «صدى الوطن»
أطلقت مجموعة من النشطاء العرب الأميركيين، الأسبوع الماضي، تحالفاً اجتماعياً جديداً يهدف إلى مواجهة آفة الإدمان على المخدرات بين أوساط الجاليات العربية بعيداً عن وصمة العار والحواجز الثقافية التي أدت الى غض الطرف عن هذه الآفة حتى استفحلت وتسببت بوفاة الكثيرين من أبناء جاليتنا مع معاناة لا تنتهي لذوي الضحايا.
القاضية ديفيس متحدثة خلال الندوة. (صدى الوطن) |
بعنوان «سايف» SAFE وهي اختصار لكلمات «السلامة، الإدمان، العائلة، التعليم»، أطلق التحالف في ندوة حاشدة أقيمت في مجمع نادي «هايب» الرياضي بمدينة ديربورن هايتس، بحضور مختصين في الصحة وقضاة وتربويين، إضافة إلى حشد كبير من أبناء الجالية العربية.
وتخلل الندوة التعريف بأعضاء الهيئة التنفيذية للتحالف، التي يرأسها الناشط حسن عبدالله (مديراً تنفيذياً) وتضم المدير التنفيذي لنادي «هايب» علي السيد، والدكتور علي دباجة والصيدلانيتين غادة عبدالله وزينب جعفر الشامي.
كما شارك في الندوة كل من الأستاذ في «جامعة ميشيغن» أد جوني، والقاضية في «المحكمة 41 ب» (كلينتون تاونشيب) ليندا ديفيس، والقاضي في «المحكمة 20» (ديربورن هايتس) ديفيد طرفة، ومدير جمعية «أمراض تعاطي المخدرات» دارلين أوينز، ومدير «الإنجازات الطلابية في مدارس ديربورن العامة» يوسف مسلّم.
افتتح عبدالله الندوة بكلمة شرح فيها الأسباب العاجلة التي أدت الى إطلاق هذه المبادرة، وقال: «لسنا بحاجة إلى خسارة شخص نحبه حتى ندرك أنه يتوجب علينا أن نقوم بشيء ما.. ليس بإمكاننا الوقوف مكتوفي الأيدي والاكتفاء بالبكاء والندب في الجنازات» (جراء تعاطي الجرعات الزائدة من المخدرات.
تجربة مريرة
وقال إن الهدف من تأسيس تحالف «سايف» هو تحطيم الحواجز الاجتماعية والثقافية التي تزيد من حساسية هذه المسألة وتعقيدها، وتعيق الأسر العربية من التعامل مع أبنائهم المدمنين بالطريقة الصحيحة التي تكفل إنقاذهم من براثن هذا الوباء الخطير.
من ناحيتها، سردت القاضية ديفيس بطريقة مؤثرة تجربتها الشخصية وصراعها المرير جراء تعاطي ابنتها للهيروين واستعرضت الخطوات الجريئة التي كان يتوجب عليها اتخاذها كي تساهم في إنقاذ ابنتها من الإدمان مؤكدة على أن وصمة الإدمان على المخدرات لا تقتصر فقط على الجاليات العربية، وقالت: «كأم كنت أشعر بالعار أن يعلم الآخرون بإدمان ابنتي.. لقد كنت -حرفياً- أراها وهي تموت أمامي، وكنت أشعر بالإحباط تماما.. لم أعرف ماذا علي أن أفعل».
وأضافت متابعة رواية فصول معاناتها: «لقد قمنا بإرسالها إلى عدة مراكز للعلاج من الإدمان، لكن لا أحد استطاع أن يحدث فرقا، وتحولت ابنتي من صبية مليئة بالصحة إلى هيكل عظمي بزنة 80 باونداً وغارت عيناها في محجرين عميقين.. لقد تغيرت تماماً حتى أني لم أعد أميزها».
وأضافت مخاطبة الحاضرين بالقول: عندما يقوم أحد أفراد العائلة بمواجهة الإدمان ومحاربته، فإن جميع أفراد العائلة يعانون من جراء هذا الوضع.. لقد تحملت الأوضاع العصيبة لعدة شهور وقضيت ليالي كثيرة من الأرق وعدم النوم بسبب قلقي على ابنتي.
وأشارت إلى أنها احتاجت إلى بعض الوقت لكي تستجمع شجاعتها وتخبر الآخرين عن صراع ابنتها ضد الإدمان، وأنها قررت في النهاية أن تفعل ذلك، لكي تشجع عائلات المدمنين على مواجهة الصعوبات التي يمرون بها، وأنها حالما فعلت ذلك أدركت أن تصرفها كان بمثابة نوع من العلاج لحالتها الصعبة.
وقالت ديفيس: «أريدكم أن تدركوا أن الإدمان مرض يصيب العائلة بجميع أفرادها.. وهذا هو الفصل الأكثر إحراجا لي في كل مراحل حياتي.. إنني لا أزال انفجر بالبكاء في كل مرة أقف فيها أمام مجموعة من الناس الغرباء وأتحدث فيها عن تجربتي. وكنتيجة لذلك، نشاهد بأم أعيننا كيف يموت أولادنا وكيف يكتسح العجز عائلاتنا».
تساؤلات
وفي فقرة «أسئلة وأجوبة»، أجاب أعضاء الهيئة التنفيذية للتحالف الجديد بمشاركة الضيوف على أسئلة الحاضرين.
واقترحت الدكتورة لبنى فقيه على المحاضرين إمكانية إجراء اختبارات عشوائية على طلاب المدارس المحلية، مشيرة إلى أن معظم الطلاب يعلمون أن بعض زملائهم يتعاطون المخدرات، ولكنهم يفضلون عدم إخبار أحد. وضربت مثالا على ذلك قصة أحد أصدقاء ابنها السابقين في المدرسة والذي توفي بسبب تعاطيه جرعة زائدة من المخدرات بعد تخرجه من الثانوية العامة، وقال إن ابنها وأصدقاءه الآخرين كانوا على علم بإدمان زميلهم، لكن لم يبادر أحد منهم ليمنعه من إيذاء نفسه.
وحثت فقيه الطلاب الذين يعرفون أن بعضاً من زملائهم يتعاطون المخدرات على أن يقوموا بواجبهم تجاههم وذلك بالإبلاغ عنهم، وقالت: «علينا أن نوفر لهؤلاء الطلاب مصدرا يمكنهم اللجوء إليه في مثل هذه الحالات».
وفي إجابته على مقترح فقيه بالفحص العشوائي لطلاب المدارس، قال مسلم إن القانون لا يسمح بمثل تلك الإجراءات، ولكن في حال وجود مؤشرات، ولو طفيفة، حول تعاطي بعض الطلاب، فيمكن لإدارات المدارس أن تقوم بإخبار أسر هؤلاء الطلاب لفعل ما هو مناسب. وأضاف: إن بعض المسؤولين قاموا بزيارات منزلية لعائلات الطلاب وعقدوا ندوات تثقيفية مصغرة لمساعدة الآباء في التعرف على أعراض الإدمان على المخدرات.
وأكد بالقول: «في حال إدراكنا لمؤشر ما حول أحد الطلاب فإننا نقوم بإعلام عائلته، وكمجتمع علينا أن نتفهم أننا عندما نعقد مناقشات مع العائلات فإننا نفعل ذلك بنية العمل معها وإقناعها بعدم النظر إلى تلك المسألة وكأنها من المحرمات» (تابو).
بدوره، أشار البرفسور جوني إلى أن أعداد المتعاطين للمخدرات تفوق الـ23 مليون شخص في الولايات المتحدة، الأمر الذي يجعل من الصعوبة بمكان على المجتمع أن يطوق هذه الظاهرة، واقترح -كبديل عن ذلك- أن يكون المجتمع منفتحاً في التعاطي مع هذه المسألة داعيا القيادات المجتمعية والأهلية إلى تثقيف الناس حول المصادر والجهات التي يمكن أن يلجأوا إليها للحصول على المساعدة، وقال: «هذه ظاهرة لا يمكن منع حدوثها كونها متغلغلة في المجتمع الكبير وعلينا أن نفهم أن مجتمعنا المحلي ليس استثناء، ولن يكون بمقدور أية مجموعة دينية أو روحية أن تضع نهاية لهذه الآفة».
مسؤولية الأطباء والصيادلة
وشددت الصيدلانية غادة عبدالله على أن العديد من الصيدليات بدأت تدقق بالوصفات الطبية التي تقوم بصرفها كي تتأكد من أن الزبائن ليسوا من متعاطي المخدرات، وأشارت إلى أنها قامت عدة مرات بالاتصال بنفسها بوكالة «مكافحة المخدرات الفدرالية» (دي إي أي) للإبلاغ عن أسماء بعض الأطباء المشتبه بتحريرهم لوصفات طبية مشكوك بصحتها.
وقالت: «أود أن أطمئن الناس بأن معظم الصيادلة يقومون بالعمل الصائب» وأضافت «نقوم بتحري الدقة قبل صرف الوصفات من خلال مساءلة المرضى وأطبائهم للتأكد من حقيقة الوضع».
واقترحت عبدالله على الصيادلة إنشاء صناديق خاصة في صيدلياتهم تمكن المرضى من التخلص من الأدوية (التي تحتوي مواد مخدرة) في حال انتهوا من تعاطي علاجاتهم، وعدم تركها أو رميها في الأماكن العامة، أو إعطائها لمتعاطي المخدرات.
يشار الى أن معظم حالات الإدمان على المخدرات بين الشباب تبدأ بواسطة العقاقير الطبية التي تحتوي على مواد أفيونية تؤدى الى الإدمان على الهيروين.
بدوره، أكد الدكتور دباجة أن جشع بعض الأطباء والصيادلة يعتبر واحدا من العوامل الأساسية في انتشار تعاطي المخدرات، وقال: «هذه هي اللحظة المناسبة لكي نتساءل كيف استطاعت ثقافة الاستهلاك المنفلتة وشبكات المصالح النفعية في انتشار هذا الوباء». مشيراً الى أنه حتى المستشفيات بدأت تنخرط في هذا النوع من ترويج المخدرات، وأضاف «أنا أعلم أن المستشفيات تعمل باهتمام لإيجاد الحلول المناسبة، ولكنني أعتقد فعلا أنهم تأخروا قليلاً».
وأكدت رئيسة المدراء التنفيذيين في «مستشفيات هنري فورد» مقاطعة ماكومب، باربرا روزمان، على أن مجموعتها أطلقت سياسات جديدة لتحرير الوصفات الطبية. وقالت: «لقد غيرنا عادات تحرير الوصفات في غرف الطوارئ، وبات جميع أطبائنا يصفون عدداً محدوداً من العقاقير المخدرة للمرضى المسعَفين، مع منع إعادة ملء تلك الوصفات بتاتاً».
وفي نهاية الاجتماع، عبر أعضاء الهيئة التنفيذية لـ«سايف» عن مفاجأتهم بنجاح الندوة التي استقطبت أكثر من 250 شخصاً، وأشاروا إلى أن التحالف الوليد بصدد عقد مجموعة من الفعاليات في المراكز الدينية خلال شهر رمضان القادم.
وقال عبدالله: «إن انخراط هذا العدد الكبير من أبناء جاليتنا في النقاش حول هذه المسألة كان أمراً مشجعاً للغاية ودليلاً على أنه بإمكاننا إحراز فرق كبير لمجرد أن نكون فعالين وصادقين في إثارة هذه القضية والبحث عن حلول لها». لمعرفة المزيد عن تحالف «سايف» يمكن زيارة صفحتها على موقع فيسبوك:
SAFE Substance Abuse Coalition
Leave a Reply