«برنامج مراقبة شرطة نيويورك للجالية الإسلامية» كان عنوان موضوع الصحافي اللامع الحائز على جائزة «بوليتزر» للإعلام، آدم غولدمان، الذي ألقى محاضرة في «جامعة ميشيغن-ديربورن» يوم الثلاثاء الماضي.
وحسب غولدمان فإنه بعد 11 أيلول (سبتمبر) 2011 بدأ قسم الإستخبارات داخل شرطة نيويورك بمراقبة صارمة للجالية الإسلامية في نيويورك والمدن الأخرى حولها، وأخذ يتجسس على بيوت العبادة الإسلامية والمنظمات الطلابية الإسلامية وحتى الأماكن التي يرتادها المسلمون عادة.
الصحافي غولدمان (الى اليمين) |
وقال غولدمان الذي كتب سلسلة تقارير عن هذا التجسس لوكالة «أسوشييتد برس» أنه عندما كان يغطي شؤون الأمن القومي مع زميله مات أبوزو لصالح وكالة الأنباء في العام 2010، سمعا تعابير مثل «زحافي المسجد» و«معدة الديموغرافيا» وبعد القيام بتحقيق دقيق في الموضوع إكتشف الإعلاميان أن شرطة مدينة نيويورك كانت تمسح «الخريطة البشرية للجالية الإسلامية لجمع معلومات سرية عن التجمعات الإسلامية الإجتماعية والدينية». وأضاف «لقد كانوا يرسلوا محققين من الشرطة إلى المقاهي والمطاعم التي يرتادها المسلمون لكي يجدوا من هم المالكين والزبائن. عندما نشرت الوكالة الإخبارية هذا التقرير حول التجسس ضد المسلمين، نفت إدارة الشرطة ورئيس بلدية نيويورك مايكل بلومبرغ الموضوع من أساسه ووصفاه بأنه «محض خيال».
وأردف غولدمان «لقد كنا في موقف الدفاع (عن تقريرنا) وبعدها بدأت الوثائق تتسرب إلينا من الناس مبرهنة لنا عن وجود «وحدات ديموغرافية» داخل إدارة الشرطة هدفها الأول تحديد ومسح للتجمعات الإثنية للسكان داخل منطقة «تراي ستيت» (منطقة نيويورك الكبرى) وتحديد ومسح المناطق الإثنية الساخنة». وأكد إرسال مخبرين أطلق عليهم إسم «زحافو المساجد» إلى 250 جامعاً في المنطقة قاموا بتسجيل خطب المشايخ ووضعوا علامة حمراء على 53 مسجداً على أنها مساجد «جديرة بالإهتمام» وأضاف «لقد وضع هؤلاء تقارير تحليلية عن المساجد وحددوها على أنها منظمات وخلايا إرهابية لكنهم لم يتهموا أي مسجد بأي عمل يشتم منه رائحة الإرهاب».
وقال أيضاً «أن إدارة الشرطة كانت مهووسة بمنظمات الطلبة المسلمين، وحددت سبعة منها جديرة بالإهتمام. والرأي العام لم يهتم بداية عندما نشرنا التقارير الإستخباراتية. ولكن عندما أظهرنا أن الوحدة كانت تتجسس على الجامعات المحترمة مثل «يل» و«كولومبيا»، بدأ الناس يهتمون للموضوع».
وقد أرادت شرطة نيويورك أن تعرف حقيقة مشاعر المسلمين وآراءهم حول التطورات والأحداث السياسية الراهنة. لذا كانت تبعث بالمخبرين إلى المساجد ومقاهي الأركيلة مباشرة بعد القصف الأميركي بطائرات من دون طيار في باكستان وأفغانستان ولمعرفة ما إذا كان المسلمون يتطرقون إلى هذا القصف «عندها توضع الإشارة الحمراء عليهم». فالمسلمون كانوا يستهدفون إذا تحدثوا في السياسة أو إذا غيروا أسماءهم أو إذا حتى تحدثوا بلغة «الأردو» التي يتكلمها آلاف المهاجرين الجدد من باكستان وأفغانستان.
وبالرغم من أن إرتطام طائرة لاعب البيسبول كوري لاديل بمبنى في نيويورك عام 2006 إعتبر حادثاً غير مدبر من قبل السلطات الأميركية، إلا أن شرطة نيويورك أرسلت مخبرين إلى المساجد لمعرفة ماذا يقول المشايخ بعد الحادث فكان أئمة المساجد يقولون «الحمد لله لم يكن عملاً إرهابياً ولكن رغم ذلك فإن خطب المشايخ أخذت طريقها إلى ملفات البوليس السرية».
وإستطرد غولدمان «أن الشرطة ضغطت على المسلمين الذين تعرضوا للمتاعب مع القانون وأجبرتهم على أن يصبحوا مخبرين لديها فإذا وقعت في مشكلة فإن الشرطة «ستعصرك» للعمل معها». وأعطى مثلاً على ذلك رجلا مسلما يافعاً عمره 18 عاماً قبضت عليه الشرطة وهو يحمل «ماريجوانا» فأجبرته على أن يصبح مخبراً فأخذ يتجول في المناطق ويلتقط صوراً للمسلمين في المطاعم على هاتفه المحمول، وكل الصور كانت بلا معنى.
إلا أن المراقبة البوليسية لم تؤد إلى أية معلومة ولو يتيمة عن نشاط إرهابي، لم تتمكن من الإنتباه إلى متهمين حقيقيين بقضاية إرهابية مثل نجيب الله زازي وهو أميركي أفغاني من أورورا (كولورادو) الذي كاد يفجر نفق قطارات في نيويورك عام 2009 وكان زازي قد ذهب إلى باكستان للمشاركة في «الجهاد» ضد الأميركيين في أفغانستان لكن مسؤولي «القاعدة» أقنعوه مع شخصين آخرين بالقيام بعملية إنتحارية في مدينة نيويورك. ولكن شرطة نيويورك أغفلت هؤلاء الأشخاص تماماً.
وقد نشر غولدمان وأبوزو كتاباً بعنوان «عدو الداخل» يفصل برنامج التجسس في نيويورك ويروي قصة التحقيق الذي أدى إلى الكشف عن مخطط زازي وإعتقاله.
تشارك الإعلاميان جوائز صحافية عديدة منها: جائزة «غولد سميث للتحقيق الصحفي» وجائزة «جورج بولاك» بعد تقاريرهما حول موضوع الأمن القومي.
وأوضح غولدمان «إن وحدة الديموغرافيا» شبيهة لأقسام أخرى داخل الشرطة التي إستهدفت أقليات عرقية وقادة حقوقيين في الماضي. ففي الستينات كانوا يستعملون «برنامج المخبرين في الأحياء الشعبية» والذي كان يستهدف أميركيين أفارقة ولمعرفة علاقتهم بميليشيا «الفهد الأسود».
وأكد غولدمان أن برنامج التجسس والمراقبة الذي دشنته شرطة نيويورك تم بالتعاون مع وكالة الإستخبارات الأميركية المركزية (سي أي آي) التي وظفت ضابطاً سرياً داخل شرطة المدينة ولكن بعد إفتضاح أمر الخبر إنتهى التعاون بين الطرفين -على الأقل علناً.
ولكن التقارير الإخبارية عن برنامج التجسس على المسلمين لم تنه هذه الممارسات، فقد تفاخر رئيس شرطة نيويورك راي كيلي بأن لا شيء تغير في البرنامج. إلا أن «الوحدة الديموغرافيا» أصبحت تسمى «وحدة التقييم المناطقي».
وتحصل شرطة نيويورك على 106 مليارات دولار من المحكمة الفدرالية لتمويل برامج مكافحة الإرهاب كل عام، وتذهب 60 مليون دولار منها لتمويل «وحدة الديموغرافيا» التابعة لشرطة نيويورك.
وقد رفعت ثلاث شكاوي قانونية ضد برنامج التجسس من ضمنها دعوى حقوقية لكن المدعين كان عليهم أن يظهروا الأذى اللاحق من هكذا برنامج وهذا صعب إثباته في المحكمة.
ولم يستبعد غولدمان وجود برامج تجسس مماثلة في مناطق أخرى من الوطن الأميركي إلا أن إنهيار التحقيق الصحافي الصارم ترك أثراً سيئاً جداً حول الإبقاء على النشاطات السرية للإدارات الرسمية والحكومية.
وكانت محاضرة غولدمان قد نظمتها رابطة الطلبة العرب وجمعية العلوم السياسية والمركز العربي للدراسات الأميركية ومجلس إتحاد الطلاب الإستشاري.
Leave a Reply