طرابلس – في اطار مشاريع التقسيم المعدة سلفا للمنطقة وبتخطيط من قوى عربية وغربية أعلن زعماء قبائل وسياسيون ليبيون، الثلاثاء الماضي، في مدينة بنغازي، منطقة برقة في شرق ليبيا إقليماً فدرالياً اتحادياً واختاروا رئيساً لمجلسه الاعلى الشيخ أحمد الزبير الشريف السنوسي وهو ابن عم الملك الليبي الراحل إدريس السنوسي، وقد سجن في فترة حكم القذافي قرابة 31 عاماً، وتمّ اختياره عن السجناء السياسيين عضواً في المجلس الوطني الانتقالي الليبي بعد ثورة “17 فبراير” التي أطاحت بنظام العقيد الليبي.
وقرر المؤتمر الذي عقد بمشاركة قرابة ثلاثة آلاف شخص من أهل برقة عن تأسيس مجلس إقليم برقة الانتقالي برئاسة السنوسي وهو قريب ملك ليبيا السابق لإدارة شؤون الإقليم والدفاع عن حقوق سكانه في ظل مؤسسات السلطة الانتقالية المؤقتة القائمة حالياً واعتبارها رمزاً لوحدة البلاد وممثلها الشرعي في المحافل الدولية.
وبرقة التي تشمل الشطر الشرقي من ليبيا هي أول منطقة تعلن إقليماً فدرالياً اتحادياً يتمتع بحكم ذاتي، مع تقارير تشير الى إنشاء إقليمين آخرين: طرابلس في الغرب، وفزان في الجنوب. اذا الملاحظة الكبرى هي أنّ تقسيم ليبيا تحت عنوان الفدرالية يبدأ من مدينة بنغازي وهي مهد الثورة على القذافي، وبذلك تبدأ تفتيت ليبيا في ظل الثورة مما قد يحدث ازمات وكوارث بليبيا خاصة وان المنطقة التي اعلن استقلالها وهي برقة تتكدس فيها اغلب الثروات النفطية بليبيا.
ورغم تأكيد المؤتمرين في بيانهم أن النظام الاتحادي الوطني (الفدرالي) هو خيار الاقليم كشكل للدولة الليبية الموحدة في ظل دولة مدنية دستورية شريعتها من القرآن والسنة الصحيحة مع اعتماد دستور الاستقلال الصادر في 1951 كمنطلق مع إضافة بعض التعديلات وفق ما تقتضيه ظروف ليبيا الراهنة، رغم الحديث عن بقاء برقة ضمن ليبيا الكبرى بأقاليمها الثلاثة فمن المنتظر ان تستعر الصراعات بين قبائل الشرق والجنوب أي بين اقليمي طرابلس وفزان ضد برقة التي سيعطيها التقسيم الحصة الكبرى من أهم ثروة بالبلاد، ألا وهو البترول، وتمتد منطقة برقة من مدينة بني جواد وحتى أمساعد، نقطة الحدود الليبية المصرية.
ولم يكترث منظمو هذا التجمع بالتظاهرات التي نظمت في العديد من المدن الليبية طوال يوم الاثنين الماضي، بما فيها مدينة بنغازي والتي رفضت بشدة تقسيم ليبيا إلى أقاليم معتبرين ذلك خطرا على وحدة البلاد وخاصة في الظروف غير الأمنية التي تعيشها.
وحاول أنصار هذا التوجه السياسي بث رسائل إلى جميع الليبيين تطمئنهم بأن الإعلان عن تشكيل هذا الإقليم لا يعنى تقسم ليبيا كما يدعى معارضو هذا التوجه.
يشار إلى أن ليبيا بعد استقلالها عام 1951 حكمت عن طريق النظام الفدرالي لنحو عشر سنوات تحت اسم المملكة الليبية المتحدة غير أن الملك إدريس السنوسي ألغى هذا النظام ووحد الدولة في كيان واحد تحت عرشه وغير اسمها إلى المملكة الليبية حتى الانقلاب العسكري الذي قادته مجموعة من الضباط برئاسة معمر القذافي عام 1969.
وقد صرح رئيس الحكومة الليبية عبدالرحمن الكيب في لقائه مع وزرة الخارجية الأميركية كلينتون أن هذا الإعلان قد أتى في إطار “ممارسة الديموقراطية”، مشدداً في الوقت ذاته على أنه لا تجوز مناقشة الفدرالية إلا ضمن الدستور الجديد، وقال انه “يختلف مع اصحاب اعلان فدرالية برقة في الرأي وفي أسلوب طرح رأيهم، لأن ما طرح مجال النقاش فيه فقط هو إطار إعداد الدستور الجديد”.
من جهتها، قالت كلينتون إن الولايات المتحدة تعمل على استكشاف طرق لتعزيز التعاون مع ليبيا في كافة المجالات وتعهدت الحكومة الليبية بـ”ترسيخ اللامركزية وتوفير الخدمات لكل المواطنين”.
وفي السياق، حذر مفتي ليبيا الشيخ الصادق الغرياني من أن إعلان منطقة برقة إقليما فدراليا اتحاديا هو “بداية لتقسيم ليبيا” و”ابتعاد عن شرع الله”، محملا الفساد المستشري في البلاد المسؤولية عن مثل هذه الدعوات.
وأجرى رئيس الأركان الليبي يوسف المنقوش محادثات مع رئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة المصرية المشير حسين طنطاوي في القاهرة، تناولت، بحسب مصادر رسمية، التعاون بين البلدين، والقضايا ذات الاهتمام المشترك وكان مسؤولون وخبراء أمنيون مصريون تحدثوا عن تداعيات خطيرة لـ”تقسيم ليبيا” على الأمن القومي المصري وكان مسؤولون وخبراء أمنيون مصريون تحدثوا عن تداعيات خطيرة لـ”تقسيم ليبيا” على الأمن القومي المصري.
في وقت سارع رئيس المجلس الانتقالي مصطفى عبد الجليل إلى اتهام دول عربية لم يسمّها بتذكية الفتنة في الشرق الليبي “حتى لا ينتقل إليها طوفان الثورة” كما لوح عبدالجليل باستخدام “القوة” لمنع تقسيم ليبيا.
وكانت ليبيا بعد استقلالها في العام 1951 مملكة اتحادية تتألف من ثلاث ولايات هي طرابلس وبرقة وفزان، وكانت برقة أكبر تلك الولايات من حيث المساحة. وفي 1963 جرت تعديلات دستورية الغي بموجبها النظام الاتحادي، وحلت الولايات الثلاث، وأقيم بدلاً منها نظام مركزي يتألف من عشر محافظات. ويرجع الإعلان الذي صدر عن قبائل برقة إلى الاستياء الذي يشيع بين سكان شرق ليبيا منذ فترة طويلة مما يعتبرونه إهمالاً من جانب حكام البلاد في طرابلس، التي تبعد أكثر من الف كيلومتر إلى الغرب. لكن الإعلان لا يتمتع بقوة قانونية، ولا يوضح ما إذا كان المجلس الجديد سيعمل في إطار مؤسسات المجلس الوطني الانتقالي أم سيكون منافساً له.
ورداً على سؤال لتوضيح تلك النقطة قال محمد بويصير، وهو أحد منظمي المؤتمر، إنه كان على اتصال مع المسؤولين في طرابلس، وطلب منهم أن يأتوا ويتفاوضوا، مضيفاً أن ذلك ينبغي أن يتم من خلال المفاوضات، لكنه أضاف إنهم لن يعطوا أحداً شيكاً على بياض
وكانت مدينة بنغازي ومدن ليبية أخرى شهدت تظاهرات مناهضة للعودة إلى نظام الحكم الفدرالي، كما أكدت على ضرورة إلغاء مركزية الإدارة في الدولة. ورفع المتظاهرون شعارات تؤكد على أن اللحمة الوطنية هي أساس بناء الدولة الليبية، وأن طرابلس هي العاصمة، مطالبين في الوقت ذاته المجلس الوطني الانتقالي والحــكومة الانتقالية بعدم تهميش الشرق الليبي والاهتمام به وعدم اتباع نظام الحكم المركزي.
ومن شأن اتخاذ خطوات نحو منح برقة مزيداً من الحكم الذاتي أن يقلق شركات النفط العالمية العاملة في ليبيا، لأنه يثير احتمال اضطرار تلك الشركات لإعادة التفاوض بشأن عقودها مع كيان جديد.
Leave a Reply